ما حكم الطلاق بدون سبب
الطلاق حلٌ لا مشكلة
عندما شرع الله سبحانه وتعالى الشرائع لعباده بطريق الوحي وهو القرآن الكريم والسنة النبوية؛ فإنما شرع عليهم ذلك لما فيه صالحهم وخيرهم الدنيويّ والأخرويّ، حتى إن ظنّ العبد غير ذلك ورأى بنظره القاصر، فالخير كل الخير فيما شرع الله وفرض، والشر كل الشر في مخالفة أوامره واجتابها وارتكاب ما حرّم، وقد أحل الله سبحانه وتعالى الطلاق بعد الزواج واستدامة الحياة الزوجيّة ليكون حلاً يلجأ إليه الرجل إن رأى تعذُّر استمرار الحياة الزوجيّة بينه وبين زوجته، ولكن الرجل مستأمَنٌ في ذلك؛ فلا يجوز له أن يجور فيما أعطاه الله من القوامة والعصمة، فإن ظلم زوجته وطلّقها دون وجه حق، فإن الله سبحانه وتعالى يطرده من رحمته ويجعل له عقاباً لا يعاقبه لأحدٍ من خلقه، فمتى يكون الطلاق جائزاً ومتى يكون ممنوعاً؟
الطّلاق لغةً: التّسريح، ومن ذلك قيل: أَطْلَقْتُ النَّاقة: أي سَرَّحْتُها،[1] وهو اصطلاحاً: رَفعُ القَيد الثَّابت شَرعاً بالنّكاح.[2]
أحكام الطلاق
الأصل في الطّلاق المنع، إلا أنّه يخضح للأحكام الفقهيّة كلها فمرةً يكون مباحاً وأخرى يكون مكروهاً، وثالثةً يكون محرّماً، وربما يكون مندوباً أو مستحبّاً؛ وإنما أُبيح الطّلاق لحاجة أحد الزوجين إلى الخلاص من زوجه الآخر،[3] وقد يكون الطلاق مَندوباً إن كان هنالك تَفريطٌ ظاهرٌ من قِبل المرأة في حُقوق الله الواجبة عليها مع عجز الزّوج عن إجبارِها على القيام بها، ويكون الطلاق واجباً إن صدر من الحكمَين في قضايا التّفريق للشّقاق والنّزاع؛ لأنّ حُكمها يقع طلاقاً ويجب العمل به وإيقاعه إن اعتمده القاضي، ويكون الطلاق مكروهاً إذا كان قد وقع من غير سببٍ مُعتبرٍ شرعاً أو حاجة حقيقيّة إليه، والطلاق المحظور والمحرّم ما كان من وصف الطّلاق البدعيّ الذي منعته الشّريعة الإسلاميّة وحرّمته تماشياً مع الوضع الصحيّ والنفسيّ للزّوجة في تلك المرحلة الحرجة التي تمر بها مع وقوع الطلاق حينها وثبوت الحرمة والإثم بحق الزوج.[4]
الطلاق بلا سبب
الطلاق بلا سبب يُراد به أن يعمد الرجل إلى تطليق زوجته دون أن ترتكب جُرماً يدعو إلى طلاقه لها، أو أن يتعذّر بأمر ليس له أصل ليطلّقها، قاصداً في ذلك الخلاص منها والإضرار بها لا أكثر، وقد دعى الإسلام الزوج للتريّث إن أراد تطليق زوجته وعزم على ذلك إذا كان استمرار الحياة الزوجيّة بينهما مستحيلاً وكانت الخلافات مستحكِمة، كما دعاه للصبر على زوجته إن كانت مذنبة، فكيف إن لم يكن لها ذنبٌ في تطليقه إياها؟
التأصيل الشرعي لمسألة الطلاق بدون سبب
إنّ طلاق المرأة يُعدّ من أشد أنواع الإضرار بها؛ لما يلحقه من تأثيرٍ نفسيّ ومجتمعيّ فيها، وآثاره التي لا تنتهي عليها من تلقاء نظرة المجتمع الظالمة لها ولأولادها، وليس للرجل أن يطلّق زوجته إلا لسببٍ منطقي مقبولٍ شرعاً وعرفاً، والشريعة لا تطلب ممن يريد طلاق زوجته أن يبيّن أسباب طلاقه لزوجته؛ لأنّ هذا من أسرار البيوت التي يجب كتمانها وصيانتها وعدم انتهاكها، لكن يجب على المسلم أن يحكّم ضميره ويُعمِل عقله حين الطلاق، فيعامل زوجته بمثل ما يحب أن تُعامَل شقيقته أو بنته من قِبَل زوجها، وقد قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بخصوص الطلاق: (أَبْغَضُ الْحَلالِ إِلَى الله تَعَالَى الطَّلاقُ)[5]
فالطلاق وإن كان حلالاً لكنَّ الله يبغضه، لما فيه من إضرارٍ بالمرأة وأبنائها وأهلها وبالتالي على المجتمع ككل، والمؤمن يجب أن يكون حريصاً على ما يُرضي الله تعالى، مبتعداً عما يبغضه عزّ وجل. فإن أمر الطلاق عظيم، لا ينبغي للمسلم أن يُقدم عليه إلا إن كان وراءَه سببٌ مشروع، أو رأى أنّ الطلاق أصلح من استمرار الزوجين، ويكون التقدير في ذلك له، وعليه وزر ذلك إن أخطأ.[6]
أقوال العلماء في حكم الطلاق بدون سبب
اختلف العلماء في حكم طلاق الرجل لزوجته بلا سبب شرعيٍّ، فذهب فريقٌ من العلماء إلى أنه مكروه، وقال آخرون إنّه محرّم، وفيما يلي بيان أقوالهم:
- ذهب فقهاء الحنفيّة والحنابلة إلى أن الطلاق بلا سبب محرّمٌ شرعاً ويأثم فاعله، وذلك لقوله صلى الله عليه وسلم: (لعن الله كل ذواق، مطلاق) ولأن في الطلاق كفراً لنعمة الله سبحانه وتعالى، حيث إنّ الزواج نعمة من نعم الله، والطلاق بلا سببٍ كفرٌ لنعمة الزواج؛ وكفران النعمة حرام، فلا يحلّ الطلاق إلا لضرورة.[7]
- ذهب فقهاء المالكيّة إلى القول إنّ طلاق الرجل لزوجته بلا سببٍ مشروع مكروه وليس محرماً.[8]
أنواع الطلاق
قسَّم الفقهاء الطّلاق إلى عدّة أقسام وذلك بحسب النظر إلى سببه وحكمه واللفظ الصادر من المطلق والجهة المصدرة له، فيختلف في ذلك الطّلاق باعتبار حكمه عن الطلاق باعتبار لفظه، وبيان ذلك على النّحو الآتي:
أنواع الطلاق باعتبار لفظه
ينقسم الطلاق باعتبار لفظه إلى طلاقٍ صريح، وطلاق كنائي وبيانه فيما يلي:
- الطّلاق الصّريح: وهو كل ما اُشتقّ من مادة طَلَقَ، كأن يقول الرجل لزوجته: أنت طالق، ومُطَلَّقة، ومِطْلاق، أو أنت الطَّلاق، وقد نصّ على ذلك فقهاء الحنفيّة،[9] والمالكيّة.[10]
- الطّلاق الكنائيّ: وهو ما كان يَحتمل الطّلاق وغيره، إلا أنّ الزّوج عند تلفظه به توجّهت نيته لإيقاع الطّلاق؛ كقوله: (حبلك على غاربه، أو الحقي بأهلك)، أو أن يقول: (أنت حلّ للأزواج)، إلى غير ذلك من الألفاظ التي تختلف باختلاف الأعراف، ومناطه نيّة الطّلاق والمقصود من اللفظ الصادر من الزوج،[14] وهذه النيّة لا يَكشِف عنها إلا الزّوج نفسه بالإقرار، وبخلاف ذلك لا يقع الطّلاق ولا يكون اللفظ معتبراً.
أنواع الطلاق باعتبار أثره
- الطّلاق الرجعيّ: هو ما يجوز معه للزّوج أن يرد زوجته في عدَّتها من غير استئناف عقد جديد ولا فرض مهر، ولو من غير رضاها، ويكون ذلك بعد الطّلاق الأول أو الثّاني غير البائنين إذا تمّت المراجعة قبل انقضاء العدّة، فإذا انتهت العدّة آل الطّلاق إلى بائن، والأصل في هذا قوله تعالى: (الطَّلاقُ مَرَّتان فَإمْساكٌ بِمَعْروفٍ أو تَسْريحٌ بإحْسان).[15] والمراد بالإمساك بالمعروف هنا حقه في إرجاعها وردّها إلى النّكاح ومعاشرتها بالمعروف.[16]
- الطّلاق البائن: وهو وصفٌ لِحال الطَّلاق إذا انقَضَت العِدَّة من الطَّلاق الرَّجعي الأول أو الثاني ولم يستخدم الزّوج حقه بإرجاع زوجته أثناء العدة،[17] أو ما وقع من الطلاق قبل الدّخول بين الزوجين، أو المُخالعة التي تفتدي به الزوجة نفسها بالمال،[16] فإنّ الزّوج لا يملك أن يُرجِع مطلّقته بائناً بعد هذا الطّلاق إلا بعقد ومهر جديدين وبشرط قبولها أيضاً، ويندرج تحت هذا النوع الطّلاق البائن بينونة كبرى: وهو ما وقع بعد طلقتين رجعتين ورجعتين، أو بعد طلقتين آلتا إلى بائن ثم أرجع الزوج زوجته ثم طلقها، وبهذه الحالة فإنّ الزّوجة تبين من زوجها بينونةً كبرى، فلا يملك أن يرجعها إلى عصمته مرة أخرى إلا بعد زواجها من رجلٍ آخر ودخوله بها دخولاً حقيقيّاً، ثم يفارقها من غير قصد تحليلها لزوجها الأول أو أن يموت عنها، فإن وقع ذلك جاز للزّوج الأول أن يخطبها، فإن قبلت به تزوّجها بعقد ومَهر جديدين،[17] ويهدم العقد الجديد آثار الزّواج الأول، والطلقات السابقة ويكون له على زوجته ثلاث طلقات أُخَر.
أنواع الطلاق باعتبار وقته
- الطّلاق السُّني: وهو ما وقع في حال طُهر المرأة الذي لم يحصل فيه جماع، وقد ذكر ابن المنذر الإجماع على ذلك بين الفقهاء.[18][19]
- الطّلاق البِدْعِي: وهو ما خالف السُّنة؛ كما في طلاق المرأة الحائض أو أن يطلقها في طُهرٍ جامعها فيه، وهذا الطّلاق مع حُرمة فعله وترتب الإثم على مرتكبه؛ إلا أنّه إن وقع فيقعُ صحيحاً وتترتب عليه آثاره، وتحسب به طلقة من الطلقات الثلاث.[19]
المراجع
- ↑ ابن منظور، لسان العرب (الطبعة الثالثة)، بيروت: دار صادر، صفحة 479، جزء 2. بتصرّف.
- ↑ إبراهيم الحنفي، ملتقى الأبحر، بيروت: دار الكتب العلمية، صفحة 3، جزء 1. بتصرّف.
- ↑ ابن نجيم، البحر الرائق شرح كنز الدقائق ومنحة الخالق وتكملة الطوري، صفحة 254، جزء 3. بتصرّف.
- ↑ ابن قدامة، المغني، القاهرة: دار القاهرة، صفحة 363، جزء 7. بتصرّف.
- ↑ رواه أبو داود، في سنن أبي داود، عن عبد الله بن عمر، الصفحة أو الرقم: 2178، صالح.
- ↑ د. نوح علي سلمان القضاة (27/4/2010)، "تحذير الزوج من الطلاق لغير سبب"، دائرة الإفتاء العام في المملكة الأردنيّة الهاشميّة، اطّلع عليه بتاريخ 24/1/2017. بتصرّف.
- ↑ سيد سابق، فقه السنة (الطبعة الثالثة)، بيروت: دار الكتاب العربي، صفحة 242، جزء 2. بتصرّف.
- ↑ وهبة الزحيلي، الفقه الإسلامي وأدلته (الطبعة الرابعة)، بيروت: دار الفكر، صفحة 6922، جزء 9. بتصرّف.
- ↑ محمود العيني، البناية شرح الهداية (الطبعة الأولى)، بيروت: دار الكتب العلمية، صفحة 306-309، جزء 5. بتصرّف.
- ↑ ابن رشد، بداية المجتهد ونهاية المقتصد، القاهرة: دار الحديث، صفحة 95، جزء 3. بتصرّف.
- ↑ شمس الدين الشافعي، الإقناع في حل ألفاظ أبي شجاع، بيروت: دار الفكر، صفحة 438، جزء 2. بتصرّف.
- ↑ ابن قدامة، المغني، القاهرة: مكتبة القاهرة، صفحة 294، جزء 7. بتصرّف.
- ↑ سورة الطلاق، آية: 1-2.
- ↑ محمد بملا، درر الحكام شرح غرر الأحكام، صفحة 368، جزء 1. بتصرّف.
- ↑ سورة البقرة، آية: 229.
- ^ أ ب ابن نجيم، البحر الرائق شرح كنز الدقائق ومنحة الخالق وتكملة الطوري، القاهرة: دار الكتاب الإسلامي، صفحة 55، جزء 4. بتصرّف.
- ^ أ ب الكاساني، بدائع الصنائع، بيروت: دار الكتب العلمية، صفحة 187، جزء 3. بتصرّف.
- ↑ علي السعدي، النتف في الفتاوي (الطبعة أبو الحسن السهعدي)، بيروت: دار الفرقان، صفحة 319، جزء 1. بنصرّف.
- ^ أ ب ابن قدامة، المغني، القاهرة: مكتبة القاهرة، صفحة 278-279، جزء 7. بتصرّف.