-

ما حكم تخفيف اللحية

ما حكم تخفيف اللحية
(اخر تعديل 2024-09-09 11:28:33 )

اللّحية

يعتبر إعفاء اللّحية من سنن الفطرة التي فطر الله سبحانه وتعالى الناس عليها، وهي أيضاً من سنن الأنبياء عليهم الصلاة والسلام وهديهم، وقد ميّز الله سبحانه وتعالى الرجال باللّحية عن النساء وزيّنهم بها، وقد كانت اللِّحية قديماً تُمَثِّل رمزاً مُهمّاً في المُجتمع الإسلاميّ، وكانت سِمةً مُلاصِقَةً للرّجال على اختلاف أعراقهم وأطيافهم، أما في الزَّمن الحاضر فقد اختلطت الشّعوب الإسلامية بالحضارات الغربيّة واختلفت الأعراف والتقاليد، وأصبحت تُعرض على المسلم مسائل جديدة، ومستجدة، ومن بينها تخفيف اللّحى وحلقها، فما المقصود باللّحية في لغة العرب وفي الاصطلاح، وما حكمها الفقهي عند أهل الفقه، وما حكم حلقها وما حكم تخفيفها، هذا ما سيتناوله هذا المقال بإذن الله سبحانه وتعالى.

تُعرّف اللِّحيَةُ في اللُّغة بأنّها: اسْمٌ يجمع من الشّعْر مَا نَبَتَ على الْخَدين والذقن، وجمعها لِحىً، قَالَ سِيبَوَيْه: وَالنّسب إِلَيْهِ لَحَوِيّ، وَرجل ألحَى ولِحيانيّ أي: طَوِيل اللِّحيةِ، والتحى الرّجل: صَار ذَا لِحيةٍ، واللَّحْيُ: الذِي ينْبت عَلَيْهِ الْعَارِض. وَالْجمع ألْحٍ ولُحِىٍّ ولِحاءٌ، واللَّحيانِ: حَائِط الْفَم، وهما العظمان اللَّذَان فيهمَا الْأَسْنَان من دَاخل الْفَم، حيث يكون للْإنْسَان وَالدَّابَّة، وَالنّسب إِلَيْهِ لَحَويّ.[1]

أما في الاصطلاح فاللّحية هي: الشَّعْرُ النَّابِت على الذَّقْن والتي هي مُجتَمع اللِّحْيَيْن، ومثلها العارض.[2].

حكم اللّحية

للفقهاء في حكم اللّحية أقوال عدة، وهي:

  • ذهب فقهاء الحنفيّة، والمالكية، والحنابلة إلى أنّ إعفاء اللِّحية واجب، مستدلّين على قولهم بعدة أدلة منها: ما رواه ابن عمر رضي الله عنهما أنّ رسول الله صلَّى الله عليه وسلم قال: (خالفوا المشركين: وفروا اللّحى، وأحفوا الشّواربَ، وكان ابنُ عمرَ إذا حجَّ أو اعتمر قَبَضَ على لحيتِه، فما فَضُلَ أَخَذَهُ)،[3] وبما رواه أبو هريرة رضي الله عنه، عن النَّبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم قال: (جُزُّوا الشَّوارِب وأرخوا اللِّحى، خالفوا المجوس)،[4] فعند أصحاب هذا القول يحرم حلق لحية الرجل، ومن السُنة ألّا يُزاد في طولها على القبضة،[5]
  • ذهب فقهاء الشافعية وغيرهم، مثل الإمام الهيتمي، والإمام زكريا الأنصاري، إلى أنّ إعفاء اللّحية سُنّة يُكره حلقها والمبالغة في قصّها،[6][7] واستدل أصحاب هذا القول بما روت أم المؤمنين عائشة رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا: (أن النّبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: عشر من الفطرة؛ قصّ الشّارب، وإعفاء اللّحية، والسّواك، والمضمضة، والاستنشاق، وقصّ الأظفار، وغسل البراجم، ونتف الإبط، وحلق العانة، وانتقاص الماء)،[8] ففي الحديث النبوي جُعل إعفاء اللّحية مع المَسنونات من السواك، والمضمضة وغيرها، ممّا يدلّ على أنّ حكم الجميع واحد.[9]

حكم تخفيف اللّحية

اختلف الفقهاء في حكم تخفيف اللّحية أو الأخذ منها على قولين:[10]

  • القول الأول: يُكره أن يأخذ منها في غير النسك، وهو مذهب فقهاء الشافعية، واستدلوا على قولهم بما رواه الصحابي عبد الله بن عمر رضي الله عنه أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (انهكوا الشواربَ، وأعفوا اللحى)،[11] ووجه استدلالهم بهذا الحديث أنّ المقصود بإعفاء اللّحى تكثيرها.
  • القول الثاني: للشخص أن يأخذ من لحيته، وهو مذهب كثير من أصحاب النبي صلَّى الله عليه وسلَّم والحسن وابن سيرين ومذهب الحنفية والمالكية والحنابلة، واستحبه الشافعي في النسك، وغيرهم، واستدل أصحاب هذا القول بما رواه عبد الله بن عمر رضي الله عنه أنّ النبي صلى الله عليه وسلم قال: (خالفوا المشركين: وفروا اللحى، وأحفوا الشواربَ، وكان ابنُ عمرَ: إذا حجَّ أو اعتمر قبض على لحيتِه، فما فضل أخذَه )،[13] واستدلوا أيضاً بأنّ الصحابة رضوان الله عليهم كانوا يأخذون من لحاهم في النُسك مما يدل على جوازه خارج النُسك، وقد اختلف أصحاب هذا القول في المقدار الذي يؤخذ من اللّحية على قولين:
  • إنّه لا حدّ لمقدار ما يؤخذ من اللّحية، إلا أنّه لا يتركها لحد الشهرة، وهو مذهب فقهاء المالكية.
  • إنّه يؤخذ من اللّحية ما زاد على القبضة، وهو فعل ابن عمر رضي الله عنه.

من بين الأحكام المتعلقة باللّحية؛ العناية بها وصبغها وفيما يلي بيان لذلك:[14]

  • العناية باللّحية: يُقصد بالعناية باللّحية أخذ ما زاد منها وتشوه، والعناية باللّحية أمر مشروع حث عليه النبي صلى الله عليه وسلم؛ فيُكره أن يترك الرجل شعر لحيته شعثاً من غير تسريح ولا تنظيف ولا ترتيب، بل إنّ من السُنة أن يُطيّب الرجل شعر لحيته، ويُسرحها.
  • صبغ شعر اللّحية: من السُنة النبوية أن يصبغ الرجل شعر لحيته بغير اللون الأسود، إذا ظهر فيها الشيب، وقد ذهب جمهور الفقهاء إلى كراهة صبغ شعر اللّحية باللون الأسود في غير الحرب، وذهب فقهاء الشافعية إلى حرمة صبغها باللون الأسود لغير المجاهدين.

أمور يُكره فعلها في اللّحية

هناك العديد من الأمور التي ذكرها العلماء يُكره فعلها في اللّحية، منها:[14]

  • يُكره تبييض اللّحية، وذلك بتكثير الشيب فيها بقصد التعاظم.
  • يُكره نتف اللحية.
  • يُكره نتف الشيب من اللّحية.
  • يُكره تسريحها طاقة فوق طاقة؛ أي جعلها طبقة فوق الأخرى بقصد التباهي والخيلاء.

المراجع

  1. ↑ أبو الحسن علي بن إسماعيل بن سِيْدَه (2000)، المُحكم والمحيط الأعظم (الطبعة الأولى)، بيروت: دار الكتب العلمية، صفحة 444، جزء 3.
  2. ↑ أبو عمر دبيان بن محمد الدبيان (2005)، موسوعة أحكام الطهارة (الطبعة الثانية)، الرياض: مكتبة الرشد، صفحة 337، جزء 3.
  3. ↑ رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما، الصفحة أو الرقم: 5892.
  4. ↑ رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن أبي هريرة رضي الله عنه، الصفحة أو الرقم: 260.
  5. ↑ عبدالرحمن بن عوض الجزري (2003)، الفقه على المذاهب الأربعة (الطبعة الثانية)، بيروت: دار الكتب العلمية، صفحة 44، جزء 2.
  6. ↑ ابن الملقن، تحقيق عبد العزيز المشيقح (1417 هـ - 1997 م)، الإعلام بفوائد عمدة الأحكام (الطبعة الأولى)، المملكة العربية السَّعودية: دار العاصمة للنشر والتوزيع، صفحة 711، جزء 1. بتصرف.
  7. ↑ أبو يحيى الأنصاري، أسنى المطالب في شرح روض الطالب، بيروت: دار الكتب العلمية، صفحة 551، جزء 1.
  8. ↑ رواه الإمام مسلم، في صحيح مسلم، عن عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها، الصفحة أو الرقم: 261.
  9. ↑ أبو الحسين يحيى بن أبي الخير بن سالم العمراني (2000)، البيان في مذهب الإمام الشافعي (الطبعة الأولى)، جدة: دار المنهاج، صفحة 113، جزء 1.
  10. ↑ ديبان محمد الديبان (10-9-2012)، "حكم الأخذ من اللّحية"، شبكة الألوكة، اطّلع عليه بتاريخ 30-6-2017، بتصرّف.
  11. ↑ رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن عبد الله بن عمر، الصفحة أو الرقم: 5893، صحيح.
  12. ↑ رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن أبي هريرة، الصفحة أو الرقم: 260، صحيح.
  13. ↑ رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن عبد الله بن عمر، الصفحة أو الرقم: 5892، صحيح.
  14. ^ أ ب وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية - الكويت (1427هـ)، الموسوعة الفقهية الكويتية (الطبعة الأولى)، مصر: دار الصفوة، صفحة 226-228، جزء 35. بتصرّف.