-

ما حكم تقصير اللحية

ما حكم تقصير اللحية
(اخر تعديل 2024-09-09 11:28:33 )

اللحية

نقلت إلينا السيرة العطرة لرسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- هديه وطريقه ونهجه الذي كان سار عليه بوحي من الله تعالى في العبادات والمعاملات ومكارم الأخلاق ومحاسن الصفات، ومن الهدي الذي ورد عنه: إعفاء اللحية وإحياء الشارب، حيث قال الصحابيّ جابر بن سمرة -رضي الله عنه-واصفاً النبيّ عليه السّلام: (كان كثيرَ شعرِ اللحيةِ)،[1] كما أنّ إعفاء اللحية من هدي الأنبياء السابقين، حيث قال الله تعالى على لسان هارون لأخيه موسى عليهما السلام: (قَالَ يَا ابْنَ أُمَّ لَا تَأْخُذْ بِلِحْيَتِي وَلَا بِرَأْسِي ۖ )،[2] كما أنّ رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- أمر أمّته بإعفاء اللحية، ودليل ذلك ما رواه عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- ممّا جاء في صحيح البخاري، حيث قال الرسول عليه السّلام: (خالفوا المشركين: وفروا اللحى، وأحفوا الشواربَ)،[3] فالمسلم يحقّق القوة بالاقتداء بالرسول صلّى الله عليه وسلّم.[4]

حكم تقصير اللحية

يختلف حكم الأخذ من اللحية باختلاف طبيعة الأخذ، فقد أجاز الفقهاء أخذ ما زاد عن قبضة اليد من الليحة، وهو ما عمل به السلف، حيث ورد عن الحسن البصري أنّهم كانوا يرخّصون بالأخذ من اللحية بقدر ما زاد عن قبضة اليد، وورد عن أبي زرعة أنّ أبا هريرة كان يقبض على لحيته ويأخذ ما فُضل عنها، وورد أنّ عبد الله بن عمر كان يأخذ ما زاد عن القبضة، إلا أنّ العلماء اختلفوا في ما إن كانت الأولوية في الأخذ منها أم في عدم الأخذ، وبيان ذلك فيما يأتي:[5]

  • ذهب الحنفيّة إلى أنّ الأخذ من اللحية بقدر ما زاد عن القبضة مستحبٌّ، وقد فسّروا المقصود من إعفاء اللحية بأنّه تركها حتى تكثر وتكثّ، والقص منها سنّةٌ، ويكون بإزالة ما زاد عن قبضة اليد من اللحية.
  • ذهب الفريق الآخر من العلماء إلى أنّ ترك الأخذ من اللحية أولى من الأخذ منها، وهو ما ذهب إليه الحنابلة وما جزم به شيخ الإسلام ابن تيمية، وكذلك مذهب جمهور العلماء أنّ الأولى ترك اللحية على حالها دون أخذ شيء منها، وقد وردت عدّة أقوالٍ للعلماء تبيّن ذلك، ومنها قول الإمام النووي في شرح صحيح مسلم: (إنّ المختار ترك اللحية على حالها، دون التعرّض لها بتقصيرٍ)، واستدلّوا بالحديث الذي رواه عبد الله بن عمر عن الرسول -صلّى الله عليه وسلّم- ممّا رواه البخاريّ ومسلم.

أحكام متعلّقة باللحية

  • ذهب كلٌّ من الحنفيّة والشافعيّة والحنابلة والمالكيّة في قولٍ لهم: إلى استحباب تخليل اللحية الكثيفة في الطهارة الصغرى، وقال المالكيّة في قولٍ ثانٍ لهم بكراهة تخليل اللحية، وقالوا في قولٍ ثالثٍ لهم بوجوب تخليل اللحية، سواءً أكانت خفيفةً أم كثيفةً، والتخليل في اللغة؛ هو إدخال الشيء من خلال الشيء، وتخليل اللحية؛ هو إدخال الماء بين شعرها بالأصابع حتى يصل الماء إلى بشرته، وذلك بتفريق شعر اللحية من الأسفل إلى الأعلى، بإدخال أصابع اليد بين الشعرات، وورد أنّ التخليل يكون بملء الكفين بالماء، ثمّ وضع الكفين أسفل اللحية أو على جانبها بتشبيك الأصابع، وهو ما عليه أكثر الحنابلة، إلا أنّ الحنابلة ذهبوا في قولٍ آخر إلى أن تخليل اللحية يكون بنفس ماء الوجه.[6]
  • إن كان صاحب اللحية عاملاً في مكان ما، وأمره صاحب العمل بتخفيفها مقابل العمل، فالواجب على العامل أن يبيّن الحكم الشرعي لصاحب العمل، وأن يصبر على ذلك، ولكن إن لم يغيّر صاحب العمل رأيه وثبت عليه، وكان إعفاء اللحية مقابل ترك العمل، عند ذلك ينظر في العمل، فإن وجد العامل عملاً آخر فيترك العمل مقابل إعفاء اللحية، وإن لم يتوفّر عملٌ آخر فيُعذر بالتخفيف من اللحية، حيث قرّر العلماء جواز ارتكاب المنهيّات مقابل الحاجة والضرورة، ويكتفى بالتخفيف على ما أمر به صاحب العمل، حيث قال الله تعالى: (فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ).[7][8]
  • قد يضطر المسلم المعفي لحيته إلى حلق اللحية؛ بسبب الأضرار التي قد تلحق به، وذلك اعتقاداً منه أو ظنّاً أو وهماً لا أصل له، وبناءً على ذلك لا يجوز حلق اللحية إلا في حالة الظنّ الراجح بوقوع الضرر بسبب إعفاء اللحية، ولا يجوز في غير الظنّ الراجح، وحلق اللحية في هذه الحالة يعدّ من الضرورات، حيث قال الله تعالى في سورة البقرة: (فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ ۚ)،[9] وقد يكون المعتبر في حلق اللحية في هذه الحالة الإكراه؛ أي أنّ الشخص قد يلحقه الضرر من إعفاء اللحية، ولا تعتبر المضايقة وكثرة الأسئلة من الإكراه، حيث إنّه لا يسلم منها، كما أنّها لا تجيز حلق اللحية، ودليل ما سبق قول الله تعالى: (مَن كَفَرَ بِاللَّهِ مِن بَعْدِ إِيمَانِهِ إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ وَلَٰكِن مَّن شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْرًا فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِّنَ اللَّهِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ)،[10] ولا بدّ من تحقّق عدّة شروط في الإكراه حتى يُسمح برتكاب المحرّمات بسببه، ومن هذه الشروط: أن يكون القائم بالإكراه قادراً، وغلبة الظنّ بوقوع الأمر السيء المهدّد به عند عدم القيام بالمطلوب، وأن يكون الأمر المهدّد به أمراً خطيراً، مثل: القتل، أو الضرب الشديد، أو القيد، أو الحبس الطويل، ولا يعدّ الشتم والسبّ من الإكراه، أو أخذ المال القليل، وأمّا إن كان الضرر يزول بالتخفيف من اللحية دون حلقها، فيُكتفى بالتخفيف، حيث إنّ الحلق أشدّ من التخفيف.[11]

المراجع

  1. ↑ رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن جابر بن سمرة، الصفحة أو الرقم: 2344، صحيح.
  2. ↑ سورة طه، آية: 94.
  3. ↑ رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن عبد الله بن عمر، الصفحة أو الرقم: 5892، صحيح.
  4. ↑ "التحذير من حلق اللحية"، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 30-7-2018. بتصرّف.
  5. ↑ "حكم الأخذ من اللحية"، www.saaid.net، اطّلع عليه بتاريخ 30-7-2018. بتصرّف.
  6. ↑ "حكم تخليل اللحية وصفته"، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 30-7-2018. بتصرّف.
  7. ↑ سورة التغابن، آية: 16.
  8. ↑ "خيره صاحب العمل بين تخفيف اللحية أو ترك العمل"، islamqa.info، اطّلع عليه بتاريخ 30-7-2018. بتصرّف.
  9. ↑ سورة البقرة، آية: 173.
  10. ↑ سورة النحل، آية: 106.
  11. ↑ "هل يجوز له الأخذ من لحيته حتى لا يتعرض للأذى؟"، islamqa.info، اطّلع عليه بتاريخ 30-7-2018. بتصرّف.