ما حكم بلع البلغم
الشريعة الإسلامية
إنّ من عظمة الشريعة الإسلامية أن جاءت شاملةً لكلّ ما يتعلق بحياة المسلم من تفصيلات وجزئيات، وما أن يبحث المسلم عن حكم إسلاميّ إلا يجد له تفسيراً أو نصّاً أو رأياً فقهيّاً، فقد تباحث الفقهاء في العديد من الأمور وأشاروا إلى أحكامها الشرعية؛ مصداقاً لقول الله سبحانه وتعالى: (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا ۚ)،[1] ومن هذه الأمور مما يتعلّق بتفاصيل عبادات المسلم من صيام وصلاة وزكاة، فقد تعمّقت الشريعة الإسلامية بأحكام الصيام لتذهب إلى ضوابط الصيام وما قد يُفطر وما قد لا يُفطر؛ منها ما يتعلق ببلع البلغم للصائم؛ حيث يعتقد بعض الصائمين أنّ بلع البلغم يؤثر في صحة الصيام؛ وذلك قياساً على أن أي شيءٍ ذي جرمٍ يدخل جوف الصائم يؤدي إلى إفساد صيامه، سواء كان دخول ذلك الجرم إلى جوفه بقصدٍ منه أم بدون قصد كما قال الفقهاء، فهل بلع البلغم يُطبّق عليه ذلك القياس، وهل يؤدي بلعه إلى إفطار الصائم، أم أنّ الصائم إن بلع البلغم الذي في حلقه من خلال الجوف فقد لا يتأثّر صيامه بذلك.
معنى البلغم
- البلغم لغةً: اللُّعاب الذي يختلط بالمخاط الذي يخرج من المسالك التنفُّسية، وجمعه بلاغم،[2] والنخاعة هي النخامة كما قال المطرزي.
- أما البلغم أو النخامة في الاصطلاح فقد عرّفها القليوبي بأنها: الفضلة الغليظة تنزل من الدماغ أو تصعد من الباطن.[3]
- يُعرّف البلغم من الناحية الطبية بأنّه: مادة تتكون من لعاب ومخاط تصل إلى الفم نتيجة للسعال؛ إذ إنّ مصدرها هو الرئتين.[4]
حكم بلع البلغم
اختلف الفقهاء في حكم البلغم هل هو مفطر أم لا على عدة أقوال:[5]
- ذهب فقهاء الحنفية والمالكية والحنابلة في رواية عندهم إلى أنّ البلغم أو النخامة سواء كان مخاطاً قادماً من الرأس أو بلغماً صاعداً من الباطن عن طريق السعال أو التنحنح -ما لم يكن كثيراً كثرة فاحشة- لا يُفطر مطلقاً، وفي نصوص فقهاء المالكية قالوا: حتى وإن وصل البلغم إلى طرف اللسان فإنّه لا يُفطر.
- ذهب فقهاء الشافعية إلى التفصيل في مسألة بلع البلغم، فقالوا: إذا اقتلع الشخص البلغم أو النخامة من الباطن وبلعها فلا بأس بذلك في قول عندهم، وفي قول آخر يُفطر، وإذا خرج البلغم لوحده أو عن طريق السعال وبلعه الشخص فلا يُفطر، وإذا بلعه الشخص بعد وصوله إلى ظاهر الفم فإنّه يُفطر.
- ذهب فقهاء الحنابلة إلى حرمة بلع البلغم أو النخامة إذا كانت في فم الشخص، ويُفطر إذا بلعها بعد وصولها إلى الفم؛ لأنها أشبه بالقيء.
النخامة من حيث الطهارة والنجاسة
اختلف الفقهاء في طهارة البلغم على أقوال، فقد ذهب جمهور الفقهاء إلى أنّ البلغم أو النخامة طاهرة إذا نزلت من الرأس أو خرجت من الصدر أو خرجت من أقصى الحلق، واختلف الفقهاء في حكم ما يصعد من المعدة، فذهب فقهاء الشافعية والإمام أبو يوسف من فقهاء الحنفية إلى أنّها نجسة وغير طاهرة، وذهب فقهاء المالكية وفقهاء الحنابلة وفقهاء الحنفية إلى أنّها طاهرة؛ وذلك لأنّها تُصنَع في البدن كما هو الحال في نخامة الصدر والرأس، ولأنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم أخذ النخامة وهو في الصلاة، ولذلك لا ينقض الوضوء بصعودها وإن خرجت من المعدة.[6]
مبطلات الصوم
تنقسم مبطلات الصوم بحسب ما يترتب عليها من كفّارة إلى قسمين:[7][8][9]
ما تجب فيه الكفارة والقضاء معاً
- الجماع ويُقصد به؛ أن يجامع المسلم زوجته أثناء صيامه، بشرط أن يكون الجماع أثناء الصيام في النهار، وأن يكون الشخص ذاكراً لصيامه، وقاصداً فعل الجماع غير مكرهٍ ولا ناسٍ، فإن فعل ذلك يؤدي هذا إلى بطلان صيامه، ويتوجّب عليه الكفارة مع إمساكه عن الطعام والشراب حتى نهاية النهار.
- الأكل أو الشرب عامداً غير ناسٍ ولا مُكره؛ فإنَّ من مُبطلات الصيام الأكل والشُّرب في نهار رمضان عامداً قاصداً غير مُكره، وقد اختلف الفقهاء في من أكل أو شرب في نهار رمضان فيما إن كان يجب عليه القضاء أو الكفَّارة أو كلاهما؛ فذهب الحنفية والمالكية إلى أنَّه من أكل أو شرب في نهار رمضان عامداً لهذا الفعل غير مُكرهٍ عليه، ولا ناسٍ له ولا معذور لفعله؛ فإنّه يجب عليه القضاء والكفارة، وذهب الشافعية إلى أنّه من أكل أو شرب في نهار رمضان عامداً لذلك غير ناسٍ ولا مكرهٍ ولا معذورٍ على فعله، فإنّ عليه القضاء دون الكفَّارة، وهو آثمٌ وعاصٍ لله ورسوله صلى الله عليه وسلم.
مايجب به القضاء دون الكفّارة
- الحيض أو النَّفاس؛ فالحيض والنفاس مُبطِل لصيام المرأة، وفي هذه الحالة يتوجّب عليها القضاء دون الكفارة.
- الأدوية التي يتمّ تناولها عن طريق الفم؛ سواء أكان ذلك على هيئة شرابٍ أو عن طريق الإبر المغذية والتي تؤدي إلى إبطال الصيام، ويتوجَّب فيها على الصائم القضاء دون الكفارة.
- إبطال نيَّة الصائم؛ فإن من مبطلات الصيام أن ينوي الصائم الإفطار في نهار رمضان حتى لو لم يُفطر في الحقيقة.
- التقيّؤ عمداً؛ فإذا تعمَّد الصائم التقيؤ في نهار رمضان بطُل صيامه ووجب عليه القضاء.
- الاستمناء؛ ويُقصد به أن يقوم الصائم البالغ ذكراً كان أو أنثى بتحفيز أعضائه التناسليّة من خلال العبث فيها بهدف استجلاب الشّهوة؛ وطلباً للوصول إلى اللذة الجنسية،[10] فإن فعل الصائم هذا الأمر حتى وصل إلى الشهوة فإن صيامه يُعتبر باطلاً، ويُؤثم على فعله، ويجب عليه القضاء.
- تناوُل ما لا يُتغذّى به عادةً؛ كالتراب والحجارة والحصى.
المراجع
- ↑ سورة المائدة، آية: 3.
- ↑ "تعريف ومعنى البلغم"، المعاني، اطّلع عليه بتاريخ 6-7-2017. بتصرّف.
- ↑ وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية - الكويت (1427هـ)، الموسوعة الفقهية الكويتية (الطبعة الثانية)، الكويت: طبع الوزارة، صفحة 125، جزء 40. بتصرّف.
- ↑ "البلغم"، ويب طب، اطّلع عليه بتاريخ 6-7-2017. بتصرّف.
- ↑ وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية - الكويت (1427هـ)، الموسوعة الفقهية الكويتية (الطبعة الأولى)، مصر: دار الصفوة، صفحة 65-66، جزء 28. بتصرّف.
- ↑ وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية - الكويت (1427هـ)، الموسوعة الفقهية الكويتية (الطبعة الثانية)، الكويت: طبع الوزارة، صفحة 125، جزء 40. بتصرّف.
- ↑ "الأمور التي تبطل الصيام"، إسلام ويب، اطّلع عليه بتاريخ 6-7-2017. بتصرّف.
- ↑ "مذاهب العلماء فيمن أفطر متعمداً في نهار رمضان"، إسلام ويب، 10-8-2014، اطّلع عليه بتاريخ 6-7-2017. بتصرّف.
- ↑ "مفطرات الصوم ومسائل القضاء"، صيد الفوائد، اطّلع عليه بتاريخ 6-7-2017. بتصرّف.
- ↑ "هل العادة السرية محرمة شرعاً وكيف يمكن معالجتها"، مركز الإشعاع الإسلامي للدراسات والبحوث الإسلامية، 13/1/2016، اطّلع عليه بتاريخ 6/7/2017. بتصرّف.