-

ما هي ارم ذات العماد

ما هي ارم ذات العماد
(اخر تعديل 2024-09-09 11:28:33 )

قوم هود

بعد أن نجى الله تعالى نبيه نوحاً ومن آمن معه في السفينة، وأغرق كل ما سواها على الأرض استمرّت عبادة الله وحده فترة طويلة من الزمن، حتى تعاقبت الأجيال وفسدت الأحوال وظهر الشرك مؤخّراً، فأرسل الله تعالى نبيه هوداً -عليه السلام- ليعيد الناس إلى توحيد الله تعالى وما يصلح حالهم. وهودٌ -عليه السلام- هو نبيّ عربيّ الأصل، وهو هود بن عبد الله بن رباح بن الجلود بن عاد بن عَوص بن إرم بن سام بن نوح، وقد سكن وقومه اليمن. ولقد أرسل إليهم بعد ما مالوا عن الحق واتّبعوا الهوى والفساد في الأرض، فعدا عن كونهم مشركين عاصين لله سبحانه، فقد ظهر فيهم الفساد والظلم فيما بينهم، فأرسل الله لهم نبياً من بينهم ذو خلق رفيع ونسب كريم يدعوهم إلى التوحيد وحسن الأخلاق، لكنّ القوم كفروا به وكذّبوه واتّهموه بالسفاهة والكذب، حتى لحق بهم عذاب الله تعالى.[1]

إرم ذات العماد

ذكر الله تعالى في كتابه الكريم العديد من الآيات والسور التي تتحدّث عن عاد قوم هود، من بينها الآية الكريمة: (‏أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ*إِرَمَ ذَاتِ الْعِمَادِ)،[2] والمقصود من قوله تعالى أن يذكر كيف أهلك عاداً بعد تكذيبهم لنبيهم وكفرهم به، فالمقصود أن عاداً الأولى كفرت وكذبت فأهلكهم الله تعالى، ولقد وصفهم القرآن الكريم بأنهم ذات العماد، فلقد اشتهر قوم هود بصحة أجسامهم وقوّتها، وبطولهم العظيم إذ كان يبلغ أقصرهم ستين ذراعاً، وأطولهم مئة ذراع في السماء، وكانوا يسكنون في بيوت الشعر التي كانت ترفع بالأعمدة الشديدة، لكنّهم حين كفروا بنبيهم لم تغنِ عنهم قوّتهم وبنيانهم شيئاً من دون الله، فأنزل الله تعالى فيهم عذاباً لم يبق منهم كافر إلا أحاط به وأهلكه.[1][3]

دعوة النبي هود قومه

جاء نبي الله هودٌ قومه بالكلمة الطيبة والموعظة الحسنة، ودعاهم إلى توحيد الله تعالى وذكرهم بفضله عليهم، وذكّرهم بأنّ الله تعالى خلقهم وأمدّهم بالقوة، وتفضّل عليهم بالقوة في أجسادهم وقوامهم، لكنّ قومه جادلوه وسفّهوا كلامه، قال الله تعالى على لسان قومه: (قالَ الملأُ الذينَ كفروا مِن قومهِ إنَّا لنراكَ في سفاهةٍ وإنَّا لنَظُنَّكَ مِنَ الكاذبينَ*قال يا قومِ ليسَ بي سفاهةٌ ولكنِّي رسولٌ مِنْ ربِّ العالمينَ)،[4] فكان ردّ نبيهم باللطف واللين أن أكد لهم أنه ما كذب عليهم ولا أصابه السفه، بل إنّه رسول مرسل من الله تعالى لهم يبين لهم الطريق القويم، ثم يحاورهم ويحاول إقناعهم بطريقة أخرى فيقول: (أَوَعَجِبتُم أَن جاءَكُم ذِكرٌ مِن رَبِّكُم عَلى رَجُلٍ مِنكُم لِيُنذِرَكُم)،[5] فإنه ينبههم أنه ما من عجب أن يكون النبي رجلاً من بينهم يأكل معهم ويشرب، ثمّ ينتقل إلى أسلوب آخر حين يذكرهم بفضل الله تعالى عليهم بالقوة والعمران والزروع والبساتين، فيحذّرهم كفر كل هذه النعم فيحيق بهم العذاب كما حصل مع من قبلهم، قال تعالى: (وَاذكُروا إِذ جَعَلَكُم خُلَفاءَ مِن بَعدِ قَومِ نوحٍ وَزادَكُم فِي الخَلقِ بَسطَةً فَاذكُروا آلاءَ اللَّـهِ لَعَلَّكُم تُفلِحونَ).[5][1]

ولقد ترفع نبي الله هود -عليه السلام- عن أي مصلحة شخصية من قومه مقابل دعوتهم والجهاد للوصول إلى هدايتهم للتوحيد، قال الله تعالى: (يا قَومِ لا أَسأَلُكُم عَلَيهِ أَجرًا إِن أَجرِيَ إِلّا عَلَى الَّذي فَطَرَني أَفَلا تَعقِلونَ)،[6] لكن الردّ جاء كما درج هؤلاء القوم بالتكذيب والكفران، قال الله تعالى: (قالوا سواءٌ علينا أوَعظتَ أمْ لمْ تكُن مِنَ الواعظينَ* إنْ هذا إلا خُلُقُ الأوَّلينَ* وما نحنُ بمعَذَّبينَ)،[7] وكان من سوء كبرهم أن تحدّوا نبيّهم بإنزال العذاب فيهم فقالوا: (قالوا أَجِئتَنا لِنَعبُدَ اللَّهَ وَحدَهُ وَنَذَرَ ما كانَ يَعبُدُ آباؤُنا فَأتِنا بِما تَعِدُنا إِن كُنتَ مِنَ الصّادِقينَ).[8][1]

نزول العذاب على قوم هود

بالغ قوم عاد في الكفر وفي تكذيب نبيهم حتى تحدّوه بأن ينزل عليهم العذاب إن كان صادقاً، حينها ردّ عليهم نبيهم هود عليه السلام: (قالَ قَدْ وَقَعَ عَلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ رِجْسٌ وَغَضَبٌ أَتُجَادِلُونَنِي فِي أَسْمَاءٍ سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ مَا نَزَّلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ فَانتَظِرُوا إِنِّي مَعَكُمْ مِنَ الْمُنتَظِرِينَ)،[9] أي إن هوداً -عليه السلام- استنكر عليهم تفكيرهم بأنّ آلهتهم التي بحاجة إلى أسماء تطلق عليها تصبح آلهة يعبدونها من دون الله، فحينها قد استحقوا أن ينزل بهم عذاب الله تعالى وإهلاكه.[10]

حين حذّر نبي الله هود قومه من نزول بأس الله -سبحانه- استخفوا بهذا الوعيد مغترّين بقوتهم وعظيم تجبّرهم في الأرض، وقالوا كما خلّد القرآن الكريم: (مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً)،[11] فكان الردّ من الله تعالى على زعمهم بقوله: (أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَهُمْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّةً)،[11] فكان عذابهم عبرة وآية لمن خلفهم، فمع أنّهم تمتّعوا بالقوة البدنية والقدرة على تسخير ما حولهم لمصالحهم وحسب إرادتهم إلا أنّ الله تعالى أهلكهم بالهواء وهو من أضعف مخلوقاته، فسلّطه عليهم ريحاً عاتية قوية عدة ليالٍ وأيام، قال الله تعالى: (سَخَّرَهَا عَلَيْهِمْ سَبْعَ لَيَالٍ وَثَمَانِيَةَ أَيَّامٍ حُسُومًا فَتَرَى الْقَوْمَ فِيهَا صَرْعَى)،[12] فكانت الريح شديدة البرودة قوية تحمل الرجل العظيم الجسيم عالياً في السماء، ثم تخفضه أرضاً، فيخرّ على رأسه فينكسر رأسه. وقال بعض المفسرين إن الريح حملت القوم وحملت مساكنهم فألقتهم في البحر، فذلك قول الله تعالى: (فَهَلْ تَرَى لَهُمْ مِنْ بَاقِيَةٍ).[13][10]

المراجع

  1. ^ أ ب ت ث "نبي الله هود عليه السلام"، www.darulfatwa.org.au، اطّلع عليه بتاريخ 2018-9-25. بتصرّف.
  2. ↑ سورة الفجر، آية: 6،7.
  3. ↑ "المقصود بـ ‏{‏إِرَمَ ذَاتِ الْعِمَادِ ‏} "، www.ar.islamway.net، اطّلع عليه بتاريخ 2018-9-25. بتصرّف.
  4. ↑ سورة الأعراف، آية: 66،67.
  5. ^ أ ب سورة الأعراف، آية: 69.
  6. ↑ سورة هود، آية: 51.
  7. ↑ سورة الشعراء، آية: 136-138.
  8. ↑ سورة الأعراف، آية: 70.
  9. ↑ سورة الأعراف، آية: 71.
  10. ^ أ ب "قصة هود عليه السلام"، www.audio.islamweb.net، اطّلع عليه بتاريخ 2018-9-26. بتصرّف.
  11. ^ أ ب سورة فصلت، آية: 15.
  12. ↑ سورة الحاقة، آية: 7.
  13. ↑ سورة الحاقة، آية: 8.