-

ما هي حقيقة حياة البرزخ

ما هي حقيقة حياة البرزخ
(اخر تعديل 2024-09-09 11:28:33 )

مقدمة

قِطارُ الحياةِ يَمُرُّ بنا سريعاً، ونعلمُ جيداً أنَّنا مهما طالَ بنا الأمر سوف نصلُ إلى المَحطّةِ الأخيرة، فلا يعرِف أيّ منَّا متى تحين تلك اللحظة، ولكنّنا على يقين بأنّها لا بدّ وأنْ تأتي، فالموتُ حقٌّ على كلِّ البشر، وهو حقيقةٌ ثابِتة في كلّ الدّيانات السّماوية وكلّ الثقافات، فلا يختلِفُ اثنان في العالَم حول أنّ الإنسانَ فانٍ لا مُحالة، ولكنْ هل الموت يعني النّهاية فِعلاً؟ وإذا كان الموت لا يعنِي النّهاية فماذا بعد الموت؟ ولكي أُجيب على هذه التّساؤلات تَعَمَّقْتُ أكثر في البحثِ عن حياةِ ما بعدَ الموت كما جاء في القرآن الكريم، وفي السُنّة النبوية، حيثُ تُقَسّم الحياة التي نعيشها إلى ثلاث، هي الحياة الدُنيا التي نعرِفُها، وحياة الآخرة التي تبدأ من يومِ القيامة وما بعده، وبينِ تلك الحياة وتلكَ، حياة البّرزَخ، وهي حياة القبِر الذي يُساق إليه المُسلِم بعد الموت.

ما بعد الموت

حينمَا تُدّق لحظِة الفُراق، ويصِلُ وقتُ العُمرِ إلى ثوانيه الأخَيرة، يتأهّبُ ملك الموت فيقبِض الرّوح ويعرُج بها إلى السّماوات، فيُصبح الجسَدْ جُثّة هامِدَة، لحظة تكون مُفجِعةً على أهل الفقيد وأصدقائه، فهذا ألم الفراق ليس إلّا، وتبدأ مراحِل تجهيز الميّت لمَثواه الأخير، فيُغسِلوه ويُكفّنوه، وعلى نعشِه يضعنوه، وفي جنازَة نحو القَبر يُسوقوه، وتحت التُّراب يُوارُوه، في حُفرة كل ما فيها تُراب، فالصّالِحون ينجُون منْ العذاب، والفاسِقون الكافِرون لا مَفّرْ لهم من العِقاب، وبعد الموت تبدأ حياة البّرزَخ التي أخبر عنها الرّسول الكريم صلّى الله عليه وسلّم.

حياة البّرزَخ

إنَّ حياةَ البّرزَخِ حقيقةٌ لا يعلَمها إلاّ الله عزّ وجّل، وهي ليست كحياتِِنا التي نعيشُها، فهي تبدأُ بمُجرَد الموت، حيثُ يضع النّاس الميّت في القَبِر فيترُكونه ويرحلون بعد الدُعاء له، ولكنْ شاع عند البعضِ أنَّ الأموات يسمَعون الأحياء، والأحياء قد يسمعُون الصّالحين يقرؤون القُرآن كما جاء في حديث ابنْ عبّاس، ولكنْ ثبت أنَّ هذا الحديث ضعيف، ولما حَدَّثَ الرّسول "صلّ الله عليه وسلّم" شُهداء بدرٍ بالقَبر قائلاً لهم "هل وجدتُم ما وعدتُم؟"، فلا يعنِي هذا الأمر أنّ الأموات يسمعُون بطريقتنا، فقد يسمعُون في ظُروف مُعيّنة، أو بطريقة غير تلك التي نسمع بها، وقد قال بعض العُلماء أنّ الله قد أحيا شُهداء بدِرْ لنبيّه محمد "صلّ الله عليه وسلم"، وهذا كُله منْ عِلم الغيب، وشاع عند المُتصوّفين أنّ أولياء الله الصّالحين يسمعون النّداء لهم ويُلّبون، وهذا خطأٌ فادِح، وفي حقيقة الأمر فإنّ هذه الحياة قد خصَّ الله العِلم بها له وحدُه، ولكنْ أخبرنا الرسول "صلّ الله عليه وسلّم" ببعضِ ما يحدُث في القبر للصّالحين، وكيف تكون حياة القَبِر للفاسِقين، وقبّل التطّرُق في حديث ثواب القبر وعذابُه، دعونا نعرِف ما هو القبر عند المُسلِمين؟

مُواصفات القبر

قبر الصّالحين روضة منْ رِياض الجّنَة، وقبِر الفاسِقين حُفرّة من حُفَرِ جهنم والعياذ بالله، فهو حفرة تتوسع لجهة القبلة، على قدرٍ مُرِيحٍ لجُثّة الفقيد، فيُوضَع الميت على جانِبه الأيمن في تلك الحُفرّة، ثم يُبنى باللّبن عليه، ويرتفِع القبر عن الأرض بِشبرِين أو أكثر بتربتُه، حتى يتميّز أنَّه قبر ولا يُهان، فلا يجوز البّناء عليه، أو وضع الرُخام والكِتابة عليه، كما لا يجوز وضِع الميت على السُطح ثم البناء عليه.

حياة الصالحين في القبر

إنّ روح المُؤمن الصّالح تخرُج منْ جسدِه كما تسيل القطّرة من في السّقاء، فتُوضع في كفَن وحَنوط ٍمن حنوط الجّنة ويُعرَج بها، ولما يسأل الملائكة عن صاحِبها يُسمى بأحسَن الأسماء التي كان يُنادى بها في الدُنيّا، ولمّا يصِل إلى سابع السّماوات يُكتب كتابُه في علّيين، فتعود روحُه إليه في قبرِه ويأتيه مُنكَر ونكير (وهما مَلَكَان)، فيقولان له منْ ربّك؟ فيقول ربي الله، ويقولان ما دينُك؟ فيقول ديني الإسلام، فيقولان له وماذا تقول في الرّجل الذي بُعِث فيكُم؟ فيقول هو رسول الله محمد "صلّ الله عليه وسلم"، ثم يُسأل عن عمِلِه، فتُفتح له فتّحة منْ الجّنة، ويتسّع القبر عليه، ويأتيه عملُه الصّالح على هيئة رجُل يُبشِرُه بمكانتِه في الجّنة، ويُبشِره بالفوز العظيم.

عذاب القبر للكافِرين والفاسِقين

وقد أخبرنا الرّسول صلّى الله عليه وسلّم في بعض الأحادِيث الشّريفة عن بعض أشكال العذَاب في القَبِر، فيوم يمُوت الإنسان على غيرِ طاعِة الله جلّ جلالُه، يتمنّى لو أنَّ عجلة الزّمان تعود به للوراء؛ لِهولِ ما يراه منْ عذابٍ شديد، حيث تصعَد روحُه إلى السّماوات، فتخرجُ منها روائح نتِنّة، وتمرُّ روحه منْ أمام الملائكة ولمّا يسألون عن صاحِب هذه الروح، ينادُونه بأقبَح أسمائه في الدُنيا، ولا تُفتح له أبواب السّماء، ويُكتب كتابُه في سِجّين، ثم تُعادُ روحُه إليه، فيأتِيه مُنكَر ونَكِير (وهما ملكان)، فيسألانُه منْ ربّك؟ وما دينُك؟ وماذا تقول في الرّجُل الذي بُعِث فيكُم؟ فلا يعرف منْ الإجابة شيء، وحينَها يضيقُ القبر به، وتُفتَح له فتّحة منْ الجحيم، فيُفرشُ قبرُه ناراً، ويلبِسُ ناراً، ويرى عذاباً شديداً، وقد صُوِّرَتْ لنا بعض أشكال العذاب في القَبِر:

  1. يُضرب الكافِر في قبرِه بمِطرَقةٍ من حَديد.
  2. تُخسَف به الأرضْ.
  3. يُحرَق بتّنورٍ منْ نار.
  4. تشّق جانبِي فمه إلى قَفَاه.
  5. يُرضَخ رأسُه بالحِجَارة.
  6. يَسّبح في نهرٍ منْ دم.
  7. كما يرى موقعُه في الجّنة لو أنّه لم يعصي الله، وفي ذلك عذاب نفسِي.
  8. ثم يُبشّر بعذابٍ أليم يوم القيامة، فيتمنّى ألاَّ تقوم السّاعة؛ لكي لا يرى هذا العذاب.

الأرواحْ في القَبِر

لقد ثبتَ عن النبي صلّى الله عليه وسلّم أنّ الروح تعود لصاحبُها في القبر، كما ثبت أنّ الأرواح تتلاقَى في حياة البّرزَخ، وحركة الرّوح ليست كحرَكِة الجسَدْ، فهي سريعة جِدّا، وفي رحلة الإسراء والمِعراج دليل على ذلك، وعذابْ القبر أو نعيمُه يعود على الرّوح وعلى البدن، وفي ذلك إجماع عند أهل الجّماعة والسُنّة، ورأوا في الحِلم أثناء النّوم حُجّة لهم، حيث أنّ الإنسان يكون نائماً ولكنْ يشعُر بلّذة ومَتاع وعذاب وألَم، كل ذلك وهو لمْ يتحرّك منْ فراشُه، فحينما ينام الإنسان تسرَح روحُه منْ جسدَِه، وهذا لا يعني أنّ حياة البرزَخ تشبه النّوم، فالروح ترتبِط بالقبر ولكنْ ليس ارتِباطاً أبديّا إلى يوم القيامة، فهي تسرَح في الجّنة لو كان صاحِبها مُؤمناً، وفي النّار لو كان صاحبُها كافِراً، هذا والله تعالى أعلى وأعلّم.

الخاتِمة

وأخيراً أخي في الإسلام، واللِه لقد ذرفَت عينّي، وارتجفتْ يدايَ، وضاقَ صدّري، وشعرت بخوفٍ شديد، ورهبةٍ أشدْ، وأنا أجمع المواد لهذا التّقرير، وأقرأُ الكُتب عنه، وأشاهد ما أَنتجهُ أهل الخير من فيديوهات ومقاطِع عن أهوال يوم القِيامة تارّة، وعن عذاب القبرِ تارّةً أخرى، فاتَقِ الله في نفسِك، وفي بيتِك، وفي النّاس، وكنْ على دين الحقّ، والله يوم تُعْرَجُ الروحُ لن ينفعَك مالٌ ولا بنون، إلا إنْ أتيتَ الله بقلبٍ سليم، وكُلُنا يعلم أنَّ العبد لا ينفعُه بعد موتِه إلاَّ ثلاث، عِلمٌ قد نفعَ النّاس به، وصدَقَة جاريّة عن روحه، وولد صالِح يدعو له، فاجعل أجرَك في البّرزَخ بزيادة لا بنُقصان، فلا تُعَلِّم الناس عِلمَاً تُغضب به الله جلّ جلاله، ثم اتقِ الله بأبنائك، وقمْ بتربتهم تربية حسنة؛ كي لا يهجُروك ويلعنُوك بعد موتِك، وافعلْ الخير أينّما تذهب، ولا تغفَل الأمر أو تغُضْ البصَر عن حقيقة الموت، فكلّ منْ عليها فانْ،

اللَّهُمَّ لك تُبْتُ إنْ كنتُ قد أخطأتُ وأسأت، اللّهُمَّ لك الحمدُ إن كنتُ قد وُفِّقْتُ وأَصَبْت.