ما الحكمة من اقتران الزكاة بالصلاة
الإعجاز البيانيّ في القرآن الكريم
زخر القرآن الكريم بعدة أنواعٍ من الإعجاز، والمعجزة: هي الأمر الذي يُتحدى به، ويكون خارقاً للعادة، وخالياً من المعارضة، يؤيّد الله تعالى به الرسل عليهم السّلام، وكانت سنّة الله تعالى في معجزات الرسل أن جعلها من جنس ما اشتُهر به كلّ قومٍ من أقوام الرسل؛ فكانت معجزة قوم محمدٍ صلّى الله عليه وسلّم: القرآن الكريم، حيث اشتهروا بالفصاحة والبلاغة، فكانوا ينظمون الأشعار التي ترفع من قدرهم أو تنزل مكانة غيرهم إلى أدنى الدرجات، وتحداهم الله تعالى أن يأتوا بمثل القرآن، ثمّ تحداهم أن يأتوا بعشر سورٍ من مثله، ثمّ كان آخر تحدٍّ أن يأتوا بسورةٍ واحدةٍ مثله، فعجزوا عن كلّ شيء، ولجأوا إلى إغراء الرسول -صلّى الله عليه وسلّم- بالمال والنساء والمكانة الرفيعة عند الأقوام، ومن أنواع الإعجاز التي وردت في القرآن الكريم: الإعجاز البيانيّ؛ وهو ما يتعلّق بنظم وترتيب كلمات القرآن الكريم بشكلٍ محكمٍ لا لبس فيه، بحيث لو أراد أحدٌ استبدال كلمةٍ مكان كلمةٍ قرآنيّةٍ، فلم ولن تكون تلك الكلمة بمثل الكلمة القرآنيّة مناسبةً وبلاغةً، فالقرآن الكريم يجمع بين دقّة المعاني وجمال الألفاظ وعذوبتها وترابط الكلمات فيما بينها، وذلك في جميع آيات القرآن الكريم، سواءً أكانت الآيات: مدنيّةً أم مكيّةً، ومن صور الإعجاز البياني في القرآن الكريم: الإيجاز؛ فقد يجتمع في الآية الواحدة من القرآن الكريم عدّة أساليب من أساليب اللغة العربية، من الأمر والنهي والخبر.[1]
الحكمة من اقتران الزكاة بالصلاة في القرآن
ارتبط ذكر ركن الزكاة بركن الصلاة في الكثير من مواضع ذكر الزكاة في القرآن الكريم، حيث ورد ذكر الزكاة في تسعةٍ وعشرين موضعاً في القرآن الكريم، ارتبطت جميعها بالصلاة إلا في موضعين فقط، وهما: قول الله تعالى: (وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ ۚ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالَّذِينَ هُم بِآيَاتِنَا يُؤْمِنُونَ)،[2] وقوله تعالى أيضاً: (الَّذِينَ لَا يُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُم بِالْآخِرَةِ هُمْ كَافِرُونَ)،[3] وفي ذلك الارتباط دلالةٌ على أهميّة الزكاة؛ إذ إنّها ارتبطت بعماد الدين، ممّا جعل أبا بكر الصديق -رضي الله عنه- يقاتل مانعي الزكاة، وقد ورد في بعض أحاديث الرسول -صلّى الله عليه وسلّم- ارتباط الزكاة بالصلاة، منها: (الإسلامُ: أنْ تَشهَدَ أنْ لا إلهَ إلَّا اللهُ، وأنَّ محمَّدًا رسولُ اللهِ، وأنْ تُقِيمَ الصَّلاةَ، وتُؤْتِيَ الزَّكاةَ، وتَحُجَّ وتَعتَمِرَ، وتَغتَسِلَ مِنَ الجَنابةِ، وأنْ تُتِمَّ الوُضوءَ، وتَصُومَ رمضانَ)،[4][5] ومن الحِكم التي نصّ عليها العلماء أنّ الصلاة تتضمّن الإخلاص لله تعالى، والزكاة تتضمّن الإحسان لما خلق الله تعالى، والسعادة الحقيقيّة للعبد تتحقّق بوجود الأمرين، وكذلك فإنّ الصلاة تعدّ رأس العبادات البدنيّة، والزكاة تعدّ رأس العبادات الماليّة، وجميع العبادات الأخرى تؤول إليهما،[6] وذهب البعض إلى القول بأنّ اقتران الزكاة بالصلاة يدلّ على أنّ وجوبهما واحدٌ؛ أي أنّ الزكاة لا تجب في أموال الصبي حتى يبلغ، فالزكاة تجب حيث وجبت الصلاة، وذلك كما في قول الله تعالى: (وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ)،[7] لكنّ القول بذلك مردودٌ؛ لأنّ كلّ جملةٍ وردت تامّةً، وليست بحاجةٍ إلى الجملة الأخرى.[8]
الصلاة والزكاة
أمر الله تعالى بإقامة الصلاة في كثيرٍ من آيات القرآن، وإنّ أوّل الأعمال التي يحاسب عليها العبد يوم القيامة: الصلاة، فإن كان أدّاها على الوجه الصحيح، كان ضامناً لصلاح باقي أعماله، وصلاح الصلاة يتضمّن صلاح كلّ ما يتعلّق بها من الوضوء وأدائها مع الجماعة، والإتيان بالواجبات والشروط والأركان جميعها، والحرص على أداء السنن المتعلّقة بها، مع تحقيق الخشوع عند أدائها، فمن شرف المؤمن أن يخاطبه الله تعالى ويأمره بإقامة الصلاة، وليكون عذاب من لا يؤدّي الصلاة عظيماً عند الله؛ وذلك بسبب انشغاله بالأموال واللهو والنوم، وهو بذلك يخسر الحياة الدنيا والحياة الآخرة، ومن الأوامر التي نصّ عليها القرآن الكريم: المحافظة على أداء الصلاة في أوقاتها مع الخشوع فيها، كما أنّه يُستعان بالصلاة عند الشدائد والكربات والهموم، فالأمر بالصلاة كان ليلة الإسراء والمعراج مباشرةً للنبيّ صلّى الله عليه وسلّم؛ دلالةً على عظمة مكانة الصلاة، كما أمر الله تعالى أن يأمر الرجل أهله بالصلاة مع الصبر على ذلك؛ لأنّه سيلقى العناء والمشقة في ذلك.[9]
ومن أوامر الإسلام: الأمر بالزكاة؛ حيث بيّن الرسول -صلّى الله عليه وسلّم- كلّ ما يتعلّق بالزكاة من الأنصبة والمقادير، ومن الأسس والقواعد التي أقرّها الشرع؛ أنّ الملك التام يكون بالتصرّف والانتفاع بالمال، ولكنّ المالك الحقيقي له هو الله تعالى، والإنسان خليفةٌ لله في هذه الأموال، والتصرّف فيه يكون وفق إرادة الله تعالى، والمقصود باشتراط الملك التام؛ هو القدرة على التصرّف في المال، حتى يستطيع أن يُخرج زكاته، ومن الشروط الواجب توفرها في المال حتى يُزكّى؛ أن يكون نامياً، سواءً أكان نامياً بذاته أم بفعل الإنسان، والمال النامي بذاته؛ هو الذهب والفضة والنقود، ومن أمثلة المال الذي لا يعدّ نامياً بطبيعته؛ البيت الذي أعدّ للسكن، والسيارة المعدّة للركوب، والمتاع الموجود في المنزل، ومن الجدير بالذكر أنّ أموال الزكاة تؤخذ من الأغنياء؛ لتردّ على الفقراء، فالمقصود من الزكاة محاربة الفقر ودثره؛ بإعطاء ما يُغني الفقراء ويُقلّل من عددهم؛ ممّا يؤدي بالمجتمع لأنّ يصبح مجتمع أغنياءٍ لا فقير فيه، ومن الأمثلة على ذلك: ما حصل زمن الخليفة عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه، حيث لم يجد المتصدّقون فقراء لإعطائهم الأموال، فاُعطيت الأموال لمن أراد النكاح، ولمن عليه دَين.[10]
المراجع
- ↑ "إعجاز القرآن الكريم"، ar.islamway.net، اطّلع عليه بتاريخ 30-5-2018. بتصرّف.
- ↑ سورة الأعراف، آية: 156.
- ↑ سورة فصلت، آية: 7.
- ↑ رواه الألباني، في صحيح الترغيب، عن عمر بن الخطاب، الصفحة أو الرقم: 1101، صحيح.
- ↑ "دلالة اقتران ذكر الصلاة مع الزكاة في القرآن"، fatwa.islamweb.net، اطّلع عليه بتاريخ 30-5-2018. بتصرّف.
- ↑ "موسوعة التفسير، تفسير سورة البقرة"، dorar.net، اطّلع عليه بتاريخ 30-5-2018. بتصرّف.
- ↑ سورة البقرة، آية: 43.
- ↑ "دلالة الاقتران ووجه الاحتجاج به عند الأصوليين"، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 30-5-2018. بتصرّف.
- ↑ "عمود الإسلام الأمر بالصلاة"، ar.islamway.net، اطّلع عليه بتاريخ 30-5-2018. بتصرّف.
- ↑ "التطبيقات المعاصرة للزكاة"، ar.islamway.net، اطّلع عليه بتاريخ 30-5-2018. بتصرّف.