متى تكون صلاة الفجر
صلاة الفجر
أقسم الله سبحانه وتعالى بالفجر في قوله: (وَالفَجْرِ*وَلَيَالٍ عَشْرٍ) [الفجر:1 ،2]، وما أقسم الله بهذا الوقت إلا لتعظيمه؛ حيث إنّ الفجر هو إدبار الليل، وإقبال النَّهار، وهو من الآيات العظيمة التي خلقها الله سبحانه وتعالى.
كما أنّ صلاة الفجرِ من بين الصَّلوات التي خصَّها الإسلام بالمكانة المرموقة، والأجر العظيم لمن أقامها، والإثمِ لمن تركها أو تكاسل عنها، إذ قال عليه الصَّلاة والسَّلام: (إنَّ أثقلَ صلاةٍ على المنافقِينَ صلاةُ العشاءِ وصلاةُ الفجرِ، ولو يعلمون ما فيهما لأتَوهُما ولو حَبواً) [صحيح مسلم]، وهذا الحديث يبيِّن العقاب لمن يتركها، والثَّواب لمن أقامها.
أهمِّيةُ صلاة الفجْر تُحتِّم على كلِّ مسلم معرفة أحكامها، وخاصَّةً وقت دخولها، ووقت خروجها، لما يترتَّب على ذلك من أحكامٍ عظيمة، كالصِّيام، كما أنَّه من المفروض معرفة الوقت الأفضل لإقامتها، وأدائها.
الفجر الكاذب والفجر الصَّادق
إنّ في آخر اللَّيل فجرين، وقد بيَّنهما النَّبيُّ لأمَّته بقوله: (لا يمنعَكُم من سحورِكم أذانُ بلالٍ ولا الفجرُ المستطيلُ ولَكنِ الفجرُ المستطيرُ في الأفقِ) [صحيح البخاري]، كما أن العُلماء قدْ سَمُّوا الفجر الأول بالفجر الكاذب (الفجر المستطيل)، وأمّا الفجر الثَّاني فسَمُّوه بالفجر الصَّادق (الفجر المستطير).
بيَّن عبد الرَّحمن الحطَّاب في كتابه مواهب الجليل معنى كلِّ فجر، حيث إنّ صلاة الفجر تبدأ من وقت الفجر الصَّادق، وهو الفجر الثَّاني (الفجر المستطير)، أي الفجر المنتشر في الأُفق بشكلٍ عرضيٍّ لا طولي، وهو أشبه ما يكون بطائرٍ فاتحاً جناحيه، وهذا هو الفجر الذي يُرفع فيه الأذان، وأمّا الفجر الأوَّل، وهو الفجر الكاذب (الفجر المستطيل) فيكون على شكلٍ عاموديٍّ صاعداً إلى السَّماء؛ حيث إنَّ هذا الفجر لا تجوز فيه الصلاة، وهكذا استطعنا تحديد وقت دخول وأذان الفجر.
وقت إقامة صلاة الفجرِ بين التَّغليس والإسفار
من المعلوم أنّ الأُمّة أجمعت على أنّ سماع الأذان يعني دخول وقت الصَّلاة وجواز أدائها، ولكن النَّبيُّ صلَّى الله عليه وسلم كان يقيمها في أوقاتٍ معيَّنة، ونحن كأتباعه يجب أن نقتدي به حتى ننال الأجر بأكمل حالاته؛ حيث إنّ العلماء اختلفوا في الوقت الأفضل لإقامة الصَّلاة، إن كان ذلك في أول الوقت (التَّغليس)، أو في آخره (الإسفار) وذلك الاختلاف نتج من تعدُّد الأحاديث التي تُخبر عن الوقت الذي أقام النبيُّ عليه الصلاة والسلام صلاة الفجر فيه، وسنذكر بعضاً منها.
يقول مذهب جمهور العلماء المالكية [الدَّردير في الشَّرح الكبير (180/1)]، والشَّافعية [النَّووي في المجموع (51/3)]، والحنابلة [ابن قُدامة في المُغْني (286/1)] بأنَّ التَّغليس هو الأفضل، حيث إنّهم اعتمدوا على عِدَّة أدِّلة، ومنها قول عائشة رضي الله عنها: (كُنَّ نساءُ المؤمناتِ، يَشْهَدْنَ مع رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ صلاةَ الفجرِ، متلفِّعَاتٍ بمُرُوطِهِنَّ، ثم يَنْقَلِبْنَ إلى بيوتهِنَّ حينَ يَقْضِينَ الصلاةَ، لا يعرفُهُنَّ أَحَدٌ من الغَلَسِ) [البخاري، ومسلم].
عن رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ ؛ (أنه أتاه سائلٌ يسأله عن مواقيتِ الصلاةِ ؟ فلم يرُدَّ عليه شيئًا. قال: فأقام الفجرَ حين انشقَّ الفجرُ. والناسُ لا يكاد يعرفُ بعضُهم بعضاً. ثم أمره فأقام بالظهرِ. حين زالتِ الشمسُ. والقائلُ يقول قد انتصف النهارُ. وهو كان أعلمَ منهم، ثم أمره فأقام بالعصرِ والشمسُ مرتفعةٌ، ثم أمره فأقام بالمغربِ حين وقعت الشمسُ، ثم أمره فأقام العشاءَ حين غاب الشفقُ، ثم أخَّر الفجرَ من الغدِ حتى انصرف منها . والقائلُ يقول قد طلعتِ الشمسُ أو كادت . ثم أخَّر الظهرَ حتى كان قريبًا من وقتِ العصرِ بالأمسِ . ثم أخَّر العصرَ حتى انصرف منها، والقائلُ يقول: قد احمرَّتِ الشمسُ، ثم أخَّر المغربَ حتى كان عند سقوطِ الشَّفقِ، ثم أخَّر العشاءَ حتى كان ثلثُ الليلِ الأولِ، ثم أصبح فدعا السائلَ فقال: الوقتُ بين هذَين) [صحيح مسلم]، حيث إنّ هذا الحديث يبيِّن أنّ النَّبيَّ عليه الصَّلاة السلام أقام صلاة الفجر في أول وقتها، وأقامها أيضاً في آخر وقتها.
آخر وقت الفجر
يمتدُّ وقت صلاة الفجر إلى أن تطلع الشَّمس، وهذا قول الأحناف، والحنابلة، والصَّحيح من قول مالك، كما أنّ هذا قول ابن باز، وابن عثيمين، وقد اعتمدوا على عدَّة أدلَّة من السُّنَّةِ النَّبوية، كحديث أبي هريرة رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم: (من أدركَ من الصبحِ ركعةً قبلَ أن تطلُعَ الشمسُ ، فقد أدركَ الصبحَ ، ومن أدركَ ركعةً من العصرِ قبلَ أن تغرُبَ الشمسُ فقد أدركَ العصرَ) [صحيح البخاري].