متى فرض الجهاد
الجهاد
يُعدّ الجهاد في سبيل الله من أحبّ الأعمال إلى الله سبحانه وتعالى وأعظمها أجراً، فالجهاد في سبيل الله ذروة سنام الإسلام، والجهاد في الإسلام له أحكام وضوابط، كما أنّ الجهاد في الأسلام له أنواع؛ فقد يكون الجهاد فرض عين على كلّ مسلم حين يحتّل شبراً من أرض المسلمين، كما قد يكون الجهاد فرض كفاية إذا فعله البعض سقط عن الباقين، ويُسمّى جهاد الطّلب، وينطبق هذا الجهاد على جميع الحملات التي كانت تقوم بها الجيوش الإسلاميّة لفتح بلاد الكفر، ويتساءل بعض النّاس عن الزّمن الذي فُرِض فيه الجهاد؟ وهل كان في مكّة أو في المدينة؟
معنى الجهاد
- الجهاد في اللغة من جهد، والجهاد والمجاهدة مصدران للفعل جاهد، ويُقصَد به: بذل الجُهد بالضمّ وهو الطاقة، والجَهد بالفتح: المشقة في مقابلة العدو.[1]
- أما الجهاد في الاصطلاح فيُعرّف بأنّه: بذل المسلمين للجهد في قتال كلٍّ من الكفار المحاربين، والمرتدّين، والبغاة، ونحوهم؛ وذلك لإعلاء كلمة الله سبحانه وتعالى.[2]
متى فُرض الجهاد
فُرض الجهاد في سبيل الله في السنة الثانية من الهجرة، لكن هذا التشريع للجهاد لم يكن دفعة واحدة بل كان على أربع مراحل، هي:[3]
- مرحلة الصبر والعفو والصفح: كانت هذه أولى المراحل التي مرّ بها تشريع الجهاد، فعندما دعى النبي -صلى الله عليه وسلم- الناس إلى خالقهم في مكة، تعرّض له أعداء عادوه وآذوه، فكان التوجيه إليه صلى الله عليه وسلم بمواجهتهم بالصبر، وجهادهم بالدعوة والحجة والقرآن الكريم، قال الله سبحانه وتعالى: (فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ ۖ وَلَا يَسْتَخِفَّنَّكَ الَّذِينَ لَا يُوقِنُونَ)[4].
- مرحلة الهجرة: وهي ثاني المراحل؛ فعندما لحق الأذى برسول الله صلى الله عليه وسلم والصحابة رضوان الله عليهم، أذن الله سبحانه وتعالى لهم بالهجرة إلى المدينة، قال الله سبحانه وتعالى: (إِلَّا تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلَى وَكَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ)[5].
- مرحلة الإذن بالقتال في المدينة: ففي هذه المرحلة أَذِن الله سبحانه وتعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم وللمؤمنين بالقتال في المدينة بعد الهجرة؛ دفاعاً عن أنفسهم، وتأميناً لدينهم، ودفعاً للظلم والعدوان الواقع عليهم، قال الله سبحانه وتعالى: (أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ، الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلَّا أَنْ يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيرًا وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ)،[6] وقال الله سبحانه وتعالى: (وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلَّهِ فَإِنِ انْتَهَوْا فَلَا عُدْوَانَ إِلَّا عَلَى الظَّالِمِينَ)[7].
- مرحلة الأمر بقتال الكفار كافّة: ففي هذه المرحلة أمر الله سبحانه وتعالى رسوله صلى الله عليه وسلم والمؤمنين بقتال الكفار كافّة؛ ليكون الدين كله لله، ولتفتح الأبواب أمام كل من يريد الدخول في الإسلام، قال الله سبحانه وتعالى: (وَقَاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً كَمَا يُقَاتِلُونَكُمْ كَافَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ)[8].
حكم الجهاد
الجهاد حكمه بالجملة فرض، والدليل على فرضيّته قول الله سبحانه وتعالى: ( كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَّكُمْ..)[9] ونقل الإمام ابن عبد البر أنّ حكم الجهاد يكون فرض كفاية في حالة الخوف، ويكون نافلة مع الأمن، وقد اختلف الفقهاء في كون الجهاد فرض كفاية أم فرض عين على قولين:[10]
- ذهب جمهور الفقهاء إلى أنّ الجهاد فرض كفاية؛ إذا قام به البعض سقط عن الباقين، وعلّل الجمهور ما ذهبوا إليه بأنّ المقصود من الجهاد كسر منعة وشوكة المشركين، ورفع راية الدين، واستدلُّوا بقول الله سبحانه وتعالى: (وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنفِرُوا كَافَّةً ۚ فَلَوْلَا نَفَرَ مِن كُلِّ فِرْقَةٍ مِّنْهُمْ طَائِفَةٌ لِّيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ)،[11] وبقول الله سبحانه وتعالى أيضاً: (فَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ عَلَى الْقَاعِدِينَ دَرَجَةً ۚ وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَىٰ ۚ وَفَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ عَلَى الْقَاعِدِينَ أَجْرًا عَظِيمًا)،[12] وقالوا بأنّ الجهاد لم يُفرض لعينه، وإنما فُرض لدفع الشر عن العباد، ولإعزاز دين الله سبحانه وتعالى، وقد ذهب القائلون بأنّ الجهاد فرض على الكفاية إلى أنّه يُصبح فرض عين في عدد من الحالات هي:
- ذهب سعيد بن المسيب إلى أنّ الجهاد فرض عين؛ وذلك لقول الله سبحانه وتعالى: (انفِرُوا خِفَافًا وَثِقَالًا وَجَاهِدُوا بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ۚ ذَٰلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ)[13]
- إذا التقى الجيشان وتقابلا، فيحرُم على من حضر الانصراف، وتعيّن عليه الجهاد.
- إذا هاجم العدو قوماً بغتة، فيتعيّن عليهم الدفاع عن أنفسهم.
- إذا استنفر الإمام قوماً فيجب عليهم النّفير؛ إلّا من كان لديه عذر.
ضوابط الجهاد
للجهاد في سبيل الله ضوابط منها: [14]
- الفقه بشروط وجوب الجهاد؛ وذلك بأن يكون الشخص الخارج للجهاد على علم بشروط وجوب الجهاد، والتي تتضمّن أن يكون الشخص مسلماً، وبالغاً، وعاقلاً، وحرّاً، وذكراً، وسليماً من الأضرار.
- أن يستأذن الخارج للجهاد والديه في الخروج إلى الجهاد.
- الاعتصام بكتاب الله وسنة النبي صلى الله عليه وسلم وخاصة في أيام الفتن.
- إنّ الأمر بالجهاد راجع إلى إمام المسلمين واجتهاده.
أنواع الجهاد
للجهاد في سبيل الله أنواع عديدة منها: [15]
- جهاد الكفار، وينقسم هذا النوع من أنواع الجهاد إلى قسمين:
- جهاد المنافقين والمرتدين.
- جهاد البغاة المعتدين الذين يحاولون الخروج على الإمام المسلم، وهذه الفئة الخارجة يكون لهم تأويل سائغ للخروج على الإمام، والأصل في التعامل مع هذه الفئة قول الله سبحانه وتعالى: (وَإِن طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِن بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِن فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ، إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ)[16]
- الجهاد من أجل الدفاع عن الدين، والنفس، والأهل، والمال، ويدخل في هذا النوع جهاد قطّاع الطرق الذين يتعرضون للناس فيقتلوا ويسلبوا.
- جهاد الطلب: ويُقصد به أن يغزو المسلمون الكفارَ في بلادهم؛ لدعوتهم إلى دين الله والدخول في الإسلام، فإن أبُوا الدخول في الإسلام، فعليهم دفع الجزية أو القتال.
- جهاد الدفع: ويُقصد به منع ودفع الكفار من دخول بلاد المسلمين.
المراجع
- ↑ عمر بن محمد بن أحمد بن إسماعيل، أبو حفص، نجم الدين النسفي (1311هـ)، طلبة الطلبة في الاصطلاحات الفقهية، العراق: مكتبة المثنى ، صفحة 79. بتصرّف.
- ↑ د. سعيد بن علي بن وهف القحطاني، الجهاد في سبيل الله تعالى - مفهومه، وحُكْمه، ومراتبه، وضوابطه، وأنواعه، وأهدافه، وفضله، وأسباب النصر على الأعداء في ضوء الكتاب والسنة، السعودية: مطبعة سفير، صفحة 5. بتصرّف.
- ↑ محمد بن ابراهيم التويجري (2009)، موسوعة الفقه الإسلامي (الطبعة الأولى)، السعودية: بيت الأفكار الدولية، صفحة 436-438، جزء 5. بتصرّف.
- ↑ سورة الروم، آية: 60.
- ↑ سورة التوبة، آية: 40.
- ↑ سورة الحج، آية: 39-40.
- ↑ سورة البقرة، آية: 193.
- ↑ سورة التوبة، آية: 36.
- ↑ سورة البقرة، آية: 216.
- ↑ وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية- الكويت (1427هـ)، الموسوعة الفقهية الكويتية (الطبعة الثانية)، الكويت: دار السلاسل، صفحة 129-132، جزء 16. بتصرّف.
- ↑ سورة التوبة، آية: 122.
- ↑ سورة النساء، آية: 95.
- ↑ سورة التوبة، آية: 41.
- ↑ د.سعيد بن علي بن وهف القحطاني، الجهاد في سبيل الله تعالى - مفهومه، وحُكْمه، ومراتبه، وضوابطه، وأنواعه، وأهدافه، وفضله، وأسباب النصر على الأعداء في ضوء الكتاب والسنة، السعودية: مطبعة سفير، صفحة 15-23. بتصرّف.
- ↑ د. سعيد بن علي بن وهف القحطاني، الجهاد في سبيل الله تعالى - مفهومه، وحُكْمه، ومراتبه، وضوابطه، وأنواعه، وأهدافه، وفضله، وأسباب النصر على الأعداء في ضوء الكتاب والسنة، السعودية: مطبعة سفير، صفحة 29-30. بتصرّف.
- ↑ سورة الحجرات، آية: 9-10.