متى تم فتح مكة
أسباب فتح مكّة
حفلت السيرة النبويّة بأحداثٍ جليلةٍ ومواقف عظيمةٍ، من بينها: صلح الحديبية، وكان ذلك في العام السادس من الهجرة، وقد نصّ على وقف الحرب بين المسلمين وكفّار قريش مدّة عشر سنواتٍ، وكانت من شروطه أن يكون لقبائل العرب حرّية الانضمام في حِلف الرسول -صلّى الله عليه وسلّم- أو لطرف قريش، وتكون على هذه القبائل واجباتٌ؛ كنصرة حلفائهم، وعليهم الالتزام بالعهود وعدم الاعتداء أو البغي على القبائل المتعاهدة معهم، وفي المقابل فإنّ لهم حقوقاً مثل حقوق حلفائهم، وقد كانت قبيلة خزاعة في طرف النبيّ عليه الصّلاة والسّلام، أمّا بنو بكرٍ فكانوا في حلف قريشٍ، وكان هناك ثأرٌ قديمٌ بين هاتين القبيلتين؛ فاستغلّ بنو بكر توقيع الهدنة وغدروا بخزاعة وأعانتهم قريشٌ في ذلك، وكان ذلك في العام الثامن من الهجرة وفيه نقضٌ صريحٌ لمعاهدة الحديبية، فقام وفدٌ من خزاعة بقيادة عمرو بن سالم الخزاعيّ واستنجدوا بنبيّ الله صلّى الله عليه وسلّم، وبلّغوه بما حصل لهم من اعتداءٍ من قبل بني بكر وحلفائهم القرشيّين، فأرسل رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- إلى قريشٍ؛ ليتأكدّ ممّا حدث، وخيّرهم إمّا أن يدفعوا ديّة القتلى من خزاعة، أو أن يتبرّوا من بني بكر، أو أن يقطع الهدنة ويعلن القتال، فاختارت قريش القتال، ثمّ ما لبثت أن تراجعت لعلمها بقوّة المسلمين فأرسلت أبا سفيان ليجدّد العهد ويزيد مدّة الصلح، وقد حاول أبو سفيان إقناع ابنته أمّ حبيبة وأبي بكرٍ وعمر بن الخطّاب وعليّ بن أبي طالبٍ رضي الله عنهم، ولكنّهم رفضوا الشفاعة له عند رسول الله -عليه الصّلاة والسّلام- وتوحّدوا على كلمته وقراره، فرجع أبو سفيان إلى مكّة وأخبر قريشاً بما حصل معه، وكيف أنّ المسلمين مجتمعون على طاعة رسولهم وعلى كلمته، وأنّ رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- عازمٌ على نصرة خزاعة وقتال قريش في صُلب دارهم.[1][2]
زمن فتح مكّة
تجهّز رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- لقتال قريشٍ وأمر المسلمين بالاستعداد، ولم يخبرهم بوجهة سيره؛ حتّى لا يكون لقريشٍ علمٌ بذلك ويدخل عليهم بغتةً، وبعدها أخبرهم أنّه متوجّهٌ إلى مكّة، إلّا أنّ حاطب بن أبي بلتعة أرسل رسالةً إلى قريشٍ ليخبرهم بذلك، فأنزل الله خبراً من السماء إلى رسوله وأخبره بما فعله حاطب؛ فتدارك محمّدٌ -عليه السّلام- الموقف وأرسل عليّاً بن أبي طالب والزّبير رضي الله عنهما؛ ليجدوا الرسالة التي كانت مع امرأةٍ متوجّهةٍ إلى قريشٍ، وقد عفا رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- عن حاطب بعدما أخبره عن سبب إقدامه على هذا الامر؛ وهو أنّه ليس لحاطب عشيرةٌ أو قوّةٌ في مكّة وأهله هناك؛ فأراد أن يكون لديه يدٌ في قريش؛ ليكرموا أهله، وقال -عليه السّلام- لعمر: إنّ حاطب من أهل بدرٍ وقد غفر الله لأهل بدرٍ، وخرج رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- في اليوم العشرين من رمضان من السنة الثامنة للهجرة، ومعه عشرة آلاف مقاتلٍ، وكان هو والمسلمون صائمين حتّى وصلوا إلى منطقةٍ تسمّى الكديد، فأفطروا هناك وأكملوا حتّى وصلوا مرّ الظّهران قريباً من مكّة المكرّمة، وكان الليل قد حلّ فأمر رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- كلّ جنديٍّ بإشعال شعلةٍ من النار؛ ممّا تسبّب بإدخال الرّعب في قلوب المشركين، فقام أبو سفيان وخرج مع نفرٍ؛ ليستطلع الخبر، فقابله العبّاس وأخبره بأنّ هذه النّيران هي جيش المسلمين فخاف أبو سفيان، فأجاره العبّاس، وعندما حلّ الصّباح أسلم أبو سفيان، وحضر استعراض جيش المسلمين وفرقه، فأسرع إلى مكّة وأخبرهم أنّهم لا طاقة لهم اليوم بجيش محمّدٍ، ودخل رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- مكّة من أربعة مداخل على كلّ مدخلٍ جزءٌ من الجيش بقيادة واحدٍ من القادة الأربعة: الزّبير بن العوّام، وأبو عبيدة بن الجرّاح، وخالد بن الوليد، وسعد بن عبادة، دخل -عليه السّلام- مكّة مكبّراً مهلّلاً وقال: مَن دخل دار أبي سفيان فهو آمِن، ومن دخل المسجد فهو آمِن، ومَن أغلق عليه بابَه فهو آمن، وصعد بلال بن رباحٍ سطح الكعبة وأذّن وطاف رسولُ الله -صلّى الله عليه وسلّم- بالبيت سبعاً وهو جالسٌ على راحلته، وبعدها حطّم الأصنامَ، وقام بمسح صورٍ كانت داخل الكعبة، وطهّرها من رجس المشركين.[3][2]
ثمار فتح مكّة
فتح مكّة من أهمّ الفتوحات الإسلاميّة وكان فيه إكرامٌ من الله تعالى لنبيّه وللمسلمين بعد سنواتٍ من الدعوة والجهاد؛ لتبليغ الإسلام، ولهذا الفتح دلالاتٌ وفوائد، منها:[4]
- بفتح مكّة انضمّت مكّة لحمى التوحيد، وتخلّصت من كلّ شركٍ وصنمٍ وخرافةٍ .
- دخل عددٌ من المستضعفين في مكّة في دين الإسلام، فقد رغبوا بالدّخول إلى الإسلام من قبل، ولكنّهم خافوا من أذى قريشٍ وتسلّطهم، كما لم يعد للمتسلّطين من الكفّار قوّةٌ أن يؤذوا المسلمين المُستضعفين هناك.
- أزال الفتح رهبة قريش من قلوب القبائل العربيّة، فقد كانت بعضٌ من القبائل تؤخّر الدخول في الإسلام؛ ليروا مصير قبيلة قريش، فلمّا رأوهم قد هُزموا دخلوا في الإسلام.
- زاد فتح مكّة الثقة في قلوب المؤمنين بنصر ربّهم ووعده لهم، قال الله تعالى: (لَّقَدْ صَدَقَ اللَّـهُ رَسُولَهُ الرُّؤْيَا بِالْحَقِّ لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ إِن شَاءَ اللَّـهُ آمِنِينَ مُحَلِّقِينَ رُءُوسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ لَا تَخَافُونَ فَعَلِمَ مَا لَمْ تَعْلَمُوا فَجَعَلَ مِن دُونِ ذَلِكَ فَتْحًا قَرِيبًا).[5]
- أصبح للمسلمين مكانةٌ رفيعةٌ عند العرب بعد فتح مكّة، واكتسبوا شرف حماية البيت والعمل على خدمته.
المراجع
- ↑ د.هند بنت مصطفى شريفي (2014-1-4)، "أسباب فتح مكة"، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 2018-11-18. بتصرّف.
- ^ أ ب أ. مجدي داود، "من فتوحات رمضان: فتح مكة فكان فتحاً لأمَّة"، www.saaid.net، اطّلع عليه بتاريخ 2018-11-18. بتصرّف.
- ↑ د.محمد منير الجنباز (2017-2-23)، "كيف تم فتح مكة المكرمة"، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 2018-11-18. بتصرّف.
- ↑ "فوائد من فتح مكة"، www.islamweb.net، 2004-4-11، اطّلع عليه بتاريخ 2018-11-18. بتصرّف.
- ↑ سورة الفتح، آية: 27.