أين حدثت الثورة الصناعية
الثورة الصناعيّة
يُعبِّر مُصطلَح الثورة الصناعيّة عن التغيُّرات التي طرأت على حياة الناس في الغرب في الفترة ما بين القرن الثامن عشر وأوائل القرن التاسع عشر، وترتبط بانتشار التصنيع الذي بدأ في بريطانيا، ومن ثمّ انتقل إلى مناطق في أوروبا، وأمريكا الشماليّة، ومع بداية القرن التاسع عشر، كان الانتشار قد وَصَل إلى أوروبا الغربيّة، وشمال شرق الولايات المُتَّحِدة الأمريكيّة، وتميَّزت هذه الثورة بأنّ الإنتاج أصبح يعتمد على الآلات ذات المُحرِّكات، وبذلك تمّ الاستغناء عن العمل اليدويّ، وأدّى هذا إلى زيادة الإنتاج، كما استُبدِلَ كلٌّ من الورشات الصغيرة، والتصنيع المنزلي، بالمصانع التي جَمَعت بين الآلات، والعُمّال في وقت واحد.[1]
واعتُبِرت المصارف التي تُوفِّر المال من أهمّ العناصر التي أثَّرت في تطوُّرالثورة الصناعيّة، إضافة للمُموِّلين، أو المُستثمِرين؛ ولذلك فقد قادَ هذه الثورة رجال الأعمال الأثرياء، واعتبرَ المُؤرِّخون أنّ الثورة الصناعيّة أحدثت تحوُّلاً كبيراً في المُجتمَعات؛ حيث حوَّلتها من مُجتمَعات ريفيّة إلى مُجتمَعات صناعيّة مُتمَدِّنة، وهذا يعني أنّها أحدثَت تغييرات كبيرة، وساهمت في رَفْع مُستوى معيشة الناس؛ وذلك بسبب زيادة إنتاج البضائع، إلّا أنّ لها بعض الآثار السلبيّة في الوقت نفسه، مثل: السكن المُزدحِم وغير الصحّي بجانب المناطق الصناعيّة، بالإضافة إلى تلوُّث الهواء، والماء، والذي سبَّبَته مُخلَّفات المصانع.[1]
النشأة التاريخيّة للثورة الصناعيّة
كان لاكتشاف الآلة البخاريّة أثر كبير في تفجُّر الثورة الصناعيّة، وكان ذلك في الستينيّات من القرن الثامن عشر في بريطانيا، حيث تَسبَّبت هذه الآلة في ازدهار أهمّ الصناعات في ذلك الوقت، وهما: صناعة النسيج، والصُّلب، وتُعتبَر الثورة الصناعيّة نتاجاً للتطوُّر العلميّ الذي تَسبَّب فيه عَصر النهضة الأوروبية، والذي حدث قبل الثورة الصناعيّة بقَرنين، كما أنّ أحد أسباب اندلاعها هو تطوُّر الصناعات التقليديّة اليدويّة، بالإضافة إلى ازدياد الحاجة والطَّلَب في السوق العالميّة، مع ازدهار وتطوُّر حركة التجارة العالميّة، وبالتالي عَجْز الصناعة اليدويّة عن تلبية هذه الاحتياجات.[2]
وقد استمرَّت الثورة الصناعيّة في بريطانيا حسب المُؤرِّخين خلال الفترة 1770م- 1830م، وأدَّت إلى ازدهار صناعات عديدة، مثل: صناعة النسيج، والصُّلب، واستخراج الفَحْم الحجريّ، كما توسَّعت طُرُق المواصلات، وأُنشِئت الجسور الحديثة، وأدَّت إلى تغيير النَّمَط المعيشيّ للسكّان من القرويّ إلى الحضريّ، وهذا ما جَعل بريطانيا تتصدَّر قوائم الدُّوَل من حيث: القوّة الاقتصاديّة، والعسكريّة، وتحتلّ المرتبة الأولى في ذلك حتى أواسط القرن العشرين.[2]
الدُّوَل التي حدثَت فيها الثورة الصناعيّة
بدأَت الثورة الصناعيّة في بريطانيا؛ ويرجع ذلك إلى وجود مخزون كبير من الفَحْم الحجريّ، والحديد، بالإضافة إلى مقدرة بريطانيا على الحصول على الموادّ الخام الأخرى اللازمة للتصنيع من مُستعمَراتها، وقد تزايدَ الطَّلَب على بضائعها في أواخر القرن الثامن عشر، وبالتالي ازدياد التنافُس، إلّا أنّه نظراً لمحدوديّة العُمّال، والموارد، فقد واجَهَت بريطانيا في تلك الفترة عدم المقدرة على الاستجابة لهذا الطَّلب، فبدأَت بالبحث عن طُرُق بديلة، عدا رَفْع سِعر السِّلعة؛ لارتفاع تكلفتها، فتحقَّق ذلك من خلال تطوير المصانع، والمهارات الفنّية، وبذلك زادت الكمّية التي يُنتِجها كلّ عامل، وخلال وقتٍ أسرع.[3]
بدأت الثورة الصناعيّة بالإنتشار على الرغم من محاولة بريطانيا لاحتكار مُكتشفاتها ومهاراتها، وكان سبب الانتشار هو مغادرة العُمّال الماهرين، وأصحاب الصناعات من بريطانيا إلى دُوَل أخرى، مثل: مغادرة الصانع الانكشاري جون هولكر إلى فرنسا، وتحديثه لطُرُق صناعة النسيج، وهجرة العامل سامويل سلاتر إلى الولايات المُتَّحِدة، حيث بنى مصنعاً للنسيج هناك، فبدأَت الصناعات تظهرُ وتتطوَّر في العديد من الأقطار، وأصبحت بلجيكا ثاني دولة في التصنيع، حيث استطاعت تطوير الصناعات الثقيلة بمساعدة ماليّة من الحكومة خلال الفترة 1830م- 1870م، وتطوَّرت صناعة النسيج بشكلٍ كبير، ونمَت في مُدُن عديدة، مثل: غنت، ولييج، ممّا جعلها مراكز رئيسيّة لهذه الصناعة.[4]
و ظهرت الثورة الصناعيّة في فرنسا، في منتصف القرن الثامن عشر إلى بداية القرن التاسع عشر، إلّا أنّ الثورة الفرنسيّة والحروب التي واجهتها البلاد أدَّت إلى توقُّفها عن التصنيع، وذلك بعد دخول نابليون بونابرت، فأصبح إنتاجها من الحديد مثلاً مُعتمِداً على الطريقة القديمة المُكلفة، وهي استخدام أفران الفَحْم النباتيّ، كما ساهمَ قطاع النَّقْل السيِّئ في تدهوُر الصناعات فيها، كما تضاعَفَ إنتاج الفَحْم الحجريّ في ألمانيا خلال الفترة ما بين عامَي 1830م و1850م، وازداد تعدين خام الحديد في منتصف القرن التاسع عشر، الأمر الذي أدّى إلى زيادة إنتاجه، كما استطاعَت ألمانيا في أواخر القرن التاسع عشر أن تزيدَ من إنتاجها للفولاذ، لتحتلَّ في عام 1900م المرتبة الثانية بَعدَ الولايات المُتَّحِدة الأمريكيّة في إنتاج الفولاذ، وقد بدأت الثورة الصناعيّة، وتطوَّر التصنيع ليزدهرَ خارج المُستعمَرات البريطانيّة، وليصلَ إلى الولايات المُتَّحِدة الأمريكيّة، وأصبح ثُلث عدد السُّفُن البريطانيّة يُصنَع في أمريكا التي أصبحت تُصدِّر الحديد إلى بريطانيا أيضاً، كما ازدادَ تصنيع النسيج، والمعادن الخفيفة، في العشرينيّات من القرن التاسع عشر الميلاديّ.[4]
مُميِّزات الثورة الصناعيّة
تميَّزت الثورة الصناعيّة بعدّة مُميِّزات من النواحي الاجتماعيّة، والاقتصاديّة، وفي مجال التكنولوجيا، وعلى المُستوى الثقافيّ أيضاً، ومن هذه المُميِّزات:[5]
- حدوث تطوُّر ملحوظ في مجال النَّقْل، والمواصلات، وشَمِلت البواخر، والقطار البخاريّ، والسيارات، والطائرات، والتلغراف.
- ظهور مُنظَّمة تُعرَف باسم (Factory System)، وهي تهتمّ بالتخصُّص الوظيفيّ، وتقسيم العمل.
- ظهور آلات جديدة، مثل: (Spinning jenny) و(Power loom)، حيث أدّى ذلك إلى زيادة كمّية الإنتاج، باستخدام أقلّ عدد مُمكن من الطاقات البشريّة.
- استخدام موادّ جديدة ولكنّها أساسيّة، مثل: الحديد، والصُّلب، بالإضافة إلى استغلال مصادر الطاقة، مثل: الفحم، والبترول، والكهرباء.
- تحسُّن المجال الزراعيّ، حيث انعكس ذلك على معيشة الفلّاحين، والمقدرة على توفير الغذاء لأكبر عدد منهم في تلك الفترة.
- حدوث تغييرات على السياسة؛ وذلك لمُواكبة التطوُّرات، واحتياجات المُجتمَع الصناعيّ.
- نُموّ المُدُن، وحدوث تحوُّلات ثقافيّة في المُجتمَع، وتطوُّر الطبقة العاملة، بحيث أصبحوا مُرتبِطين بأنظمة مُعيَّنة، بعد أن كانوا حِرَفِيِّين يعملون باستخدام الأدوات اليدويّة.
مجالات الثورة الصناعيّة
شَمِلت الثورة الصناعيّة عدّة مجالات، ومن الأمثلة على هذه المجالات تطوُّر صناعة النسيج، والتي كانت تتمُّ بشكل أساسيّ داخل المنازل قَبل وجود الآلات، وهذا أدّى إلى ظهور الصناعة المنزليّة، إلّا أنّه بعد الثورة الصناعيّة، تمّ اختراع آلة الغَزْل من قِبَل الإنجليزيّ جيمس هارجريفز (بالإنجليزيّة: James Hargreaves)، وهي آلة تنتجُ العديد من بَكَرات الخيوط في وقت واحد، كما تمّ تحسين جديلة الغَزْل من قِبَل البريطانيّ سامويل كرومبتون (بالإنجليزيّة: Samuel Crompton)، بالإضافة إلى اختراع نَول النسيج الذي أدّى إلى نَسْج القماش، وذلك في الثمانينيّات من القرن الثامن عشر، على يد إدموند كارترايت (بالإنجليزيّة: Edmund Cartwright).[6]
كما ساهمَت الثورة الصناعيّة في تطوُّر صناعة الحديد، وذلك من خلال اكتشاف الإنجليزيّ أبراهام داربي (بالإنجليزيّة: Abraham Darby) لفُرنٍ يعمل بالوقود؛ لإنتاج الحديد بطريقة أسهل وأرخص، كما طوَّر المهندس هنري بسمر (بالإنجليزية: Henry Bessemer)، عمليّة غير مكلفة لإنتاج الصُّلب، وعلى نطاقٍ واسعٍ، وأصبح كلٌّ من الحديد، والصُّلب يُستخدَم لصُنْع الكثير من الأدوات، والأجهزة، بالإضافة إلى السُّفُن، والبُنية التحتيّة.[6]
المراجع
- ^ أ ب هيئة من المؤلفين (1999)، الموسوعة العربية العالمية (الطبعة الثانية)، الرياض- المملكة العربية السعودية: مؤسسة أعمال الموسوعة للنشر والتوزيع، صفحة 68-69، جزء 8 (ث-ج). بتصرّف.
- ^ أ ب "الثورة الصناعية"، www.aljazeera.net، 2016-3-22، اطّلع عليه بتاريخ 2018-6-20. بتصرّف.
- ↑ هيئة من المؤلفين (1999)، الموسوعة العربية العالمية (الطبعة الثانية)، الرياض- المملكة العربية السعودية: مؤسسة أعمال الموسوعة للنشر والتوزيع، صفحة 70-71، جزء 8 (ث-ج). بتصرّف.
- ^ أ ب هيئة من المؤلفين (1999)، الموسوعة العربية العالمية (الطبعة الثانية)، الرياض- المملكة العربية السعودية: مؤسسة أعمال الموسوعة للنشر والتوزيع، صفحة 77-78، جزء 8 (ث-ج). بتصرّف.
- ↑ "Industrial Revolution", www.britannica.com, Retrieved 2018-6-20. Edited.
- ^ أ ب "INDUSTRIAL REVOLUTION", www.history.com, Retrieved 2018-6-20. Edited.