أين تقع مملكة سبأ
مملكة سبأ
من بين كل الممالك القديمة التي أحاطت بالجزيرة العربية وبلاد الشام، تبرز مملكة سبأ، كأحد أهم هذه الممالك، والتي سيطرت على المشهد السياسي في جنوب شبه الجزيرة العربية -اليمن في الوقت الحالي-، إلا أن أغلب المصادر تتفق على قيام مملكة سبأ في نهاية الألفية الثانية قبل الميلاد، وقد استمرّ حكمها حتى القرون الأولى بعد الميلاد.[1]فأين تقعُ مملكةُ سبأ؟ وما أهمُّ آثارها؟ وما العوامل التي ساعدت على تطوّرها وازدهارها وعُمرانها؟ هذا ما سيتمُّ نقاشه في هذا المقال.
موقع مملكة سبأ
يُذكرُ أنّ موقعَ مملكة سبأ كان في جنوب الجزيرة العربيّة، وتبعُد ما مقداره مئتي ميل عن شمال غرب منطقة عدن، إلّا أنّ هُناك بعض الأسفار التوراتية التي تُشير إلى أنّ هُناك موقعين لسبأ، أحدهما كان في الجنوبِ بجوارِ حضرموت، والآخر في الشّمال بالقرب من أراضي تيماء.[2]
وإنّ ما تُجمعُ عليه المصادر التاريخية على أيّة حال، أن عاصمة مملكة سبأ هي مأرب، وآثار مأرب شاهدة على حضارة عظيمة ودولة قوية. وتبعد مأرب قُرابة 120 كم إلى الشرق من صنعاء عاصمة اليمن، وتقع في وادٍ يدعى وادي أضنة، ولا زالت مأرب إلى الآن، وجهة سياحيّة زاخرة بالعديد من الآثار، والمعابد، والقصور التاريخية، التي كانت شاهدةً على أعظم ممالك جنوب شبه الجزيرة العربية.[3]
أهم آثار مملكة سبأ
أقامُ شعبُ سبأ بعض الآثار الخالدة التي ما زال بعضُها ماثلاً إلى وقتنا الحاضر، ومن هذه الآثار وأشهرها، سدُّها العظيم الذي يُدعى سدّ مأرب، إذ كان أعجوبةً من عجائب فنّ العمارة في ذلك الوقت، ويُستنتجُ من بناء سدِّ مأرب وجودُ مُجتمعٍ راقٍ يمتلك قدرات زراعيةٍ، وهندسيةٍ عالية. [4]
لكن آثار مملكة سبأ لم تقف عند السدود وحسب؛ بل قد امتدت إلى القصور والمعابد والحصون. كما يحيط بمدينة مأرب سور دفاعي عالٍ به سبع بواباتٍ، مما جعل سبل غزو هذه المدينة تستحيل على الممالك الأخرى.[3] وقد امتلكت بلقيس -ملكةُ مملكة سبأ- ثلاثة قصورٍ؛ غمدان، وبينون، وسلحين،[4] كما أنّها امتلكت عرشاً عظيماً فخماً، وهو سرير مصنوعٌ من الذهب، وأرجله من لؤلؤٍ وجوهرٍ، كما أنه مُكلّلٌ بالزّبرجد الأخضر، والياقوت الأحمر، والدُّر،[5] وقد ورد ذكرها في القرآن الكريم في قول الهدهد: (إِنِّي وَجَدتُّ امْرَأَةً تَمْلِكُهُمْ وَأُوتِيَتْ مِن كُلِّ شَيْءٍ وَلَهَا عَرْشٌ عَظِيمٌ).[6]
عوامل ازدهار مملكة سبأ
العوامل الجغرافية
تميّزت مملكة سبأ بموقعها الجغرافي، وطبيعة أرضها الزراعية، و مناخها الموسمي، حيث أدّى التدرج في ارتفاع المناطق الجبلية إلى اعتدال المناخ في قسمٍ كبيرٍ من هذه المناطق، ما أدّى إلى توفير البيئة الملائمة لزراعة البنّ اليمنيّ ذائع الصيت في العالم كله. وقد عملت كل هذه الأسباب معًا، لتجعل من اليمن مركزًا تجاريًا وزراعيًا هامًا.[7]
العوامل الاقتصادية
كانت الزراعة أهم مصادر الرزق لدى مملكة سبأ، وكانت أرضهم طيبة الهواء، لا تحتوي البراغيث، ولا الدواب المؤذية؛[1] وقد قال تعالى في ذلك: (لَقَدْ كَانَ لِسَبَإٍ فِي مَسْكَنِهِمْ آيَةٌ ۖ جَنَّتَانِ عَن يَمِينٍ وَشِمَالٍ ۖ كُلُوا مِن رِّزْقِ رَبِّكُمْ وَاشْكُرُوا لَهُ ۚ بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ وَرَبٌّ غَفُورٌ).[8]
ولقد اهتم السبئيون بالزراعة، ومن أهم المحاصيل الزراعية التي أنتجها السبئيون النخيل، والقمح، والبُنُّ، كما زرعوا الخضراوات، والحبوب، وكانت المناطق العالية من الجبال تجود بأشجار الفواكه بمختلف أنواعها، وعلى وجه الخصوص العنب الذي وصل عدد أنواعه إلى 28 نوعاً. كما زرعوا أشجاراً تُنتج أخشاب الوقود، وأخشاب الطيب المستخدمة في النجارة.[7]
عُدّت مأرب عاصمةً لمملكة سبأ كما ذُكر سابقاً، وتقعُ هذه المدينة على مشارفِ الصّحراء إلى الشمال الشّرقي من اليمن الحاليّة، في وادٍ مشهورٍ اسمه وادي سبأ. وكانت مأرب تُمسك بزمام طريق التِّجارة الدولية في ذلك الوقت، والذي يصلُ بين أفريقيا الشّرقية وبلاد الشام وبلاد فارس، بالإضافة للعديد من أسواق الجزيرة العربيّة، حيثُ كان يُعرفُ باسم طريقِ اللبان. [1]
وقد ساعد موقع سبأ الجغرافي المهم على اتّصال المملكة بالقوافل البرية والبحرية مع الهند، والحبشة، وبلاد الشام، ومصر. حيث كانت تستورد اللؤلؤ من منطقة الخليج، والأنسجة والسيوف من الهند، كما كانت تحصل من الصين على الحرير، أما العاج، وريش النعام، والذهب فمن الحبشة، وكانت جميعها تُنقل من خلال سبأ وتجّارها إلى بلاد حوض البحر المتوسط وأوروبا.[4]
وعلى صعيدٍ آخر، فقد بنى السبئيون الموانئ على بحر العرب وتاجروا عبرها، حيثُ اتصفت هذه الموانئ بالنَّشاط التّجاري البالغ، ومن أبرزِ هذه الموانئ ما يلي:[1]
- ميناء قنا: والذي يقعُ على ساحلِ حضرموت، حيثُ كانت تُعدّ قنا من أهمّ المراكز التّجارية في جنوب الجزيرة العربية، فقد شملتْ تجارتها البضائع من مختلف البلدان كالهند ومصر وغيرها.
- ميناء موشا: وهو ما يُعرف الآن بميناء خويري في عُمان.
- ميناء يوديمون: وهو يقع ضمن ميناء عدن الحاليّ.
مملكة سبأ في الكتب السماوية
نظرًا إلى قوة مملكة سبأ وسمعتها، فقد أوردتها النصوص الدينية التوراتية والقرآنية واعتبرتها أحد أهم الدول المحيطة بمملكة النبي سليمان وأغناها وأقواها، ففي القرآن الكريم سُمِّيت سورةٌ كاملةٌ باسمها، وورد ذكرها في سورةٍ أخرى أيضًا وهي سورة النمل؛ ففي قصة النبي سليمان والهدهد.[5] يقول الله تعالى: (وَتَفَقَّدَ الطَّيْرَ فَقَالَ مَا لِيَ لَا أَرَى الْهُدْهُدَ أَمْ كَانَ مِنَ الْغَائِبِينَ، لَأُعَذِّبَنَّهُ عَذَابًا شَدِيدًا أَوْ لَأَذْبَحَنَّهُ أَوْ لَيَأْتِيَنِّي بِسُلْطَانٍ مُّبِينٍ، فَمَكَثَ غَيْرَ بَعِيدٍ فَقَالَ أَحَطتُ بِمَا لَمْ تُحِطْ بِهِ وَجِئْتُكَ مِن سَبَإٍ بِنَبَإٍ يَقِينٍ).[9]
وقد دعا السيّد المسيح ملكةَ سبأ بملكة الجنوب، لكون مملكة سبأ تقعُ في جنوبِ كنعان،[10] كما ذُكرت ملكة سبأ في العهد الجديد بملكة تيمان، فقد قيل فيه: (مَلِكَةُ التَّيْمَنِ سَتَقُومُ فِي الدِّينِ مَعَ رِجَالِ هذَا الْجِيلِ وَتَدِينُهُمْ، لأَنَّهَا أَتَتْ مِنْ أَقَاصِي الأَرْضِ لِتَسْمَعَ حِكْمَةَ سُلَيْمَانَ، وَهُوَذَا أَعْظَمُ مِنْ سُلَيْمَانَ ههُنَا).[11]
المراجع
- ^ أ ب ت ث د.محمد نعمة فقيه، مملكة سبأ حاضنة تاريخ اليمن القديم، صفحة 5-7، 9.
- ↑ "820 BC - 115 BC - Sabean Kingdom", www.globalsecurity.org, Retrieved 25-11-2017.
- ^ أ ب " Marib"، www.yementourism.com، اطّلع عليه بتاريخ 25-11-2017.
- ^ أ ب ت "من تاريخ اليمن السعيد: مملكة سبأ وملكتها بلقيس"، القدس العربي .
- ^ أ ب د. عبداالله كرامة التميمي (2008)، تحديد موطن مملكة سبأ في القرآن الكريم والمصادر أخرى، الشارقة-الإمارات العربية المتحدة: مجلة جامعة الشارقة للعلوم الشرعية والقانونية، صفحة 226-230.
- ↑ سورة النمل، آية: 23.
- ^ أ ب زيد بن علي غسان (1976)، تاريخ حضارة اليمن القديم (الطبعة الأولى)، صنعاء: المطبعة السلفية ومكتبتها، صفحة 15-17.
- ↑ سورة سبأ، آية: 15.
- ↑ سورة النمل، آية: 20-22.
- ↑ "ملكة سبأ تُعجب بحكمة سليمان"، www.st-takla.org، اطّلع عليه بتاريخ 25-11-2017.
- ↑ "انجيل المسيح حسب البشير لوقا "، www.enjeel.com.