من هم كفار قريش
نبذة عن قريش
تعدّ قريش من أعظم وأكبر قبائل العرب قديماً، وهي قبيلة النبيّ محمّد صلّى الله عليه وسلّم، ولقد كانت عظيمةً وذات مكانةٍ بين العرب؛ لإشرافها على بيت الله الحرام والحجيج القادمين إليه كلّ عام، وقد كانت قريش تُقسم إلى قسمين اثنين هما: قريش البطاح، وقريش الظواهر؛ فأمّا قريش البطاح فكانوا المسؤولين عن الحجّ والحرم، فيحمون البيت الحرام والحجيج ويخدمونهم، وقد كانوا كذلك مسيطرين على أمور التجارة والقوافل التي تمرّ من خلالهم؛ لذلك كانوا أغنياء أصحاب ثرواتٍ، ومن أمثالهم أولاد قصي بن كلاب، وبنو كعب بن لؤي، وتعدّ قريش البطاح أكثر تمدّناً من قريش الظواهر، أمّا قريش الظواهر فهم من كان قد نزل بظاهر مكّة فهم أقلّ تمدّناً، بل وأقرب للبداوة، وكانوا فقراء لا يجدون كثير كسبٍ من مالٍ وطعامٍ وشرابٍ؛ لذلك كانوا يغيرون على القوافل التجارية يتكسّبون جرّاء ذلك.[1]
لقد تفرّع من هذين الفرعين بطون كثيرة يُذكر منها: بنو الحارث بن فهر، وبنو لؤي بن غالب، وبنو زهرة بن كلاب، وبنو أسد بن عبد العزى، وبنو المطلب، وبنو أميّة، وبنو هاشم، وغيرهم، ولقد تفرّعت مجدّداً هذه البطون بعد الإسلام، ولقد اختُلف في سبب تسمية قريش بهذا الاسم، فقيل إنّها سميت كذلك من التقرّش، والتقرّش هو التجارة والاكتساب من ذلك، وقال ابن إسحاق إنّها سميت قريشاً لتجمّعها بعد التفرّق، وقد يُقال للتجمّع بعد التفرّق التقرّش، وقيل إنّ الاسم قد جاء من سمك القرش؛ لأنّ قريشاً كانت تبتلع غيرها من القبائل لقوتها وعظمتها، وقيل غير ذلك من الافتراضات التي سمّيت لأجله قريش بهذا الاسم.[1]
كفار قريش
يأتي تعريف الكفر لغةً بأنّه الإنكار والجحود،[2] وأمّا في الشرع فالكفر هو رفض الإسلام، والتكذيب به، وقد يكون عن عمدٍ وإصرارٍ، أو بجهلٍ أو كبرٍ أو غير ذلك،[3] وأمّا كفار قريش فهم كغيرهم من الكفار العرب الذين شهدوا النبيّ -صلى الله عليه وسلّم- وعايشوه، ولكنّهم ما آمنوا به وصدّقوه، بل أنكروا حديثه وكذّبوه، وكفروا بما جاء به من توحيد الله تعالى، والإيمان باليوم الآخر، وغير ذلك، ولقد استهزؤوا بالنبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- أيام دعوته، وأقسموا الأيمان المغلّظة أنّ الله -تعالى- لن يبعث من يموت؛ وذلك رغبةً منهم في دحض كلام النبيّ جملةً وتفصيلاً، وقد ذكر الله -تعالى- مواقفهم تلك في القرآن الكريم، فقال: (وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لَا يَبْعَثُ اللَّهُ مَنْ يَمُوتُ)،[4] وقال فيهم أيضاً: (وَيَقُولُونَ مَتَى هَذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ).[5][6]
وبالرّغم من أنّ كفار قريش قد تميّزوا عن غيرهم بإيذائهم للنبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- وأصحابه، إلّا أنّهم ليسوا جميعاً في ميزانٍ واحدٍ في السوء والكفر، والعذاب يوم القيامة، فأبو جهلٍ لشدّة عداوته وإيذائه للنبيّ -عليه السلام- كان قد سمّي بفرعون هذه الأمّة، وبالمقابل فقد كان منهم أبو طالب، وهو الذي مات على الكفر، لكنّه كان عوناً وناصراً للنبيّ، وحاميه من أيدي الكفار، ولذلك كان أخفّ الكفار عذاباً في الآخرة كما أخبر عنه النبيّ عليه السلام.[7]
موقف أحد الكفار من القرآن
كان من كفار قريش من علم أنّ القرآن الكريم رسالة صدقٍ وحقٍّ، وأنّ النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- صادقٌ مُرسل من ربّ العالمين، إلّا أنّ جحودهم وكفرهم كان أسبق إلى الفعل، فلم يؤمنوا، ويدلّ على ذلك موقف الوليد بن المغيرة عندما سمع القرآن الكريم من النبيّ صلّى الله عليه وسلّم، فتأثّر به وخشع، ورقّ له قلبه، فبلغ ذلك صديقه أبو جهل، فخشي عليه من أن يدخل في الإسلام، فأتاه على عجلٍ يعرض عليه المال والجاه، في مقابل أن يترك ما سمعه من النبي، بل ويقابله بالإساءة والتشويه بين الناس، فقال له الوليد: (وماذا أقول؟ فوالله ما فيكم من رجلٍ أعلم بالأشعار مني ولا أعلم برجزه ولا بقصيده ولا بأشعار الجن مني، والله ما يشبه الذي يقول شيئاً من هذا، والله إنّ لقوله الذي يقول حلاوة وإنّ عليه لطلاوة وإنّه لمثمر أعلاه مغدق أسفله وإنّه ليعلو وما يعلى، وإنّه ليحطم ما تحته)، فكان ذلك اعترافاً واضحاً بأنّ الوليد مصدّق لما يسمع، يعلم أنّه من رب العالمين لا من قول البشر، لكنّه بعدما تمكّنت تلك المعاني من نفسه، قرّر أن يقول عنه سحرٌ يفرّق به بين المرء وزوجه والولد وولده، فمشى بهذا الافتراء بين الناس؛ بغية التشويش على دعوة الرّسول صلّى الله عليه وسلّم.[8]
آيات من القرآن نزلت في الكفار
أنزل الله -تعالى- جملةً من الآيات التي تتحدّث عن الكفار أيام النبيّ صلّى الله عليه وسلّم، وبعضها يخبر بسوء عاقبتهم كذلك، ومن هذه الآيات ما يأتي:
- آيات سورة المدّثر، التي نزلت بسبب الموقف السابق للوليد بن المغيرة، بعد إقراره بصدق كلام النبي عليه السلام، وعلوّ مقام القرآن الكريم، إلّا أنّه قرر أن ينشر بين الناس أنّه سحر، فقال الله تعالى فيه: (ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيدًا*وَجَعَلْتُ لَهُ مَالًا مَّمْدُودًا*وَبَنِينَ شُهُودًا*وَمَهَّدتُّ لَهُ تَمْهِيدًا*ثُمَّ يَطْمَعُ أَنْ أَزِيدَ*كَلَّا إِنَّهُ كَانَ لِآيَاتِنَا عَنِيدًا*سَأُرْهِقُهُ صَعُودًا*إِنَّهُ فَكَّرَ وَقَدَّرَ*فَقُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ*ثُمَّ قُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ*ثُمَّ نَظَرَ*ثُمَّ عَبَسَ وَبَسَرَ*ثُمَّ أَدْبَرَ وَاسْتَكْبَرَ*فَقَالَ إِنْ هَـذَا إِلَّا سِحْرٌ يُؤْثَرُ*إِنْ هَـذَا إِلَّا قَوْلُ الْبَشَرِ).[9][10]
- سورة المسد، وهي سورةٌ كاملةٌ نزلت في عمّ النبي الكافر أبي لهب؛ إذ إنّه لمّا جمع النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- الناس؛ لينبؤهم بخبر دعوته ورسالته، اجتمع الناس ينظرون ما يقول النبيّ، فنادى فيهم النبي يخبرهم أنّه رسول مرسل من الله تعالى؛ لينذرهم ويبشرهم، فقال له أبو لهب: تباً لك ألهذا دعوتنا جميعاً؟ فنزلت فيه سورة المسد، وبدايتها: (تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ).[11][12]
المراجع
- ^ أ ب سامي منيسي (5-9-2015)، "نبذة عن قريش"، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 26-5-2018. بتصرّف.
- ↑ "معنى كلمة الكفر"، www.almaany.com، اطّلع عليه بتاريخ 2018-5-26. بتصرّف.
- ↑ هشام المحجوبي، وديع الراضي (30-4-2013)، "الكفر والأسباب التي منعت الكفار من اتباع الإسلام"، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 26-5-2018. بتصرّف.
- ↑ سورة النحل، آية: 38.
- ↑ سورة يس، آية: 48.
- ↑ "كفار قريش كانوا لا يؤمنون بالآخرة"، fatwa.islamweb.net، 9-10-2013، اطّلع عليه بتاريخ 26-5-2018. بتصرّف.
- ↑ "هل كفار قريش أشد الناس كفراً؟"، fatwa.islamweb.net، 24-10-2016، اطّلع عليه بتاريخ 26-5-2018. بتصرّف.
- ↑ "شهادة الوليد بن المغيرة ببلاغة القرآن الكريم"، fatwa.islamweb.net، 19-2-2008، اطّلع عليه بتاريخ 26-5-2018. بتصرّف.
- ↑ سورة المدثر، آية: 11-25.
- ↑ ابن كثير (1999)، تفسير القرآن العظيم (الطبعة الثانية)، الرياض: دار طيبة، صفحة 266-267، جزء 8. بتصرّف.
- ↑ سورة المسد، آية: 1.
- ↑ الواحدي (1992)، أسباب النزول (الطبعة الثانية)، الدمام: دار الإصلاح، صفحة 469-470. بتصرّف.