-

من هم قوم يأجوج ومأجوج

من هم قوم يأجوج ومأجوج
(اخر تعديل 2024-09-09 11:28:33 )

يأجوج ومأجوج

يُعدّ قوم يأجوج ومأجوج من أحد الأقوام الّذين مرّوا في التّاريخ البشريّ، حيثُ ورد ذكرهم في الدِّيانات السماويّة جميعها، كما تمّ تأليف الأعمال الأدبيّة التي تتعلّق بهم، ويأجوج ومأجوج في الواقع قومان ورد ذكرهما في القرآن الكريم وفي السنّة النبويّة المُطهّرة، ويقترن ذكرهما عادةً مع القوّة والجبروت والكثرة، كما يُعتبر ظُهورهما علامةً من علامات السّاعة الكُبرى.

أصل التَّسْمية والنَّسَب

سُمِّيَ قوم يأجوج ومأجوج بذلك: من الأجيج، أي أجيج النّار، والنّار إذا اضطرمت اضطربت وصار لهَبُها يتداخل بعضه في بعض،[1] وقيل: لكثرتهم وشدَّتهم، وقيل: من الأُجاج وهو الماء شديد المُلوحة، وقيل: اسمان أعْجَميّان، وقيل: وهم لكثرتهم هكذا، وهم من ولد يافِث بن نوح باتّفاق النَسّابين.[2]

جاء في الحديث الذي يرويه أبو هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (وُلِدَ لنوح سام وحام ويافِث، فَوُلِدَ لسام العرب وفارس والروم والخير فيهم، وولد ليافث يأجوج ومأجوج والتّرك والسقالبة ولا خير فيهم، وولد لحام القبط والبربر والسّودان).[3]

يأجوج ومأجوج في القرآن والسُّنة

يَرجِعُ ذكر يأجوج ومأجوج في القرآن الكريم والموجود في سورة الكهف إلى زمان الملك الصّالح ذي القرنين والذي كان يَجوب الأرض مُصْلِحاً فيها، قال الله تعالى: (ثُمَّ أَتْبَعَ سَبَبًا * حَتَّى إِذَا بَلَغَ بَيْنَ السَّدَّيْنِ وَجَدَ مِنْ دُونِهِمَا قَوْمًا لَا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ قَوْلًا * قَالُوا يَاذَا الْقَرْنَيْنِ إِنَّ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ فَهَلْ نَجْعَلُ لَكَ خَرْجًا عَلَى أَنْ تَجْعَلَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ سَدًّا * قَالَ مَا مَكَّنِّي فِيهِ رَبِّي خَيْرٌ فَأَعِينُونِي بِقُوَّةٍ أَجْعَلْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ رَدْمًا * آتُونِي زُبَرَ الْحَدِيدِ حَتَّى إِذَا سَاوَى بَيْنَ الصَّدَفَيْنِ قَالَ انْفُخُوا حَتَّى إِذَا جَعَلَهُ نَارًا قَالَ آتُونِي أُفْرِغْ عَلَيْهِ قِطْرًا)،[4] ففي رحلاته في الأرض من أجل الإصلاح مَرّ على قوم كانوا قريبين من يأجوج ومأجوج، فطلب منه أهل تلك البلاد أن يقوم ببناء سَدٍّ يحميهم من يأجوج ومأجوج وشَرِّهم؛ فقد كان يأجوج ومأجوج أهل فسادٍ وشرٍّ في الأرض، ولم يكن لمن في ذلك الزّمان حولٌ بهم ولا قوّة، وهذا ما قام بفعله ذو القرنين؛ إذ قام ببناء سدٍّ عظيم بينهم وبين يأجوج ومأجوج وصفه الله عزّ وجل في القرآن الكريم بأنّه من الحديد والنّحاس المُذاب، ولا يزال هذا السدّ قائماً حتى يومنا هذا في مكانٍ لا يعلمه إلّا الله عز وجل، فإذا انهار هذا السدّ وظهر يأجوج ومأجوج اقتربت السّاعة بعدها. قال الله عزّ وجلّ في القرآن الكريم: (حَتَّىٰ إِذَا فُتِحَتْ يَأْجُوجُ وَمَأْجُوجُ وَهُم مِّن كُلِّ حَدَبٍ يَنسِلُونَ (96) وَاقْتَرَبَ الْوَعْدُ الْحَقُّ فَإِذَا هِيَ شَاخِصَةٌ أَبْصَارُ الَّذِينَ كَفَرُوا يَا وَيْلَنَا قَدْ كُنَّا فِي غَفْلَةٍ مِّنْ هَٰذَا بَلْ كُنَّا ظَالِمِينَ).[5]

إنّ يأجوج ومأجوج ثلاثة أصناف: صنف طولهم كطول الأرز، وصنف طوله وعرضه سواء، وصنف يفترش أحدهم أذنه ويلتحف بالأخرى فتُغطّي سائر جسده. عن ابن عباس قال: إن نبيّ الله صلّى الله عليه وسلّم قال: (لا يَمُوتُ رَجُلٌ مِنْهُمْ حتى يُولَدَ لِصُلْبِهِ ألْفُ رَجُل)،[6] قال: وكان عبد الله بن مسعود يُعجب من كثرتهم ويقول: (لا يموت من يأجوج ومأجوج أحد حتّى يولد له ألف رجل من صُلبه).[7]

إفساد قوم يأجوج ومأجوج

وعند قيام السّاعة يقوم قوم يأجوج ومأجوج ويفسدون في الأرض إفساداً عظيماً، فظهورهم يكون بعد الدجّال، وبعد نزول المسيح عيسى بن مريم وظهور المهديّ المُنتَظر، فيظهر قوم يأجوج ومأجوج بعد أن يكون القتال مع الدّجال قد انتهى؛ إذ يوحي الله عزّ وجل إلى عيسى عليه السّلام أنّ يأجوج ومأجوج قد انتشروا في الأرض، وأنّه لا قُدرة لأحدٍ على قتالهم، فهم كثيرو العدد كما ذكر رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بشكلٍ لا يمكن لأحدٍ تخيّله، وبعد ذلك، يذهب عيسى عليه السّلام ومن معه من المُؤمنين بحماية الله عزّ وجل، ويحتمون في جبل الطّور، ويجوب يأجوج ومأجوج في البلاد مُفسدين فيها، ويبقى الصّالحون مع عيسى عليه السّلام مُحتَمين في جبل الطّور.[8]

وقد قصَّ رسول الله - عليه الصّلاة والسّلام- ذلك لأصحابه؛ فعَن أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِي، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: (يُفْتَحُ يَأْجُوجُ وَمَأْجُوجُ فَيَخْرُجُونَ عَلَى النَّاسِ كَمَا قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ (وَهُمْ مِنْ كُلِّ حَدَبٍ يَنْسِلُونَ)،[9] فَيَغْشَوْنَ الْأَرْضَ، وَيَنْحَازُ الْمُسْلِمُونَ عَنْهُمْ إِلَى مَدَائِنِهِمْ وَحُصُونِهِمْ، وَيَضُمُّونَ إِلَيْهِمْ مَوَاشِيهِمْ، فَيَشْرَبُونَ مِيَاهَ الْأَرْضِ، حَتَّى إِنَّ بَعْضَهُمْ لَيَمُرُّ بِالنَّهْرِ فَيَشْرَبُونَ مَا فِيهِ، حَتَّى يَتْرُكُوهُ يَابِسًا، حَتَّى إِنَّ مَنْ بَعْدَهُمْ لَيَمُرُّ بِذَلِكَ النَّهْرِ، فَيَقُولُ: لَقَدْ كَانَ هَا هُنَا مَاءٌ مَرَّةً، حَتَّى لَمْ يَبْقَ مِنَ النَّاسِ أَحَدٌ إِلَّا انْحَازَ إِلَى حِصْنٍ أَوْ مَدِينَةٍ، قَالَ قَائِلُهُمْ: هَؤُلَاءِ أَهْلُ الْأَرْضِ قَدْ فَرَغْنَا مِنْهُمْ، بَقِيَ أَهْلُ السَّمَاءِ، قَالَ: ثُمَّ يَهُزُّ أَحَدُهُمْ حَرْبَتَهُ، ثُمَّ يَرْمِي بِهَا إِلَى السَّمَاءِ، فَتَرْجِعُ إِلَيْهِ مُخَضَّبَةً دَمًا لِلْبَلَاءِ وَالْفِتْنَةِ. فَبَيْنَا هُمْ عَلَى ذَلِكَ، بَعَثَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ دُودًا فِي أَعْنَاقِهِمْ كَالنَّغَفِ، فَتَخْرُجُ فِي أَعْنَاقِهِمْ فَيُصْبِحُونَ مَوْتَى، لَا يُسْمَعُ لَهُمْ حِسٌّ، فَيَقُولُ الْمُسْلِمُونَ: أَلَا رَجُلٌ يَشْرِي لَنَا نَفْسَهُ، فَيَنْظُرَ مَا فَعَلَ الْعَدُوُّ، قَالَ: فَيَتَجَرَّدُ رَجُلٌ مِنْهُمْ لِذَلِكَ مُحْتَسِبًا لِنَفْسِهِ، قَدْ وَطَّنَهَا عَلَى أَنَّهُ مَقْتُولٌ، فَيَنْزِلُ فَيَجِدُهُمْ مَوْتَى، بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ، فَيُنَادِي: يَا مَعْشَرَ الْمُسْلِمِينَ، أَلَا أَبْشِرُوا، فَإِنَّ اللَّهَ قَدْ كَفَاكُمْ عَدُوَّكُمْ، فَيَخْرُجُونَ مِنْ مَدَائِنِهِمْ وَحُصُونِهِمْ، وَيُسَرِّحُونَ مَوَاشِيهِمْ، فَمَا يَكُونُ لَهَا رَعْي إِلَّا لُحُومَهُمْ، فَتَشْكَرُ عَنْهُمْ أَحْسَنَ مَا شَكَرَتْ عَنْ شَيْءٍ مِنَ النَّبَاتِ أَصَابَتْ قَطُّ).[10]

ومن ثمّ يُرسل الله عز وجلّ المطر على الأرض فتقوم بغسل الأرض منهم، ويقوم الله عزّ وجل بأمر الأرض بعدها بأن ترجع بركاتها إليها.[11]

المراجع

  1. ↑ محمد بن صالح العثيمين (1426)، شرح العقيدة السفارينية (الطبعة الأولى)، الرياض: دار الوطن ، صفحة 458.
  2. ↑ عبد الرحمن بن محمد بن قاسم العاصمي الحنبلي، حاشية الدرة المضية في عقد الفرقة المرضية، صفحة 81.
  3. ↑ رواه البزار، في البحر الزخار، عن أبو هريرة، الصفحة أو الرقم: 14/245.
  4. ↑ سورة الكهف، آية: 92-96.
  5. ↑ سورة الأنبياء ، آية: 96.
  6. ↑ رواه ابن كثير، في تفسير ابن كثير ، عن عبد الله بن عباس، الصفحة أو الرقم: 8/283.
  7. ↑ محمد بن جرير الطبري (2000)، جامع البيان في تأويل القرآن (تفسير الطبري) (الطبعة الأولى)، بيروت: مؤسسة الرسالة، صفحة 111، جزء 18.
  8. ↑ عبد الله بن سليمان الغفيلي (1422)، أشراط الساعة (الطبعة الأولى)، السعودية: وزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد، صفحة 97.
  9. ↑ سورة الانبياء، آية: 96.
  10. ↑ رواه الوادعي، في الصحيح المُسند، عن أبو سعيد الخدري، الصفحة أو الرقم: 413، حديثٌ حَسَن.
  11. ↑ عصام موسى هادي (2003)، صحيح أشراط الساعة (الطبعة الولى)، بيروت: دار ابن حزم للطباعة والنشر والتوزيع، صفحة 124.