-

من هو عباس محمود العقاد

من هو عباس محمود العقاد
(اخر تعديل 2024-09-09 11:28:33 )

التّعريف بعباس محمود العقّاد

عبّاس محمود العقّاد، هو أديب، وشاعر، وناقد أدبيّ، كما أنّهُ فيلسوف، وسياسيّ، وصحفيّ، ومُؤرِّخ، عُنِي بالأدب فذاع صيته فيه، وأصبح من الأعلام البارزة في الأدب العربيّ الحديث، وجعل العقّاد جُلّ حياته في أمور الدّين والسّياسة ففرّغ نفسه إليها، وكانت مُصنّفاته تتنوّع بين الفلسفة السّياسيّة، والاجتماعيّة، وفلسفة القرآن، كما تطرّق للسيّر الذّاتيّة للقادة المُسلمين الكِبار.[1][2]

من الجدير بالذكر أنّ العقاد قد عُرف بخصومته مع الأديب طه حسين، والتي كانت في مجالي السّياسة والأدب، فقال طه حسين في العقّاد: "لقد هاجمت العقّاد في غير موطن من مواطن الخصومة"، مُشيراً بعد ذلك أنّ هذه الخصومة لم تُقلل من قيمة العقّاد بالنّسبة له، وبسبب قيمة العقاد وأثره الكبير تم صُنع تمثال برونزيّ له تطريمًا له في مِصر، وتحديداً في محافظة أسوان.[3][4]

حياة عبّاس محمود العقّاد

نشأة العقّاد

وُلد العقّاد في مِصر، في الثّامن والعشرين من شهر حُزيران من عام 1889م،[1] في إحدى البلدات النّائية من منطقة الصّعيد وفي أسوان تحديداً وعاش طفولته فيها، ولمّا كانت هذه المنطقة هادئة وساكنة كان العقّاد يلوذ إليها في شبابه وفي كِبر سِنِّه ابتعادًا عن ضوضاء المدينة.[5]

تعليم العقّاد

درس العقّاد في مرحلته الابتدائيّة بمدرسة أسوان الأميريّة، وفي عام 1903م حصل على شهادة فيها وذلك في سِنِّ الرّابعة عشر، وكان والده يعتني به في الجانب الأدبيّ فكان يصحبه إلى الشّيخ والأديب أحمد الجّداويّ، وهو ممّن كانوا يأخذون العلم من السّيد جمال الدّين الأفغانيّ، فعَمَد العقّاد إلى الاستماع الدّائم للمُطارحات الشّعريّة التي يقولها الشّيخ، بالإضافة إلى مقامات الحريريّ التي كان يتناولها في مجلسه، ممّا جعل العقّاد مُطالعاً للكُتب الأدبيّة والكُتب القديمة الثّمينة.[5]

درس العقّاد التّلغراف في إحدى مدارس ضواحي مصر الجديدة آنذاك واسمها الدّمرداش وكان ذلك بعد انتقاله إلى القاهرة، ولم يخلُ طريقه الأدبيّ من الشِّعر كذلك، فذهب إلى نظمه وكان يتطرّق إلى مُطالعة المُصنّفات العربيّة والفرنجيّة، فأصبحت مداركه أوسع وأكثر زخماً، ولم يصحبه الملل أو الكلل في رحلته الأدبيّة هذه إنّما يبحث ويُطالع بنَهَم، وممّا نظمه وهو ابن العاشرة أبيات عُنيت بفضل العِلم، وهي كالتّالي:[5]

علم الحساب له مزايا جمّة

وكذلك الجغرافيا تهدي الفتى

وتعلم القرآن واذكر ربه

وظيفة العقّاد

عمل العقّاد بمهن مُختلفة ومنها الصّحافة، وكان أولّ عمله فيها في جريدة الدّستور لصاحبها الأستاذ وجدي، وبدأ بعد ذلك يكتب في صُحف أخرى مثل: المؤيّد، والأهالي، والأهرام، وكانت محاولته الأولى في هذا المجال وهو صغير في محافظة أسوان، فأصدر مجلّة بخطّ يده لكثرة اطّلاعه على العديد من المجلّات والصُّحف القديمة، مثل: مجلّة التّنكيت والتّبكيت، ومجلّة الأستاذ عبد الله النّديم، الذي جعل منه مِثالاً له في عناوين الصُّحف، وكان قد كتب مقالة اسمها "لو كُنّا مثلكم لما فعلنا فعلتكم"، وذلك ردّاً على مقالة النّديم "لو كنتم مثلنا لفعلتم فعلنا"، وكان ذلك تحت اسم مجلّة التّلميذ، وهُناك اختلاف بينهما في الكتابة؛ فكان العقّاد يعْمَد إلى الاتّزان في كتابته، على عكس النّديم الذي يميل للدُّعابة والمُزاح، بالإضافة إلى استخدامه الكثير للعاميّة التي كان العقّاد يرى في استخدامها استخداماً زمانيّاً مُحدّداً، وأنّ الفُصحى هي التي تُعنى بالفِكر والمعاني.[5]

بعد انتهاء عمله في جريدة الدّستور انتقل العقاد إلى كتابة المقالات والمقامات إثر نصيحة الأستاذ محمّد فريد، وهو صاحب مجلّة الحياة، ومن المهن التي امتهنها عمله كموظّف حكوميّ في القسم الماليّ وتحديداً في مُديريّة الشّرقيّة، إذ كان يأخذ أجراً مقابل عمله خمسة جُنيهات فتكفيه مؤونة عيشة بسيطة، لكنّه كان يحرص على ادّخار جُنيه منها ليُصدر صحيفة له تُباع للناس، إذ كانت تكلفة طباعة الواحدة منها ثلاثين قرشاً، فعاونه أصدقاؤه في الطّباعة والنّشر حينها.[5]

زواج وحُبّ العقّاد

بقي العقّاد عازباً في حياته ولم يتزوّج، إلّا أنّه اشتهر بحُبّه للكتابة مي زيادة، وكان قد تحدّث في قصّته "سارة"، عن شخصيّة تُدعى هِند، ويُقال إنّ مي هي هِند في تلك القصّة، أما حُبّه لسارة فقد أزاح عنه حبّه القديم، وقد صوّر ذلك في قصّته فيقول: "أمّا عند سارة، فالشّفاعة الأولى، بل الشّفاعة العُليا هي النّعيم والسّرور"، وعاش العقّاد بحُبّه الذي لم يُفضي إلى زواج.[5]

صالون عبّاس محمود العقّاد

أنشأ العقّاد صالوناً أدبيّاً في بيته في أوائل الخمسينيّات، وكان المجلسُ يُدار كلّ يوم جُمعة بحضور مجموعة من المُفكِّرين، والفنانين المِصريّين من أصحاب الأدب البارز، وعُني مجلسه في العديد من المواضيع منها: الأدب، والعلوم، والتّاريخ، وغيرها، وإنّ من أكثر هذه المواضيع إثارة للنقاش والجدل في مجلسه هي المواضيع التي تُعنى بدور المرأة المُسلمة في المجتمع، وكان العقّاد قد كتب ثلاثة كُتب في هذا الموضوع، إذ أشير في كُتبه هذه إلى أهميّة حصول المرأة على حقّها في المشاركة المُطلقة في المجُتمع، وفي حقّها بحرية الفِكر كذلك، لذلك كان العقّاد يلقى احتراماً كبيراً من النِّساء.[6]

مؤلّفات عباس محمود العقّاد

إنّ للعقاد الكثير من المؤلفات المهمة، فقد نشر عام 1954م مجلّدين على شكل مجموعة لإحدى ترجماته في الأدب العالميّ، ومنها مجموعة من القصص القصيرة الأمريكيّة التي اعتبرها العقّاد أفضل القصص في تلك الفترة، ثمّ تولّى منصباً في المجلس المِصريّ للآداب والفنون بعد ذلك بعامين، وفي عام 1958م نشر كتابه مُقدّمة شكسبير، وهو أحد كُتب النّقد الأدبيّ الحادية عشرة الخاصّة به، بالإضافة إلى نشره مجموعة أخرى مثل: إبليس، والشّيطان والّلغة الشِّعريّة، وحصل العقّاد على جائزة الدّولة التقديريّة في الآداب عام 1960م، ونُشرت آخر أعماله في عام 1963م، وذلك تحت عنوان"يوميّات"، لذا يعمَد الكثير من العلماء إلى دراسة حياة العقّاد دراسة دقيقة لأنّهم يرون فيه موسوعة بشريّة.[6] ونذكر أبرز مؤلفاته بالتفصيل كما يأتي:

العبقريّات

هي سلسلة من الكُتب التي تُعنى بشخصيّات عظيمة، وأولّها: عبقريّة مُحمّد-صلّى الله عليه وسلّم-، ثمّ العبقريّات الأخرى الخاصّة بالخلفاء الرّاشدين، وهي: وعبقريّة الصِّديق، وعبقريّة عُمُر، وعبقريّة عثمان بن عفّان، وعبقريّة عليّ بن أبي طالب.[2]

المرأة في القرآن

تطرّق العقّاد في هذا الكتاب إلى الحديث عن المكانة التي تحتلُّها المرأة، وذلك في ظلّ ذِكر الآيات القُرآنيّة المُتعلّقة بها، كما تحدّث فيه عن مجموعة من القضايا التي ترتبط بالمرأة، مثل: الزّواج، والطّلاق، والحقوق الدُّنيويّة، والحقوق الدّينيّة، وقِوامة الرّجل على المرأة. وممّا أشار إليه في كتابه كذلك الوصايا المذكورة في كتاب الله، والتي تُعنى بالتّعامل مع المرأة، وأنهى العقّاد كتابه بكتابة رأيه الخاصّ فيما تمرّ به المرأة من قضايا.[7]

التّفكير فريضة إسلاميّة

يتحدّث العقّاد في هذا الكتاب حول الآيات التي تدعو الإنسان للتّفكُّر، وهي الآيات التي عظّمت من نِعمة العقل، باعتبارها وسيلة التّفكير عند الإنسان، ويُشير إلى أنّ العقل هو السّبيل الأفضل للرّجوع إليه في الأمور، كما يُجيب في كتابه عن الأسئلة المُتعلّقة باتّفاق الدّين والفِكر، كذلك سؤال: "هل يستطيع الإنسان العصري أن يقيم عقيدته الإسلامية على أساس من التفكير؟"، ثمّ يُجيب العقّاد عنه بنعم، مستشهداً بالآيات. ويذكر النّتيجة الحتميّة التي وصل إليها وهي عنوان كتابه أنّ التّفكير فريضة إسلاميّة.[8]

أنا

يُعتبر هذا المُصنّف سيرة ذاتيّة للعقّاد يسردُ فيها نفسه من وجهة نظره وليس كما يراه النّاس، لذلك تُظهِر هذه السّيرة صورة مُختلفة عمّا أخذها عنه ممّن عاصروه. فالكتاب يحتوي الكثير من المشاعر الصّادقة لحياة العقّاد والمليئة بالعديد من التّجارب الحياتيّة في عُمُره، كما يُظهر فيها حبّه الكبير للمُطالعة أكثر من أيّ شيء آخر.[9]

أثر العرب في الحضارة الأوروبيّة

يتحدّث العقّاد في هذا الكتاب عن الأثر الكبير للحضارة العربيّة في نهضة الحضارة الأوروبيّة، وعلى اختلاف الجوانب الرّوحيّة والماديّة، ويُشير في نهاية الكتاب إلى انعكاس الأدوار الذي حدث، ويستشهد بآية: (وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ)،[10] ويُشير بعد ذلك إلى أنّ الأثر الأوروبيّ في نهضة العرب في الوقت الحديث ما هي إلّا عملية عكسيّة لسداد الدّين السّابق.[11]

الإسلام والحضارة الإنسانيّة

يستعرضُ العقّاد في هذا الكتاب الإسلام من خلال مجموعة من المقالات، ويُوضّح فيها أثر الإسلام في الحضارة الإنسانيّة، ويُشير بدلائل على ذلك، وبراهين تدلّ على إنجازات الإسلام وانتشاره لدُول العالم، بالإضافة إلى الإشارة إلى الدّور الذي حقّقه الإسلام في خلق التّوازن بين العِلم والإيمان، ويُؤكّد كذلك على أنّ الإسلام خطاب شامل، وعامّ للعالم أجمع، ويُدلِل بذلك كونه دين لا يُفرقّ بين البشر.[12]

جميل بُثينة

يتناول العقّاد في هذا الكتاب دراسة أحد أعلام قصص الحبّ في تاريخ العرب، وهو جميل بن معمّر العذريّ، وعَمَد على طرح الشّخصيّة بشكل مُختلف مُشتملاً الجوانب النّفسيّة لها ماراً بالبيئة التي عاش ونشأ فيها وكيف آل المآل إلى موهبته في الشِّعر، ويذكرُ كذلك الجوانب التي برع فيها جميل بُثينة، ومن الجدير بالذِّكر أنّ بُثينة هو اسم محبوبته.[13]

مؤلفات أخرى للعقاد

للعقّاد مجموعة كبيرة من المؤلّفات، والتي تُعنى بجوانب مُختلفة، وهي:[2]

المؤلّفات الدينيّة:

  • الله.
  • إبراهيم أبو الأنبياء.
  • أبو الشّهداء الحسين بن علي.
  • الصّدِيقة بنت الصِّديق.
  • فاطمة الزّهراء والفاطميّون.
  • عمرو بن العاص.
  • معاوية بن أبي سفيان.
  • الفلسفة القرآنيّة.
  • التّفكير فريضة إسلاميّة.
  • الإسلام في القرن العشرين.
  • ما يُقال عن الإسلام.
  • الدّيمقراطيّة في الإسلام.
  • الشّيوعيّة والإنسانيّة في شريعة الإسلام.
  • حقائق الإسلام وأباطيل خصومه.
  • حياة المسيح.

مؤلّفات الشخصيّات:

  • سارة.
  • القائد الأعظم مُحمّد علي جناح.
  • سعد زغلول زعيم الثّورة.
  • شاعر أندلُسيّ وجائزة عالميّة.
  • شاعر الغزل عمر بن أبي ربيعة.
  • عبد الرحمن الكواكبيّ.
  • جحا الضّاحك المُضحك.
  • روح عظيم المهاتما غاندي.
  • سن ياتسين أبو الصّين.
  • هتلر في الميزان.
  • فرانسيس باكون.
  • بنجامين فرنكلين.
  • أبو العلاء.
  • أبو نوّاس.
  • ابن الرّوميّ.
  • ابن رشد.
  • ابن سينا.
  • برنارد شو.
  • رجال عرفتهم.
  • التّعريف بشكسبير.

المؤلفات الأدبيّة:

  • أعاصير مغرب.
  • أفيون الشّعوب.
  • تذكار جيتي.
  • هذه الشّجرة.
  • يسألونك.
  • ألوان من القصّة القصيرة في الأدب الأمريكيّ.
  • أشتات مُجتمعات في الّلغة والآداب.
  • دراسات في المذاهب الأدبيّة والاجتماعيّة.
  • جوائز الأدب العالميّة.
  • مراجعات في الأدب والفنون.
  • مطالعات في الكتب والحياة.
  • ساعات بين الكتب.
  • الّلغة الشّاعرة.
  • الإنسان الثّاني.

أشهر الدّواوين الشّعريّة لعبّاس محمود العقّاد

ديوان من الدّواوين

هو مجموعة من أشعار العقّاد المُختارة بعناية ممّا نُشر له من دواوين شعره، ويحتوي الدّيوان على العديد من القصائد المختلفة، فمنها ما يُظهر الجانب النّفسيّ لتفكير العقّاد مثل: قصيدة ندم، وقصيدة مزيج، وغيرها، ومنها ما يُظهر جانبه العاطفيّ، والغَزَليّ مثل: قصيدة فنّ السّينما، وقصيدة عسكريّ المرور، ويضمّ هذا الدّيوان قصائد مُتنوعة يغلب عليها الطّابع العاطفيّ.[14]

ديوان عابر سبيل

استعرض العقّاد في هذا الدّيوان أغراضاً شِعريّة متنوعة، مُشيراً إلى أنّ الشِّعر لا يُحصر في غرض واحد، ومُعلِّلاً ذلك بأنّ الحياة تختلف في أحداثها، وأنّ الأدب وسيلة لطرح مشاكل المُجتمع، فحرص العقّاد على عدم السّير على أساليب قديمة ومُتداولة في طرحه، سواءً أكان ذلك في كتابته لبداية القصيدة أم في تحديد مواضيع القصائد. وقد تطرّق العقّاد للأفكار التي ترتبط بالتّجديد في كلّ ما يتعلّق بالموضوعات، لذلك هناك العديد من القصائد التي عُدّ طرحها أمراً جديداً في ذلك الوقت، ومنها: قصيدة عصر السّرعة، وقصيدة الفنادق، وقصيدة المَصْرِف، وغيرها.[15]

ديوان وهج الظّهيرة

يُعدّ هذا الدّيوان الشِّعريّ أول خطوة تجاه التّجديد في تأليف الدّواوين، وهو الذي أبرز أسلوب العقّاد في الشِّعر العربيّ دون غيره، مُبتعداً بذلك عن النّماذج القديمة الثّابتة، ويُعدّ هذا الديوان ثاني دواوينه التي ألّفها أثناء شبابه، ويتناول مجموعة من المواضيع المُختلفة، ومنها هذه القصائد: قصيدة كأس على ذكرى، وقصيدة القريب البعيد، وقصيدة الدُّنيا الميِّتة، وغيرها، بالإضافة إلى تناوله مواضيع الحياة في أوجه مختلفة كالحبّ، والجمال، والعاطفة، والطّبيعة، ولم تخلُ قصائده كذلك من الحديث عن الوطنيّة الصّادقة والإيمان.[16]

ديوان وحي الأربعين

يُعدّ هذا الدّيوان أكثر الدّواوين التي يظهر فيها نُضج أشعار العقّاد، ويتناسب ذلك مع عُمُره فغالب هذه القصائد كتبها وهو في الأربعين من عُمُره، ويظهر في هذا الدّيوان ما هو مختلف عن أشعاره السّابقة، فهو يُجدد حتّى بأشعاره، وليس مع من سبقوه فقط، ولقد تطرّق العقّاد في هذا الدّيوان إلى قصائد تُعنى بالتّأمُلات الحياتيّة، وأساليب المُناجاة، والخواطر، والقصائدة الوصفيّة، بالإضافة إلى القصائد الاجتماعيّة والقوميّة. وتُعدّ قصيدة الغزل الفلسفيّ من الأمثلة الواضحة على أسلوب العقّاد في التّجديد.[17]

ديوان هدية الكروان

تعود تسمية هذا الدّيوان لأثر طائر الكروان دون غيره من الطّيور في وجدان العرب، وكأنّ العقّاد يُهديه الدّيوان مجازيًّا. ويتناول الدّيوان العديد من قصائد الغزل، ومنها: قصيدة الحياء في الحبّ، وقصيدة الخرافة الصّادقة، وقصيدة شكوك العاشق، وغيرها.[18]

نظريّات ومذاهب عبّاس محمود العقّاد

الاهتمام بالقائل قبل القول

يرى العقّاد أنّ معرفة صاحب القول قبل القول أمر مهمّ، وغير مُنقصٍ لأهميّة القول، ويقول في ذلك: "لا أستطيع أن أفهم كلاماً حقّ فهمه إلّا إذا عرفتُ صاحبه، ووقفتُ على شيء من تاريخه وصفاته"، ويُشير كذلك إلى الخطأ الحاصل في الرّأي الذي يقول في النّظر إلى ما يُقال، وليس لمن قاله، فهو يُشير إلى أنّ معرفة القول لا يجعله مُستغنٍ عن صاحبه، كما يُعلِّل العقّاد ذلك بأنّ المُفردة ومعناها تختلف تِبعاً لقائلها، وأنّ المُفردة التي تخرج من قائلها هي جزء منه، وما خرجت منه إلّا وهي تعكس وتدلُّ على شيء فيه، ويقول العقّاد في ذلك: "إذا أحببت أن تفهم كلمة فافهم المُتكلّم، لأنّها من معدنه أُخذت، وبميزانه تُعتبر وتُوزن"، ويستدلّ كذلك على رأيه بكُتب التّراجم والسِّير، والتي تُعنى بالحديث بإسهاب عن الشّخصيّة ثمّ ربطها بما يتعلّق منها من أقوال.[19]

نظريّاته حول الشِّعر والشّاعر

يرى العقّاد أنّ الشِّعر عبارة عن مجموعة من الصّفات الخاصّة والمُنعكسة عن الشّاعر، وأنّه بذلك يُعتبر"مَلَكة إنسانيّة" لا تعبيريّة على حدّ وصفه، كما يُعرِّف العقّاد في كتابه خلاصة اليوميّة والشّذور أنّه: "فنّ توليد العواطف بواسطة الكلام"، ويُشير بذلك إلى أنّ العُنصر الأهمّ هي عاطفة الشّاعر التي يوصلها الكلام، أمّا عن الشّاعر فهو برأي العقّاد: "كُلُّ عارف بأساليب توليد الشِّعر من خلال هذه الواسطة"، ويقصد بالواسطة هُنا الكلام، ويرى كذلك أنّ الشّاعر هو من يستطيع التّعبير عن هذه الواسطة، ومن الجدير بالذِّكر أنّ العقّاد يُركِّز على ما يُفضي إلى عاطفة، دون القول، وذلك من باب أنّ ذات الشّاعر هي الأولى، وذاتهُ هُنا عاطفته، وكان هذا مبدأهُ الذي يواجه به الشّعراء، ويذكر كذلك مواصفات الشّاعر النّفسيّة، فيشهد لشاعريّة بعض الشُّعراء، ومنهم المُتنبي، وعلى الرّغم من عدم تطابقه مع المواصفات التي وضعها، والتي أهمُّها دور الشّخصيّة.[19]

مقاييس العقّاد النّقديّة

تتفرّع المقاييس النّفسيّة والنّقديّة التي وضعها العقّاد، وجعلها أساس حُكمه النّقديّ إلى مقياسيّن اثنين متّصلان بشخصيّة المُنتقَد، وهما كالتّالي:[19]

  • الشِّعرُ تعبير عن صاحبه: يدلّ اعتماد العقّاد لهذا المقياس على اهتمامه بشخصيّة الشّاعر، وكان قد أشار إلى هذا المقياس في كتابه خلاصة اليوميّة والشّذور لأولّ مرّة عام 1912م، فيما أخبر به حول ما يقوم به الشّاعر، فهو لا يرى أن يكون الشّاعر صاحبَ التّفعيلات، ووازِنُها، أو صاحب الكلام القويّ، فهي وظيفة يُمكن للكتاب أو الخطيب تأديتُها، ويقول في وظيفة الشّاعر: "إنّما الشّاعر من يَشْعر ويُشعِر"، وبعد نشر كتابه "الدّيوان" جعل هذا المقياس حديثه الشّاغل وصف فيه الشّاعر الحقيقيّ، ومن مواصفاته: عدم الانشغال بالصُّور الفنيّة، والشّكل على حساب الجوهر والهدف، فبقي العقّاد ثابتاً على رأيه على الرّغم من عدم اتّفاق البعض معه في هذا المقياس.
  • الصّدق الشّعوريّ: يَقصدُ العقّاد في الصّدق هُنا أنّه الصّدق الذي يُعنى بالفنّ وليس بتاريخ وأخلاق الشّاعر، أي صِدق ما يُعبّر عنه، وانبعاثه منه بلا تكلُّف، بل يكون شعوراً أصليّاً لديه، ولا ينفي هذا أهميّة سيرته وأخباره، فهي ممّا تدعم شخصيّة الشّاعر، وبرأيه أنّ الشّاعر الذي يصعُب عليه التّعبير عن طبيعته الشّخصيّة والحياتيّة ستكون مهمّة وصف حياة الآخرين عليه أصعب، وهذا ما يجعل شُعراء مُعيّنين يعلقون في الأذهان دون غيرهم، وممّن يرى العقّاد أنّ شعرهم يُمثل انعاكساً لهم الباروديّ، في حين أنّه ينتقد شعر أحمد شوقيّ، مُشيراً إلى أنّ شعره لا يُعبّر عنه، ووصف كلّ من يتّبع هذا النّهج بالصّانع، وممّا قال في هذا المقياس النّفسيّ: "الشِّعر الذي لا نعرف به الشّاعر، لا يستحقّ أن يُعرف"، ويُعلِّل ذلك بأنّ ما فائدة شِعر من لم نفهم فيه حياة وشخصيّة شاعره؟.

نظريّة الطّبيعة الفنيّة

هي إحدى نظريّات العقّاد التي تُعنى بشخصية الشّاعر كذلك، فيرى في هذه المِيزة أنّها تجعل الشّاعر غارقاً في حياته، فيكون شِعره متوافقاً مع عالمه الخاصّ، فلا ينفصل منه ولا عنه، وأنّ هذه المِيزة هي من تجعل الشّاعر مُتميِّزاً عن غيره. بالإضافة إلى أنّ الشّاعر لا يُمكن أن يكون شاعراً إلا وهو حامل لهذه الصّفة، فهو لا يُمكن إلّا وأن يكون له جزء يسير منها في شِعره. ويقول في هذه النّظريّة: "الإنسان الحيّ من الإنسان النّاظم، وأن يكون موضوع حياته هو موضوع شِعره، وموضوع شِعره هو موضوع حياته"، ويُلاحظ اهتمامه في هذه السِّمة من خلال عنايته الفائقة في اختيار الشّخصيّات التي أجرى دراساته عليها، وكان اختياره يعتمد على أكثر الشُّعراء اهتماماً بذواتهم في الشِّعر، وأكثرهم استطاعة للتّعبير عنها، ومن هذه الشّخصيّات: ابن الرّومي، وأبو نوّاس، والمعريّ، وغيرهم.[19]

استناد النّقد الصّحيح على معرفة النّاقد بالمنقود

تُعنى هذه النّظريّة بالشّخصيّات، فيرى العقّاد فيها أنّ النّقد لا يُمكن أن يكون إلّا بمعرفة المنقود معرفة جيّدة، بل معرفة تُفضي إلى المُلازمة، ويهتمّ العقّاد في هذه النّظريّة بالنّاقد والمنقود معاً، ويعمل على إظهار أهميّة أواصر المعرفة بينهما، فالنّاقد الذي يتعايش مع شخصية المنقود سيكون قادراً على معرفة جوانبه المختلفة، السّلبيّة منها، والإيجابيّة، ويبحث في كلّ الدّواعي التي آلت به ليصل إلى شِعره، فكأنّ النّاقد بفعله هذا قد دخل في شخصيّة المنقود وتقمّصها، وممّا يقول في أهميّة هذه النّظريّة: "فإذا حللت هذه البؤرة التي فيها، يتجمّع كلّ شيء في نفسه، آنذاك يُمكن أن يُقال أنّك نفذت في جوانب شاعرك، وأنّك على عِلم به".[19]

العقّاد أحد مؤسسي مدرسة الدّيوان

تُعدّ مدرسة الدّيوان إحدى أهمّ المدارس التي عُنيت بالنّقد في العصر الحديث، وتحديداً في عصر النّهضة، كما أنّها أول الخطوات للتّجديد في الشِّعر العربيّ؛ وذلك لما عملت عليه من إظهار مفاهيم جديدة في الأدب، ويُعدّ عبّاس محمود العقّاد أحد مؤسسي هذه المدرسة، بالإضافة إلى إبراهيم عبد القادر المازنيّ، وعبد الرّحمن شُكريّ، ويُعرفون معاً باسم الجيل الجديد، ولقد تأثر ثلاثتهم بمطران خليل مطران الذي يُعدّ رائد الحركة الرّومانسيّة، بالإضافة إلى أنّهم اعتنوا بقراءة الأدب الإنجليزيّ والفرنسيّ. ومن الجدير بالذِّكر أنّ أول ظهور لهذه المدرسة كان عام 1909م، وذلك عند صدور ديوان شُكريّ، وكان تحت عنوان "ضوء الفجر"، ثمّ تبِعه المازنيّ بإصادر أول دواوينه عام 1913م، وتبِعه صدور ديوان العقّاد الأول عام 1916م، وكان تحت عنوان "يقظة الصّباح"، وسُمِّيت المدرسة بهذا الاسم نسبة إلى "كتاب الدّيوان" الذي قام العقّاد والمازنيّ بتأليفه عام 1921م، والذي يُعدّ شرارة الانطلاق إلى طريق أدبيّ نقديّ جديد، وكان العقّاد قد سبق إلى ذلك التّجديد أثناء كتابته مقالات في جريدة الدّستور عام 1907م.[20]

وفاة عبّاس محمود العقّاد

تُوفّي العقّاد في الثّاني عشر من شهر آذار عام 1964م،[1] وذلك عن عُمُر يُناهز الخامسة والسّبعين، ورحل تاركاً خلفه إرثاً أدبيّاً يُحيي ذِكراه، وتَدُلّ الرّاغبين في السّير على نهجه.[19]

المراجع

  1. ^ أ ب ت "Abbās Maḥmūd al- Aqqād", www.britannica.com,24-1-2019، Retrieved 22-11-2019. Edited.
  2. ^ أ ب ت "عباس محمود العقاد"، www.hindawi.org، اطّلع عليه بتاريخ 22-11-2019. بتصرّف.
  3. ↑ "The Ministry of Culture Celebrates Aswan By Creating A Pharaonic Mural And The Statue of Abbas Akkad", www.moc.gov.eg,15-3-2019، Retrieved 22-11-2019. Edited.
  4. ↑ محمود مهدي الاستانبولي (1983)، طه حسين في ميزان العلماء والأدباء (الطبعة 1)، بيروت: المكتب الإسلاميّ، صفحة 490. بتصرّف.
  5. ^ أ ب ت ث ج ح جمال الدين الرمادي، من أعلام الأدب المعاصر، القاهرة: الفكر العربي، صفحة 15،16،17،22. بتصرّف.
  6. ^ أ ب "al-Aqqad, Abbas Mahmud", www.encyclopedia.com,24-10-2019، Retrieved 22-11-2019. Edited.
  7. ↑ "المرأة في القرآن"، www.hindawi.org، اطّلع عليه بتاريخ 22-11-2019. بتصرّف.
  8. ↑ "التفكير فريضة إسلامية"، www.hindawi.org، اطّلع عليه بتاريخ 22-11-2019. بتصرّف.
  9. ↑ "أنا"، www.hindawi.org، اطّلع عليه بتاريخ 22-11-2019. بتصرّف.
  10. ↑ سورة آل عمران، آية: 140.
  11. ↑ " أثر العرب في الحضارة الأوروبية"، www.hindawi.org، اطّلع عليه بتاريخ 22-11-2019. بتصرّف.
  12. ↑ "الإسلام والحضارة الإنسانية"، www.hindawi.org، اطّلع عليه بتاريخ 22-11-2019. بتصرّف.
  13. ↑ "جميل بثينة"، www.hindawi.org، اطّلع عليه بتاريخ 22-11-2019. بتصرّف.
  14. ↑ "ديوان من دواوين"، www.hindawi.org، اطّلع عليه بتاريخ 22-11-2019. بتصرّف.
  15. ↑ "ديوان عابر سبيل"، www.hindawi.org، اطّلع عليه بتاريخ 22-11-2019. بتصرّف.
  16. ↑ "وهج الظهيرة"، www.hindawi.org، اطّلع عليه بتاريخ 22-11-2019. بتصرّف.
  17. ↑ "وحي الأربعين"، www.hindawi.org، اطّلع عليه بتاريخ 22-11-2019. بتصرّف.
  18. ↑ "هدية الكروان"، www.hindawi.org، اطّلع عليه بتاريخ 22-11-2019. بتصرّف.
  19. ^ أ ب ت ث ج ح نبيل مزوار (2010)، الحداثة النّقديّة في دراسة العقاد للشخصية، الشّعراء أنمودجاً، صفحة 25،71،72،73،74،75،76،78،79،80،81،82،83،84،85،86،87،88. بتصرّف.
  20. ↑ محمد الجوراني (29-12-2016)، "مدرسة الديوان بين التنظير والتطبيق"، www.diwanalarab.com، اطّلع عليه بتاريخ 22-11-2019. بتصرّف.