من هو ابن المقفع
نسب ابن المقفع وحياته
هو رُوزبة بن داذويه، فارسي الأصل، وُلد ونشأ في مدينة البصرة سنة 106هـ، عند بني الأهتم الذين عرفوا بفصاحتهم. لُقِّبَ والده داذويه بالمقفّع، وذلك لأنه اتّهم بسرقة أموال الخَراج التي كان مسؤولاً عنها في عهد الحجاج بن يوسف الثقفي - والي العراق - فأمر الحجّاج بضربه على يديه، فضُربتا حتى تشنجتا وأصبحتا معوجّتين، فلقّب لذلك بالمقفّع، وسمي ابنه من بعده بابن المقفّع.[1]
كان ابن المقفّع يعتنق الديانة المجوسية وبقي عليها إلى أن أسلم، فأطلق على نفسه اسم عبدالله وتكنّى بأبي محمد. وقد شهد انهيار الدولة الأموية وانتصار الدولة العباسية، ولذا فقد تأثر فكره بتوالي الحضارات والعصور عليه، وقد ظهر هذا التأثر في أدبه. كان ابن المقفّع يمتلك ثقافةً واسعةً، كما أنّه قد أتقن اللغة العربية والفارسية، وقرأ الآثار اليونانية التي تُرجمت إلى الفارسيّة، وظهر ذلك من خلال كتاباته التي سجّلت أثراً في الدولة والحضارة الإسلامية، مما جعله محطّ أنظار الأمراء والولاة، ولذا فقد تقلّد وظائف كتابية في آواخر العصر الأموي، فكتب لداود بن هبيرة في عهد آخر الخلفاء الأمويين مروان بن محمد، ومن ثم صعد نجمه أكثر في عهد العباسيين.[1]
لم تكن حياة ابن المقفع خالية من الاتهامات حول زندقته، فقد اتّهمه أهل زمانه بأن إسلامه كان لمجرد الحفاظ على حياته وطمعه في الجاه والشهرة والتقرب من الولاة، وهذا ما نفاه النقّاد المحدثون، فلم يجدوا في كتبه وآثاره ما يدل على زندقته، بل كان كل ما فيها يلائم عقيدة الإسلام ولا ينافي أحكامه.[1]
صفات ابن المقفع
اشتهر عبدالله بن المقفّع إلى جانب ذكائه وثقافته الواسعة، بكرم أخلاقه، والحفاظ على أصدقائه والوفاء لهم، فقد شهدت له الحادثة المشهورة مع كاتب الخليفة الأموي مروان بن محمد بهذا الوفاء، فهو القائل: (ابذل لصديقك دمك ومالك).[1]
وعُرِف ابن المقفّع كذلك بلين طبعه، وابتعاده عن الحسد والكذب. وعلى الرغم من سهولة طبعه، فقد كان حاد اللسان يسخر بمن لا يعجبه، وعرف عنه مرافقته للأدباء والكتّاب أمثال مطيع بن إياس وحمّاد عجرد وبشار بن برد، فكانوا يجتمعون على قول الشعر، وكان يحب الغناء ويستمتع بالصوت الجميل؛ فذات مرّة غنّت له جارية فطرب لصوتها فلم يجد نقوداً معه فأعطاها صكَّ ضيعة له.[1]
أسلوب ابن المقفع
عُرِف ابن المقفّع بمدرسة خاصّة في الكتابة، فكان صاحب أسلوب مميّز يقوم على الوضوح والاسترسال، ولذا فقد كان أسلوبه يُعرف بالسهل الممتنع لابتعاده عن التكلّف والتصنّع؛ فالناظر في كتبه يرى قوة منطقه وانسجام أفكاره التي رافقته ألفاظه الفصيحة وقوية المعنى. وقد ظل أسلوبه سائداً في ذلك العصر، حيث اقتدى به الكثير من الكتاب، واستخدموا أسلوبه في كتاباتهم.[2]
إن جميع أعمال ابن المقفّع منقولة من الفارسية، وذلك بسبب تأثره بآداب وعلوم قومه، فيُلاحظ في آثاره أنّه قلّما كان يستخدم شعراً أو حكمة من حياة العرب. وقد عُرف بأنه أوّل من أدخل الحكمة الفارسية على اللغة العربية، والمنطق اليوناني، والنصائح، وعلم الأخلاق، وسياسية الاجتماع. ويُذكر أن ابن المقفّع لم يتقيد بما ورد في الكتب التي ترجمها، بل أخذ يتصرف بها بحيث يزيد عليها أو يُنقص منها بما يراه مناسباً.[1]
والنّاظر في أعمال ابن المقفّع يستشعر الروح الإسلامية المبثوثة فيها، فقد استخدم أسلوبه الخاص ليغير المحتوى بما يلائم أهل عصره، وهذا ما جعل بعضاً من النقاد يشكّون إن كانت بعض أعماله مترجمة من اللغات الفارسية والهندية واليونانية فعلاً أم كانت من تأليفه، وقد اعتقدوا أنه صاحب كتاب كليلة ودمنة ولكنه ادّعى ترجمته ونسب ذلك لنفسه، لما كان للنقل من منزلة عالية في تلك المرحلة، إلّا أنّ الرأي الذي اتّفق عليه أغلب النقّاد والمؤرّخين هو أنّ قدرة ابن المقفّع على تهذيب الكتاب والتصرف فيه أظهرته متآلفاً في فصوله، وأنّ أثر الترجمة كان ظاهراً في الحكم الهندية والفارسية بأدبها وأمثالها وأعلامها.[1]
أهم مصنفات ابن المقفع
- الآثار الضائعة التي نقل فيها التراث الفارسي في أربعة كتب:[3]
- الآثار الباقية التي تشمل:[3]
- كتاب خداينامه: والذي يتحدث عن تاريخ الفرس وملوكهم وقد سمي بتاريخ ملوك الفرس.
- كتاب آئين نامه: والذي يتحدث عن قوانين الفرس وقيادة الجيوش وفنون الحروب.
- كتاب التاج في سيرة أنو شروان: والذي يتحدث عن سيرة كسرى أنو شروان أحد ملوك الفرس.
- كتاب نامه تنسر: والذي يعد من أكبر الوثائق التشريعية التي مرت عبر العصر الفارسي.
- كتاب الأدب الصغير: الذي نقله عن كتب فارسية، وهو عبارة عن دروس أخلاقية اجتماعية.
- كتاب الأدب الكبير: الذي نقله عن كتاب "ماقراجسنس" التي تعني الحكمة والأدب.
- كليلة ودمنة: حاز الكتاب على شهرة واسعة لما له من قيمة أدبية وتاريخية، فقد كانت ترجمة ابن المقفّع له الأساس الذي بنيت عليه الترجمات الأخرى باللغات الفارسية الحديثة واليونانية والعبرية واللاتينية والإسبانية.
وفاة ابن المقفع
قُتل ابن المقفّع في البصرة، عندما كان يعمل كاتباً عند سليمان وعيسى أعمام المنصور، حيث ناصرهم في الخلاف الذي نشأ بين عبدلله بن علي الذي خرج على ابن أخيه المنصور طالباً الخلافة لنفسه، فغضب المنصور وأرسل له جيشاً انتصر عليه، فهرب عبدلله عند أخويه سليمان وعيسى، حيث توسّطا له في الخلاف عند المنصور، وطلبا من ابن المقفّع أن يكتب رسالة يطلب فيها الأمان ويبالغ في طلبه حتى لا يقتل المنصور عمّه، وعندما قرأ الخليفة المنصور الرسالة غضب لحدّة لغتها، وأمر سفيان بن معاوية - والي البصرة - أن يقتل ابن المقفّع، وقد كان سفيان شديد الحقد عليه، لكثرة سخرية ابن المقفّع منه وذكره لأمّه بالسّوء، فقتله بتقطيعه إلى أجزاء ثم حرقه. وتذكر بعض الروايات أن قتل ابن المقفّع كان عن طريق إلقائه في بئرٍ، ثم رُدم ذلك البئر عليه فمات. وبغض النظر عن الطريقة التي قُتل بها ابن المقفّع، فقد كانت وفاته عام 144 للهجرة.[4][1]
المراجع
- ^ أ ب ت ث ج ح خ د بطرس البستاني (1979)، أدباء العرب في الأعصر العباسية ، بيروت: دار مارون عبود، صفحة (136-148)، جزء 1. بتصرّف.
- ↑ عبدلله من المقفع، الأدب الصغير والأدب الكبير، بيروت: دار صادر، صفحة 7، جزء 1. بتصرّف.
- ^ أ ب خديجة جعفر (12-4-2014)، "خريطة أعمال عبدالله بن المقفع"، www.alhayat.com، اطّلع عليه بتاريخ 17-2-2018. بتصرّف.
- ↑ أبو العباس بن خلكان، وفيات الأعيان وأنباء أبناء الزمان، بيروت: دار صادر، صفحة (152-153)، جزء 2. بتصرّف.