-

من هو جحا

من هو جحا
(اخر تعديل 2024-09-09 11:28:33 )

جحا

جحا هو شخصيّة طريفة أضحكت الملايين من النّاس على مرّ الزمان بالنوادر الطريفة والأخبار التي كانت تصدر عنه، مع أن شخصيّة جحا تعتبر اليوم مجرد شخصيّة خرافيّة في مخيلة النّاس إلّا أن كتب الأدب والتراجم، والمعاجم، وآراء رجال الحديث بينت أن جحا شخصيّة تاريخيّة حقيقيّة،[1] وقد قيل في أصل جحا إنه نصر الدّين التركيّ، كما يُقال إنه أبو الغصن العربي الفزاري، وقيل أيضاً إن جحا هو أحد أصحاب الكرامات الذين يستتروا خلف البلاهة،[2] وقد ورد عن الجاحظ أن اسم جحا هو نوح وكنيته أبو الغصن وأن عمره قد تجاوز 100 عام، وفي كتاب أخبار الحمقى والمغفلين لابن الجوزي ورد أن جحا هو مكي بن إبراهيم، وورد في كتاب القطب الشعرانيّ وعنوانه المطهر للقلب والفؤاد أن عبد الله جحا هو من التابعين الذين غلبت عليهم صفاء السريرة، ويجب على من يسمع منه الحكايات المضحكة والفكاهات ألّا يسخر منه وإنما يطلب من الله أن ينفعه ببركاته.[3]

شخصيات عُرِفت باسم جحا

حملت عدّة شخصيات اسم جحا واختلفت الآراء حولها، وفيما يأتي معلومات عن شخصيتين منهما:

  • جُحا التركي: هو نصر الدّين خوجة وكان قاضياً وفقيهاً ومعلماً، وولد في سنة 605هـ في قرية صغيرة تدعى خورتو ودرس العلم فيها، كما تولى القضاء في بعض المناطق القريبة منها، وفي سيوري مصار تولى الخطابة، وعمل أيضاً في التدريس فعُيّن إماماً ومدرّساً في مجموعةٍ من المدن وكان تلاميذه يحبونه ويقبلون على مجالسه، وتميّز جحا بأنّه واعظ تأتي مواعظه على هيئة نوادر وطرائف ونكات، وقيل إنه عمل في حراثة الأرض وكان يحتطب بيديه، ومن صفاته التي عُرِفَ بها الزهد والعفة، وكان منزله محطةً للزوار من الغرباء والفلاحين، كما كان جريئاً في دعوته يدعو الحُكّام والأمراء والقضاة إلى السير في طريق الشرع، وكان يأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المُنكر، ومن أشهر مواقفه وقوفه في وجه تيمور لنك وإنقاذ الكثير من النّاس من جبروته في مجموعة من المواقف، أمّا وفاته فكانت سنة 683هـ.[1]
  • أبو الغصن: هو عبد الله أو نوح أو دُجين أبو الغصن بن ثابت اليربوعي البصري ويلقب بجُحا أو جُحى، ويعود نسب أبي الغصن إلى قبيلة فزازة العربيّة، ووُلِدَ سنة 60هـ أي في القسم الثّاني من القرن الأوّل الهجري، وقضى معظم أيام حياته في مدينة الكوفة، وهو أوّل من حكى عنه الجاحظ في كتابه القول في البغال؛ حيث ذكر نوادر كان جحا بطلها، أمّا وفاته فكانت سنة 160هـ في عهد حُكم أبي جعفر المنصور، وورد عن الإمام الذهبي أن أبا الغصن هو صاحب النوادر المعروف باسم دُجين بن ثابت اليربوعيّ البصريّ، كما قال عبّاد بن صهيب: (حدثنا أبو الغصن جحا وما رأيت أعقل منه)، أمّا ابن حجر العسقلاني ففرّق بين نوح الذي عاش في الكوفة ودُجين المحدّث،[1] وتشير مجموعة من المصادر العربيّة القديمة إلى أن دُجين المشار له بجحا هو صاحب بعض من الفكاهات والنوادر التي نُسبت إليه، وليست جميعها حيث إن بعضها الآخر مكذوب عليه، كما ورد أنه كان يُضرب به المثل في الحماقة والغفلة.[4]

حقيقة نوادر جحا

إن من الأمور الثابتة قطعاً في حقيقة نوادر جحا أنها لا يمكن أن تصدرَ عن شخصٍ واحد فقط؛ بسبب أن بعضها يتحدث عن أشخاصٍ في صدر الإسلام، ومنها يتحدث عن أشخاص من العصر العباسي وخصوصاً في عهد الخليفة المنصور، كما أن مجموعة من النوادر تتحدث عن عصر تيمورلنك وما تلاه من العصور الأخرى، ومن الأسباب الأخرى التي تستدعي التفكر في النوادر ومصدرها هو اختلاف الشخصيات التي صدرت عنها، فمثلاً هناك بعض المواقف التي يظهرُ جحا فيها مغفلاً، ويظهر بمواقف أُخرى ذكياً فطناً، ويكون في بعضٍ منها ساخراً يكشف عن الغفلة والبلاهة، كما لا يمكن أن تصدر المواقف والنوادر المُتعدّدة المنسوبة إلى جحا من شخص واحد؛ بسبب تباعد الظروف المكانيّة والبيئات التي تنتمي لها، والمختلفة عن بعضها في العادات والتقاليد، فبعض من النوادر كانت روايتها عن بغداد، ومنها ما رُوي عن فارس، وأُخرى كانت عن الحجاز أو عن آسيا الصغرى، وغيرها من البلدان الشرقيّة.[2]

من المؤكد أنه لا يمكن صدور جميع النوادر والحكايات المنسوبة إلى جحا من شخص واحد فقط؛ حتّى إن كانت متناسقة في زمانها ومكانها أو دلت على مزاج واحد وعقل واحد، ولو كان من المفروض وجود هذا الشخص، فيجب أن يكون عمله الوحيد هو رواية النوادر والفكاهات، كما يجب على أصحابه ومعارفه من النّاس نقل فكاهاته وتثبيت أحاديثه المنقولة، وهذا ما لم يحدث قط في حياة الأعلام الذين نقلت عنهم الكلمات والإشارات.[2]

اتسعت نوادر جحا في المراجع المتأخرة لتشمل الكثير من المواقف التي نُسبت لأشخاص آخرين من قبل، كما جمعت الصفات التي تتسم بها النوادر العربيّة، مثل الحماقة الزائدة، والغفلة، والسرقة الماكرة، والطمع، والفضول، والبخل الشديد، والخداع، وغيرها من السمات المميّزة للنوادر العربيّة،[4] ومهما تكن حقيقة جحا فهو يظهر في كلّ مكان وزمان على أنه صاحب الأضاحيك والنكتة، ومُبدّد الأحزان، وراسم البسمة على شفاه النّاس، وهو صاحب الحكمة وصانع الأمل.[3]

بعض من نوادر جحا

رُويت عن جحا العديد من النوادر والحكايات، وفيما يأتي بعض منها:[3]

  • مع العميان: مرّ جحا يوماً بمجموعةٍ من العميان الجالسين وهم يتبادلون أطراف الحديث، وأراد أن يسخرَ منهم فإذا به يخرج من جيبه كيس نقود، ثمّ حرّكه في الهواء حتّى يصدر صوتاً يسمعه العميان، وقال لهم خذوا النقود ووزعوها بينكم، وجلس بعيداً عنهم، وظنّ كل شخص من العميان أن جحا قد رمى الكيس إلى أحد منهم، فتشاجروا وأمسك كلٌّ منهم بثياب رفيقه وهو يقول أعطني نصيبي من النقود، أمّا جحا الذي جلس بعيداً عنهم كاد أن يُغمى عليه من الضحك عليهم.
  • النقود للضفادع: ركب جحا يوماً حماره وسار في طريقه نحو النّهر، وكان الحمار عطشاناً وأراد الماء، فاتّجه نحو النهر ليشرب الماء إلّا أن رجله زلقت وكاد أن يتسبب بوقوع جحا في النهر، لولا أن نقّت الضفادع فهاب الحمار من صوتها وعاد إلى الخلف ونجا جحا من الوقوع في النهر، وعندها فرح جحا وأخرج من جيبه نقوداً ورماها في النهر، وقال للضفادع إن هذه النقود مكافأة وشكر لهن على معروفهن في نجاته من الوقوع في النّهر.
  • رجله غير متوضئة: أراد جحا أن يصلي وقام للوضوء، وعندما توضأ لم يكن الماء كافياً لإكمال وضوئه فبقيت رجله اليُسرى دون غسيل، وعندما وقف إلى الصلاة رفع رجله اليُسرى ووقف على رجله اليُمنى فقط، فسأله أصحابه باستغراب عن تصرفه هذا، وعندها رد قائلاً أنه لا عجب في ذلك فإن رجله اليسرى غير متوضئة.
  • جحا والمهر: سافر جحا إلى أحد البلاد سيراً على قدميه حتّى أنهكه التعب، فجلس ليستريح قليلاً وبدأ يتمنى من الله أن يرزقه حماراً يركبه، وإذا بأحد الرجال يمرُّ من جانبه راكباً على فرسٍ يسير وراءها مهر صغير، وأخذ يصيح بجحا عندما رآه جالساً، وقال له قُم أيها الرجل الكسول، وأمره أن يحمل المهر الصغير الذي تعب من المشي، وعندما رأى جحا يتلكأ ضربه بالسوط، فقام جحا من مكانه وحمل المهر الصغير وهو يكاد يقع من شدّة التعب ومشى به وهو يحمله بشق النفس، ثمّ وقع جحا وإذا بالرجل يضربه مرّة أُخرى ويقول له يالك من رجل شديد الكسل، وتركه وذهب وعندها تمّتم جحا قائلاً: (يا ربّ تمنيتُ أن تُرسلَ لي حماراً أركبه، فبعثت لي مُهراً يركبني).

المراجع

  1. ^ أ ب ت منال المغربي (2010-5-30)، "جحا بين الحقيقة والأسطورة"، www.islamstory.com، اطّلع عليه بتاريخ 2017-12-28. بتصرّف.
  2. ^ أ ب ت عباس محمود العقاد، جحا الضاحك المضحك، صفحة 425-428. بتصرف.
  3. ^ أ ب ت خليل حنا تادرس، نوادر جحا الكبرى، صفحة 17 - 19، 103، 183، 184، 213. بتصرّف.
  4. ^ أ ب عبد الحميد حوّاس (2005)، أوراق في الثقافة الشعبية (الطبعة الأولى)، القاهرة - مصر: الهيئة العامة لقصور الثقافة، صفحة 454، 458. بتصرّف.