-

من هو قيس بن الملوح

من هو قيس بن الملوح
(اخر تعديل 2024-09-09 11:28:33 )

قيس بن الملوح

إن لم تكُن قصّة قيس وليلى واحدةً مِن أشدِّ القصص رُسوخاً في الذّاكرة العربيّة، فإنّها واحدةٌ من بين ما تناقلته العَرَبُ من سِيَر، هذا التّأثّر المُستمِرُّ وغير المرتبط بزمنٍ مُحدّدٍ جعل البعض يعتقدُ أنّ قيساً وليلى روايةٌ ألّفتها الأيّام، وأنّ أبطالها ليس لهم وجودٌ حقيقيّ.

ينتمي قيسُ بن المُلَوَّح إلى قبيلة بني عامر القيسيّة العدنانيّة، وهو قيسُ بن المُلوَّح بن مُزاحم العامريّ، من قبيلة بني عامر التي سَكنت مَنطقة نجد، وُلِدَ سنة أربعمئةٍ وأربعين ميلاديّة، وهو أميرٌ عربيٌّ وشاعرٌ مُتيَّمٌ بحبِّ ليلى ابنة عمّه، والّذي صار حبُّه لها ملحمةً أّسطوريّةً في تاريخ الأدب العربي، والعالمي.

حب قيس لليلى

يُروى في قصّة حُبّه العُذريِّ أنُه نشأ يلعبُ ويرتعُ مع ليلى في ديار قبيلة عامر إلى أن كَبُرت، وحجبها أبوها عنه؛ فهام على وجهه في الصّحراء ينظِم الشِّعر، ويرويه بين القبائل في نجد، والحجاز، والشام، فوصل الخبر إلى أبي ليلى، فزوّجَها، وحرم قيساً منها؛ وذلك لأنّه أجرى ذكرَها على ألسنة النّاس بين القبائل، وذكر فيها الشِّعر.

عُرِف قيسٌ بأنّه رجلٌ مُستقلّ الفكر، وراجح العقل، كثيرُ السّخاء، وكان جميل الوَجهِ، ذا شخصيّةٍ جذّابة، فلقد وُصِف بأنّه طويلَ القامة، أجعدَ الشّعر، أبيضَ البشرة، ولم تتغيَّر أحوالُه إلّا بسبب العشق والهيام، أما معشوقتُه فهي ليلى بنت مهديّ بن سعد بن ربيعة ابن الحريش بن كعب بن ربيعة بن عامر بن صعصعة، وتُلقَّب بأمِّ عامر.

أثر قيس بن الملوّح الأدبي

يُعتَبر الدّيوان الشِّعري الذي دُوّن عن قيس بن الملوّح في قصّة عشقه لليلى منارةً في الشِّعر الغزليِّ في السّاحة الأدبيّة العربيّة، كما ترك أثراً كبيراً في الأدب الفارسيّ، وخصوصاً على الشاعر الفارسي نظامي كنجوي الذي بدأ ذلك جلياً في كتابه الكنوز الخمسة. من أبياته الشعرية في حب ليلى:

تذكّرتُ ليلى والسِّنين الخواليا

وأيام لا أعدي على الدهر عاديا

أَعُدُّ الليالي ليلةً بعد ليلةٍ

وقد عشتُ دَهراً لا أعدُّ اللياليا

وقال أيضاً:

عشقتك يا ليلى وأنتِ صغيرةٌ

وأنا ابن سبعٍ ما بلغت الثّمانيا

يقولون ليلى في العراق مريضةٌ

ألا ليتني كنتُ الطّبيبَ المُداوِيا

وقالوا عنك سوداء حبشيّةٌ

ولولا سوادُ المسك ما انباع غاليا.

وقال:

بلّغوها إذا أتيتم حِماها

أنّني متُّ في الغرام فِداها

واذكروني لها بكلِّ جميلٍ

فعساها تَحنُّ عليَّ عساها

واصحبوها لتُربَتي فعظامي

تشتهي أن تدوسَها قدماها

إنّ روحي من الضّريح تُناجيها

وعيني تسير إثرَ خُطاها

لم يُشقِني يومَ القيامة لولا

أملي أنّني هُناك أراها

موت قيس بن الملوح

هناك قصٌّة تُروى عن موت قيس بن المُلوَّح بأنّ هنُاك شيخاً كبيراً في السنّ سمع عن أخبار المجنون وأشعارِه، فأراد أن يراه ويقابله شخصيّاً، فمضى يبحثُ عنه في الصّحراء حتّى وجده جالساً في الحجاز يخطُّ على الرّمال بإصبعه، فعندما رَآه قيس نَفَر منه وجِلاً، فتركه الشّيخ وجلس قريباً منه إلى أن سكن، وهدأت فرائصه، فردّد الشّيخ على مسامعه شِعراً لقيس بن ذريح:

ألا ياغُراب البَين ويحك نبني

بعلمك في لبنى وأنت خبير

فإن أنت لم تُخبر بشيءٍ علمتَهُ

فلا طرت إلا والجناح كسير

اقترب قيس منه وهو يُحاول إخفاءَ دُموعه عنه وأنشد قائلاً: "لقد أحسن والله ذلك الشاعر، ولكني قلت شعراً أحسن منه، ثم أنشد:

كَأَنَّ القَلبَ لَيلَةَ قيلَ يُغدى

بِلَيلى العامِرِيَّةِ أَو يُراحُ

قَطاةٌ عَزَّها شَرَكٌ فَباتَت

تُجاذِبُهُ وَقَد عَلِقَ الجَناحُ

فاستطرد الشيخ شعراً آخر لابن ذريح قائلاً:

وإنّي لمُفني دمع عينيَّ بالبُكا

ذارا لما قد كان أو هو كائنُ

وما كنتُ أخشى أن تكون مَنيّتي

بكَفَّيكَ إلا أن من حان حائن

بعدها رأى قيساً قد وقع في نفسه حزنٌ كبير، حتى شَهَق شهقةً ظنّ فيها الشيخُ أنّ روحَه ستُفارِقُه بسببِها، ثم بكى بحُرقةٍ حتّى بلّل الرّمالَ التي كان يقبضُها بيديه وقال: "ولكنّي قلتُ شِعراً أحسنَ منه، ثُمّ أنشد:

وأَدْنَيْتِنِي حتَّى إِذا ما سَبَيْتِني

بقَوْلٍ يُحِلُّ العُصْمَ سَهْلَ الأَباطِحِ

تَجافَيْتِ عَنِّي حِينَ لا لِيَ حِيلَةٌ

وخَلَّيْتِ ما خَلَّيْتِ بَيْنَ الجَوانحِ

بعد أن أنهى قصيدَته، رأى غزالةً تعدو أمامَه، فنهض قيساً يُلاحِقُها، ويجري خلفها حتى اختفى عن أنظار الشّيخ، وقد قال الشّيخُ أنّه عاد ليراه في اليوم التّالي ولكنه لم يجده، وبقي مفقوداً لأكثر من ثلاثة أيّامٍ حتى خرج الشّيخُ وأهلُه باحثين عنه، ولكن دون فائدة، إلى أن وُجِد مَيتاً، وملقىً على الحجارة في منطقة الحجاز، وكان ذلك في عام ستمئةٍ وثمانية وثمانين ميلاديّة.