لماذا شرع الإسلام تعدد الزوجات
الأحكام الشرعية
جاء الإسلام خاتم الرّسالات الإلهية بأحكام وتشريعات تتّصف بالعالمية والشمول، وأراد الله -سبحانه وتعالى- لهذا الدين بأحكامه وتشريعاته أن ينظّم حياة الأفراد والمجتمعات تنظيماً يضمن لهم الحياة الطيبة في الدنيا والسعادة عند لقاء الله سبحانه وتعالى، ومن هذه التشريعات ما يتعلّق بتنظيم الأحوال الشخصية وخاصّة مسألة الزواج؛ لأنّ من مقاصد الشريعة الإسلامية حفظ النّسل والعِرض، وجاءت الشريعة الإسلامية بجواز نِكاح الرجل لأربعة نساء في وقت واحد ضمن شروط وضوابط وقيود، فما هو الزواج الشرعي؟ وما هي أدلة مشروعيّة التّعدّد؟ وما الحكمة التشريعيّة له؟
تعدّد الزوجات في الإسلام
- الزواج في المفهوم الشرعي: هو عقد يفيد حِلّ استمتاع كل واحد من الزوجين بالآخر على الوجه المشروع ويجعل لكل منهما حقوقاً وواجبات، وهو من الضرورات التي تقتضيها الفِطرة الجنسيّة الطبيعية للرجل والمرأة، ويهدف إلى حفظ النّسل وتحقيق المودة والرحمة والسكون بين الزوجين، ودليله قول الله تعالى: (وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ).[1][2]
- تعدّد الزوجات: هو زواج الرجل بزوجة أو اثنتين أو ثلاثة أو أربعة يجمع بينهنّ ولا يزيد عليهنّ ضمن ضوابط وشروط شرعيّة، وفعلهُ مشروع في الإسلام لقول الله سبحانه وتعالى: (وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَىٰ فَانكِحُوا مَا طَابَ لَكُم مِّنَ النِّسَاءِ مَثْنَىٰ وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ذَٰلِكَ أَدْنَىٰ أَلَّا تَعُولُوا).[3][4]
الحِكمة من تعدّد الزوجات
من خلال استقراء النّصوص الشرعية واستنباطات العلماء لمسألة تعدّد الزوجات، يجد الباحث أنّ هذه المسألة تنطوي على حِكَم جليلة منها:[5]
- يعدّ التعدّد سبباً لتكثير أعداد المسلمين وكثرة المسلمين تكون بالتعدّد أكثر من الزواج بواحدة، ولا شكّ أنّ الكثرة تُعين في قوّة الأمة من حيث زيادة الأيدي العاملة وقوّة الاقتصاد.
- تؤكّد الدّراسات والإحصائيات أنّ عدد الرجال أقل من عدد النساء، ولولا التّعدد لظلّت كثير من النساء بلا أزواج وهذا يعود عليها وعلى المجتمع بالضرر فهي بحاجة إلى تحصين نفسها من تبِعات العنوسة، والمحافظة على عفّتها وطهارة عِرضها يحافظ على صلاح المجتمع من مخاطر الانحراف وتفشّي الأمراض واختلاط الأنساب وتفكّك الأُسر.
- إنّ الرجال أكثر عُرضَة للحوادث والمخاطر؛ لكثرة خروجهم في ميادين الحياة بحثاً عن الرزق، وعملهم في المِهن الشاقّة كعملهم جنوداً في المواجهات العسكريّة ضدّ العدو، فاحتمال الوفاة عند الرجال أكبر من احتمال الوفاة عند النساء؛ ممّا يؤدّي إلى ارتفاع معدل العُنوسة عند النساء، ومن أبرز الحلول لمشكلة العنوسة تعدّد الزوجات.
- يعدّ التعدّد حمايةً للرجل قوي الشهوة.
- تتعرّض المرأة للحيض في كلّ شهر، وتتعرض أيضاً للنّفاس، ويحرم على الرجل جِماع زوجته في تلك الفترات، فكان التعدّد مخرجاً للرجل عند حاجته للجِماع في تلك الفترات.
- قد تكون المرأة عقيماً، فتقف سدّاً مانعاً للرجل في حاجته إلى الذريّة، فأُبيح التعدّد لتحقيق رغبة الرجل المشروعة في الذريّة دون الحاجة لطلاق زوجته العقيم.
- إنّ التعدّد يحمل معنى الإحسان، فقد تكون المرأة غير المتزوجة من الأقارب ولا مُعيل لها، أو أرملة مات عنها زوجها، فيضمّها الرجل إلى بيته زوجةً مع زوجته الأولى، فيجمع بزواجه منها بين الإعفاف والإنفاق عليها، وهذا خيرٌ لها من تركها وحيدة بلا زوج ولا إنفاق.
- التّعدد يُحقّق مصالح مشروعة كالحاجة إلى توثيق روابط بين عائلتين أو تقوية العلاقة بين رئيس وبعض أفراد رعيّته أو جماعته.
شروط التعدّد
يُشترَط لإباحة تعدّد الزوجات شروطاً عدّة، وبيان ذلك على النحو الآتي:[6]
- عدم جمع الرجل بين أكثر من أربعة نساء تحت عصمته، وهذا شرطٌ متفقٌ عليه عند العلماء، أمّا زواج النبي -صلى الله عليه وسلم- بأكثر من أربع نساء، فهو حكم خاص له، فلا يجوز القياس عليه ولا تعميمه.
- قدرة الرجل على القيام بحقوق نسائه، فالقدرة شرط لاستخدام رخصة تعدّد الزوجات؛ لأنّ زواج الرجل بالثانية أو بالثالثة أو بالرابعة يعدّ مثل الزواج بالأولى من حيث الاستطاعة الماليّة للإنفاق على بيت الزوجيّة، والإنفاق المطلوب يمتدّ إلى جميع أبنائه، وكذلك يُشترَط الاستطاعة الصحيّة، فالزوج لا بدّ أن يكون قادراً على ممارسة الجِماع مع جميع زوجاته؛ لأنّ واجب الزوج أن يُلبّي الرغبات الطبيعية للزوجة أو الزوجات، وتحصيناً لهنّ بالتزام العفّة والطهارة.
- تحقيق العدل من الزوج في القِسمة بين زوجاته؛ بحيث يُشترَط على الزوج المُعدِّد أن يعدِل بين زوجاته في المعاملة والنفقة والمعاشرة والمباشرة، وتفصيل ذلك أنّ العدل في القِسمة تجب على الزوج في الطعام والسكن والكِسوة والمبيت وسائر الأمور الماديّة بلا تمييز بين زوجة غنيّة أو فقيرة، والمُعتبَر في النفقة عند الحنفية أن تكون بحالة الزوج يسراً أو عسراً بغض النظر عن حال الزوجات، والقول بغير ذلك قد يتسبّب في وقوع الخلافات وبثّ الأحقاد والعداوات بين الزوجات وأولاد كل منهنّ، أمّا ما لا قدرة للزوج على العدل فيه، فقد تجاوز عنه الشرع الحكيم حيث قال الله تعالى: (وَلَن تَسْتَطِيعُوا أَن تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّسَاءِ وَلَوْ حَرَصْتُمْ فَلَا تَمِيلُوا كُلَّ الْمَيْلِ فَتَذَرُوهَا كَالْمُعَلَّقَةِ وَإِن تُصْلِحُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُورًا رَّحِيمًا)،[7] والعدل الذي لا قدرة للرجل عليه هو الميل القلبي وتبِعاته في الحبّ والجِماع، فقد يتعلّق قلب الرجل بإحدى زوجاته، وقد يَنشَطُ في جِماع واحدةً أكثر من غيرها مع ضرورة أن يُجهِد نفسه في عدم إظهار محبّة إحداهنّ على الأخرى؛ منعاً لإلحاق الأذى بزوجاته، ولا يحقّ للزوج منع إحدى زوجاته من الجِماع لكرهه لها، فإنّ في ذلك تضييعاً لحقّها وإلحاقاً للضرر بها.
المراجع
- ↑ سورة الروم، آية: 21.
- ↑ عبد الوهاب خلاف (1938)، أحكام الأحوال الشخصية في الشريعة الإسلامية (الطبعة الثانية)، القاهرة: دار الكتب المصرية، صفحة 13-15. بتصرّف.
- ↑ سورة النساء، آية: 3.
- ↑ محمد المنجد (14-2-2004م)، "حكم تعدد الزوجات وشرطه"، www.islamqa.info، اطّلع عليه بتاريخ 21-12-2017م. بتصرّف.
- ↑ محمد المنجد (30-4-2002م)، "حكم تعدد الزوجات والحكمة منه"، www.islamqa.info، اطّلع عليه بتاريخ 21-12-2017م. بتصرّف.
- ↑ "أسباب تعدد الزوجات في الإسلام"، www.ar.islamway.net، 12-6-2002م، اطّلع عليه بتاريخ 21-12-2017م. بتصرّف.
- ↑ سورة النساء، آية: 129.