لماذا سميت سورة الأحزاب بهذا الاسم
القرآن الكريم
يُعرّف القرآن الكريم بأنّه كلام الله -تعالى- الموحى به إلى النبي محمد صلى الله عليه وسلم، عن طريق الملك جبريل عليه السلام، المحفوظ في الصدور، والمكتوب في المصاحف، والمُقسّم إلى ثلاثين جزءاً، ويبلغ عدد سوره مئة وأربع عشرة سورة، وهو المصدر الأساسي للتشريع الإسلامي،[1] وتجدر الإشارة إلى اختلاف أهل العلم في تعريف السورة لغةً، حيث قال بعضهم إنها مشتقة من سور المدينة، وسبب التسمية أن السورة تحيط بآياتها كما يحيط السور بالبنيان، أو لأنها تضمّ آياتها بعضها إلى بعضٍ، كما إن السور توضع لبناته فوق بعضها ليصل إلى الارتفاع المطلوب، وقيل إنها مأخوذة من السورة بمعنى الرتبة والمنزلة، لا سيّما أن سور القرآن مراتب ومنازل يرتقي فيها القارئ من منزلةٍ إلى أخرى، أما اصطلاحاً فتُعرّف السورة على أنها مجموعة من الآيات ضُمّت إلى بعضها البعض حتى بلغت من المقدار والطول ما أراد الله -تعالى- لها أن تبلغ، ومن الجدير بالذكر أن معرفة السور وآياتها توقيفيّ من الله تعالى.[2]
سبب تَّسمية سورة الأحزاب
سورة الأحزاب من السور المدنية، حيث نزلت بعد سورة آل عمران، وترتيبها في المصحف الثالثة والثلاثون، ويبلغ عدد آياتها ثلاثة وسبعين آية،[3] ولم يُعرف لسورة الأحزاب غير هذا الاسم، لا في القرآن الكريم، ولا على لسان النبي -عليه الصلاة والسلام- في السنة النبوية، ولا في اجتهادات العلماء، وقد بيّن علماء التفسير أن السبب في تسمية سورة الأحزاب بهذا الاسم يرجع إلى ورود أحداث غزوة الأحزاب فيها، وقد سُمّيت هذه الغزوة بالأحزاب لأن كفار مكة تحزّبوا مع يهود بني قريظة في المدينة المنورة ومع الأعراب وكفّار غطفان، واجتمعوا على حرب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وغزو المسلمين في المدينة المنورة، ولكن الله -تعالى- كان لهم بالمرصاد، وأخزاهم، وجعل كيدهم في نحورهم، وردّهم خائبين، وفرّقهم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ونصر المسلمين وأعزّهم، مصداقاً لقول الله تعالى: (وَأَوْرَثَكُمْ أَرْضَهُمْ وَدِيَارَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ وَأَرْضًا لَّمْ تَطَئُوهَا).[4][5]
وفي الحقيقة أن سورة الأحزاب تطرّقت لمواضيع عديدةٍ غير أحداث غزوة الأحزاب، وبما أن اسم السورة ينبغي أن يكون عامّاً للسورة كلها، فقد تكون التسمية مأخوذة من حَزَبٍ بمعنى ضاق الحال واشتدّ على صاحبه، أو وقعت عنده مصيبة، كما جاء في الحديث الذي رُوي عن حذيفة بن اليمان -رضي الله عنه- أنه قال: (كانَ النَّبيُّ صلَّى اللَّهُ عليْهِ وسلَّمَ إذا حزبَهُ أمرٌ صلَّى)،[6] والمقصود أن رسوله الله -صلى الله عليه وسلم- كان يخرج من همومه عندما يضيق عليه الحال بالصلاة، فيكشف الله -تعالى- عنه الهم والحزن.[5]
وقد يكون سبب تسمية سورة الأحزاب بهذا الاسم لذكر جملةً من الأحداث المحزنة والمصائب التي أثّرت في رسول الله -صلى الله عليه وسلم- والمسلمين، كجهل الناس وخوضهم في حدود الله، حيث ظاهر بعضهم زوجته وحرّمها على نفسه، واتبع بعضهم الخرافات الجاهلية، وذُكر في السورة الكريمة أمر التبنّي، حيث ألغى الله -تعالى- هذا الأمر بأمر النبي -عليه الصلاة والسلام- بالزواج من امرأة متبنّاه، وتذكر السورة خوض بعض الناس بحديثٍ مفترى، مما آذى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وجعل في صدره حرجاً، بالإضافة إلى تقطّع بعض أواصر المجتمع وعلاقاته، وتحزّب الكفار من كل حدبٍ صوب قتال الرسول -صلى الله عليه وسلم- والمسلمين، مما أحزن رسول الله صلى الله عليه وسلم.[5]
أسباب نزول سورة الأحزاب
ورد في كتب التفسير العديد من أسباب النزول لسورة الأحزاب، ويمكن بيان بعضها فيما يأتي:[7]
- الآية الأولى: قول الله تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ اتَّقِ اللَّـهَ وَلَا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَالْمُنَافِقِينَ إِنَّ اللَّـهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا)،[8] نزلت الآية الكريمة في أبي سفيان، وعكرمة بن أبي جهل، وعمرو بن أبي أبي سفيان السلمي، حيث ذهبوا إلى المدينة المنورة بعد معركة أحد، ونزلوا عند عبد الله بن أبيّ بعد أن أعطاهم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- الأمان للقائه ومحاورته، فذهبوا إلى النبي -عليه الصلاة والسلام- وبصحبتهم عبد الله بن سعد بن أبي سرح، وطعمة بن أُبَيْرق.
- الآية الثالثة والعشرون: قول الله تعالى: (مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّـهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُم مَّن قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا)،[9] أخبر أنس بن مالك -رضي الله عنه- أن الآية الكريمة نزلت في عمّه أنس بن النضر، حيث غاب أنس بن النضر -رضي الله عنه- عن معركة بدر فحزن لذلك، وقال لرسول الله صلى الله عليه وسلم: (يا رَسولَ اللَّهِ غِبْتُ عن أَوَّلِ قِتَالٍ قَاتَلْتَ المُشْرِكِينَ، لَئِنِ اللَّهُ أَشْهَدَنِي قِتَالَ المُشْرِكِينَ لَيَرَيَنَّ اللَّهُ ما أَصْنَعُ، فَلَمَّا كانَ يَوْمُ أُحُدٍ، وانْكَشَفَ المُسْلِمُونَ، قالَ: اللَّهُمَّ إنِّي أَعْتَذِرُ إلَيْكَ ممَّا صَنَعَ هَؤُلَاءِ -يَعْنِي أَصْحَابَهُ- وأَبْرَأُ إلَيْكَ ممَّا صَنَعَ هَؤُلَاءِ، -يَعْنِي المُشْرِكِينَ- ثُمَّ تَقَدَّمَ، فَاسْتَقْبَلَهُ سَعْدُ بنُ مُعَاذٍ، فَقالَ: يا سَعْدُ بنَ مُعَاذٍ، الجَنَّةَ ورَبِّ النَّضْرِ إنِّي أَجِدُ رِيحَهَا مِن دُونِ أُحُدٍ، قالَ سَعْدٌ: فَما اسْتَطَعْتُ يا رَسولَ اللَّهِ ما صَنَعَ، قالَ أَنَسٌ: فَوَجَدْنَا به بضْعًا وثَمَانِينَ ضَرْبَةً بالسَّيْفِ أَوْ طَعْنَةً برُمْحٍ، أَوْ رَمْيَةً بسَهْمٍ ووَجَدْنَاهُ قدْ قُتِلَ وقدْ مَثَّلَ به المُشْرِكُونَ، فَما عَرَفَهُ أَحَدٌ إلَّا أُخْتُهُ ببَنَانِهِ)،[10] فنزلت الآية الكريمة.[11]
سبب تسمية القرآن بهذا الاسم
اختلف أهل العلم في أصل تسمية القرآن الكريم، حيث قال فريقٌ منهم أن أصل التسمية مشتقُ من اسم مهموزٍ وهو قرأ، وقيل إنه مُشتقٌ من القرء، بمعنى الجمع، إذ تقول العرب قرأت الماء في الحوض أي جمعته، وسبب تسمية القرآن بهذا الاسم لأنه جمع ألون العلوم، وجمع ثمرات الكتب السماوية السابقة، وقيل إن أصل التسمية مشتقة من الفعل قرن، أي ضمّ الشيء إلى الشيء، وسبب التسمية أن القرآن الكريم مكوّنٌ من آياتٍ وسورٍ يضمّ بعضها بعضاً، وقال فريقٌ آخر أنه لفظٌ عائدٌ على كتاب الله -تعالى- وليس اسماً مهموزاً، وليس مُشتقّاً، كما إن التوراة اسمٌ لكتاب الله المنزل على موسى عليه السلام، والإنجيل اسمٌ لكتاب الله المُنزل على عيسى عليه السلام.[12]
المراجع
- ↑ "تعريف و معنى القرآن في قاموس المعجم الوسيط"، www.almaany.com، اطّلع عليه بتاريخ 19-4-2019. بتصرّف.
- ↑ "معنى السورة لغة واصطلاحا"، www.al-eman.com، اطّلع عليه بتاريخ 19-4-2019. بتصرّف.
- ↑ "سورة الأحزاب 33/114"، www.e-quran.com، اطّلع عليه بتاريخ 20-4-2019. بتصرّف.
- ↑ سورة الأحزاب، آية: 27.
- ^ أ ب ت أحمد الجوهري عبد الجواد (1-6-2018)، "مقاصد سورة الأحزاب"، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 19-4-2019. بتصرّف.
- ↑ رواه الألباني، في صحيح أبي داود، عن حذيفة بن اليمان، الصفحة أو الرقم: 1319، حسن.
- ↑ "أسباب النزول للواحدي"، www.altafsir.com، اطّلع عليه بتاريخ 19-4-2019. بتصرّف.
- ↑ سورة الأحزاب، آية: 1.
- ↑ سورة الأحزاب، آية: 23.
- ↑ رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن أنس بن مالك، الصفحة أو الرقم: 2805، صحيح.
- ↑ "أسباب النزول للواحدي"، www.altafsir.com، اطّلع عليه بتاريخ 19-4-2019. بتصرّف.
- ↑ "سبب تسمية القرآن الكريم"، www.fatwa.islamonline.net، اطّلع عليه بتاريخ 19-4-2019. بتصرّف.