-

شروط التوبة

(اخر تعديل 2024-09-09 11:28:33 )

التوبة

من رحمة الله بعباده أن فتح لهم باب التوبة من الذنوب والمعاصي، والرجوع إليه، ووعد عبادَه بالمغفرة لهم، ولذلك فلا بد للمسلم ألّا يقنط أو ييأس من رحمة ربه، فالإنسان بطبيعته يرتكب الأخطاء ويقع فيها، وذلك نتيجة الغفلة التي التي تسيطر على قلوب العباد، وتزيين الشيطان لطرق وسبل الضلال، ممّا يوقعه في المحرّمات والمحظورات، فالمسلم مهما يبلغ من درجات التقوى والصلاح إلّا أنه قد يقع في الذنوب والمعاصي، وفي ذلك تظهر رحمة الله بعباده، بفتح باب الأمل أمام المذنبين والعاصين، وبذلك لا تكون الذنوب مدعاةً للتمادي والانغماس فيها، بل إنّ الله تعالى يتوب على عباده كل يوم، وفي ذلك قال الرسول عليه الصلاة والسلام: (إن اللهَ عز وجل يبسطُ يدَه بالليلِ، ليتوبَ مسيءُ النهارِ، ويبسطُ يدَه بالنهارِ، ليتوبَ مسيءُ الليلِ، حتى تطلعَ الشمسُ من مغربِها)،[1] فالله تعالى أمر عباده بالتوبة دائماً، فالتوبة إضافةً إلى أنّها طريق العبادات والطاعات فهي الطريق الموصل إلى السعادة والمحبّة، وقال الرسول عليه الصلاة والسلام فيما يرويه عن ربه: (يا ابنَ آدمَ ! إنَّك ما دعوتَني ورجوتَني غفرتُ لكَ على ما كانَ منكَ ولا أُبالِي، يا ابنَ آدمَ! لوْ بلغتْ ذنوبُك عنانَ السماءِ ثمَّ استغفرتَني غفرتُ لكَ ولا أُبالِي، يا ابنَ آدمَ! لوْ أنَّك أتيتَني بقُرَابِ الأرضِ خطايا ثمَّ لقيتَني لا تشركْ بي شيئًا لأتيتُك بقرابِها مغفرةً)،[2] كما أنّ الرسول عليه الصلاة والسلام كان كثير ودائم الاستغفار.[3]

شروط التوبة

لا يمكن التخلّص من الذنوب والمعاصي إلّا بالتوبة، والإنابة، والرجوع إلى الله تعالى، وفي تعريف التوبة قال ابن مفلح المقدسي رحمه الله: (التوبة هي: الندم على ما مضى من المعاصي والذنوب، والعزم على تركها دائمًا لله عز وجل، لا لأجل نفع الدنيا أو أذى، وألّا تكون عن إكراه أو إلجاء، بل اختيارًا حال التكليف)، والتوبة لا تقع صحيحةً من العبد إلّا بمجموعةٍ من الشروط الواجبة فيها، وفيما يأتي بيانها، وتجدر الإشارة إلى أن التوبة لا تصحّ إلا بتوفّر جميع الشروط:[4]

  • الإقلاع عن المعصية، وعدم القيام بها ثانيةً.
  • الندم وتقريع النفس على ما قامت به من المعاصي والمحرّمات.
  • العزم على عدم العودة إلى الذنب مجدّداً.
  • تأدية الحقوق إلى أصحابها إن كانت المعاصي المقترفة تتعلّق بالعباد، فإن كان الأمر متعلّق بالمال فيجب على التائب تأدية المال إلى صاحبه، وإن كان الذنب هو القذف مثلاً فيجب على التائب تمكين صاحب الحق من إيقاع العقوبة به، أو طلب العفو منه، وإن كان الذنب غيبةً فيجب على التائب أنّ يستحلّ منها.
  • أن تكون التوبة قبل الغرغرة، والمقصود بالغرغرة حشرجة الروح في الصدر عند اقتراب ودنوّ الأجل والموت؛ حيث قال الله تعالى: (وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ حَتَّىٰ إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ الْآنَ وَلَا الَّذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّارٌ أُولَـٰئِكَ أَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا)،[5] كما أنّ التوبة لا تُقبل من العبد عند طلوع الشمس من مغربها، فقد قال الله تعالى أيضاً: (يَومَ يَأتي بَعضُ آياتِ رَبِّكَ لا يَنفَعُ نَفسًا إيمانُها لَم تَكُن آمَنَت مِن قَبلُ أَو كَسَبَت في إيمانِها خَيرًا قُلِ انتَظِروا إِنّا مُنتَظِرونَ)،[6] ويُضاف إلى ما سبق أن تكون التوبة قبل نزول العذاب من الله تعالى بالنسبة للعصاة؛ حيث إنّ التوبة تنقطع بحلول العذاب من الله تعالى، فقد قال الله سبحانه: (فَلَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا قَالُوا آمَنَّا بِاللَّـهِ وَحْدَهُ وَكَفَرْنَا بِمَا كُنَّا بِهِ مُشْرِكِينَ*فَلَمْ يَكُ يَنفَعُهُمْ إِيمَانُهُمْ لَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا سُنَّتَ اللَّـهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ فِي عِبَادِهِ وَخَسِرَ هُنَالِكَ الْكَافِرُونَ)،[7] ولكنّ الله قد استثنى من آخر شرطٍ قومَ يونس عليه السلام لحكمةٍ أرادها.[8]

يجب على التائب التوبة من جميع الذنوب، وقد ذهب بعض أهل العلم إلى القول بأنّ التوبة تصحّ من الذنوب التي تاب منها فقط، وتطلب منه التوبة من باقي الذنوب، وإضافةً إلى الشروط السابقة أضاف ابن مفلح المقدسي شرطاً خامساً نقله عنه ابن عقيل، ويتمثّل الشرط الخامس الذي أضافه ابن مفلح بالانزعاج وعدم الراحة عند ذكر الذنب، وتغيّر الحال، كما استحبّ ابن مفلح من التائب مفارقة الخلّان الذين يدعون إلى الذنب والمعصية، وقال في ذلك: (فصل فيما على التائب من قضاء العبادات، ومفارقة قرين السوء ومواضع الذنوب).[4]

بيّن العلماء العديد من الأمور والمسائل المتعلّقة بالتوبة، وفيما يأتي بيان عدد منها:[9]

  • تكمن أهمية التوبة في العديد من الأمور التي تنعكس على المسلم، منها:
  • توجد العديد من الأسباب والعوامل التي تُعين العبد على التوبة والإنابة، والثبات على ذلك، منها:
  • التوبة من الأسباب التي ينال العبد بها المغفرة والرحمة من الله تعالى، وتبدّل سيئاته بها حسنات.
  • نيل البركة من السماوات، والزيادة في القوّة والهمّة.
  • الفلاح في الآخرة، والدخول إلى الجنة، والنجاة من النار.
  • قبول الأعمال من الله تعالى، والتجاوز والعفو عن السيئات.
  • الإخلاص لله تعالى بالتوبة، فالإخلاص يُعدّ طريقاً لتسيير جميع الأمور الفاضلة والحسنة، كما أنّه يُبعد الأمور السيئة التي تلحق الشرّ بالعباد.
  • استشعار خطورة وقبح الذنوب، والآثار السيّئة والسلبيّة المترتبة على ذلك في الدنيا والآخرة.
  • مجاهدة النفس والأهواء، ويكون ذلك بإلزام النفس بأداء ما يجب عليها أداؤه، وتجنّب وقوعها فيما يجب عليها الابتعاد عنه.
  • تذكّر الموت دائماً، والخشية والخوف من عذاب الله تعالى وعقابه وسخطه.

المراجع

  1. ↑ رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن أبي موسى الأشعري، الصفحة أو الرقم: 2759، صحيح.
  2. ↑ رواه السيوطي، في الجامع الصغير، عن أنس بن مالك، الصفحة أو الرقم: 6047، صحيح.
  3. ↑ "التوبة النصوح"، ar.islamway.net، اطّلع عليه بتاريخ 18-12-2018. بتصرّف.
  4. ^ أ ب "التوبة إلى الله تعالى وشروطها"، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 18-12-2018. بتصرّف.
  5. ↑ سورة النساء، آية: 18.
  6. ↑ سورة الأنعام، آية: 158.
  7. ↑ سورة غافر، آية: 84-85.
  8. ↑ "التوبة"، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 18-12-2018. بتصرّف.
  9. ↑ "التوبة فضائلها والأسباب المعينة عليها"، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 18-12-2018. بتصرّف.