كيف أصلي وأنا جالسة
الجلوس في صلاة الفريضة
يعدّ القيام في صلاة الفريضة ركناً من أركانها، فلا يجوز للمسلم أن يتركه دون عذرٍ معتبرٍ، بل إنّ الإمام النووي -رحمه الله- يقول إنّ من صلّى الفرض قاعداً مع قدرته على القيام لم يصحّ منه ذلك، ولا يكون له فيه ثوابٌ، وإنّما يأثم عليه، ويرى الشافعية أنّ من استحلّ الجلوس في صلاة الفريضة مع القدرة على القيام، كان كافراً تجري عليه أحكام المرتدين، وحاله كحال من استحلّ الزنا أو الربا، أو غير ذلك من المحرّمات، أمّا من كان به عذراً يقتضي منه الجلوس للصلاة؛ فيجوز له الجلوس فيها؛ وكمن كان عاجزاً عن القيام مطلقاً؛ كالمُقعد، أو إن كان القيام يشقّ عليه مشقةً شديدةً كبيرةً؛ كالكبير في السّن، أو كان مريضاً مرضاً يخشى بوقوفه أن يزيد به مرضه، أو يتأخّر شفاؤه بالقيام، وقد دلّ على ذلك عددٌ من أحاديث رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، منها ما قاله رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- لعمران بن الحصين حين كان مريضاً بالبواسير، فجاء إلى رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- يستفتيه فيما يتعلّق بالصلاة على تلك الحال، فقال له رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: (صَلِّ قائماً، فإن لم تستَطِع فقاعداً، فإن لم تستَطِعْ فعلى جَنبٍ)،[1] وقد رُوي بالإجماع على جواز الصلاة جالساً، لمن كان عاجزاً عن القيام في صلاة الفريضة.[2]
ضبط الإمام ابن عثيمين -رحمه الله- المشقّة المعتبرة للجلوس في صلاة الفريضة بما يزول به الخشوع، والخشوع هو: حضور القلب والطمأنينة، فمن اضطرب وقلق قلقاً عظيماً يجعله يتمنّى الانتهاء من سورة الفاتحة بالسرعة الممكنة حتى يركع؛ لشدّة المشقّة التي يلقاها أثناء قيامه، جاز له أن يصلي جالساً، ومثل ذلك الخائف، كمن كان يصلي وهناك من يراقبه من الأعداء، فإن قام رآه من خلف الجدار، وإن جلس توارى عن نظر عدوه بالجدار فلم يره؛ فهذا يجوز له أن يصلي جالساً، وقال العلماء أنّه لا يلزم لجواز الجلوس في الصلاة العجز التام عن القيام، كما لا تكفي أدنى مشقةً لذلك أيضاً، بل لا بدّ أن تكون المشقة ظاهرةً، وقد أشار ابن قدامة -رحمه الله- إلى أنّ من قدر على القيام بالاتكاء على حائطٍ مثلاً، أو على أحد جنبيه، لزمه فعل ذلك، وفيما يتعلق بأجر صلاة الفريضة للجالس بعذرٍ معتبرٍ، فقد روي أنّ أجره كأجر القائم تماماً دون نقصانٍ.[2][3]
كيفية الجلوس في الصلاة
للمصلّي إذا صلّى جالساً أن يجلس متربعاً، أو مفترشاً، أو محتبياً كيفما شاء، وذلك لعموم قول الرسول صلّى الله عليه وسلّم: (صَلِّ قائماً، فإن لم تستَطِع فقاعداً)،[1] إلّا أنّ السنّة في ذلك الجلوس متربعاً، ودليل ذلك ما ورد عن عائشة -رضي الله عنها- أنّها قالت: (رأيتُ النَّبيَّ -صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ- يصلِّي متربعاً)،[4] والتربّع هو أن يجلس المصلّي على أليتيه، كافّا ساقيه إلى فخذيه، فتكون بذلك ساقه اليمنى وفخذه الأيمن ظاهرين، وكذلك كلاً من ساقه اليسرى وفخذه الأيسر، فتظهر الأعضاء الأربعة، ولذلك سُمّي تربعاً، أمّا الافتراش فتختفي فيه السيقان في الأفخاذ، والسبب في تفضيل التربّع، عدا كونه فعل رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- أنّه أكثر راحةً للإنسان، والمعلوم أنّ القيام يكون طويلاً؛ لما فيه من قراءة القرآن، فلا بدّ من الراحة فيه، وللتفريق أيضاً بين الجلوس البديل عن القيام، وبين الجلوس الذي في محلّه الأصلي في الصلاة، فيكون التربّع مكان القيام، أمّا في الركوع فيستحبّ كذلك البقاء على التربّع مع انحناء الظهر إلى الأمام.[2]
يجوز كذلك لمن صلّى جالساً أن يجلس على كرسي، فإن صلّى في جماعةٍ جعل مقعدته مساويةً للصف؛ لأنّها المكان الذي يستقرّ بدنه عليه، والواجب عليه عند الجلوس أن يجعل سجوده أخفض من ركوعه، ويسنّ له أن يضع يديه على ركبتيه في الركوع، ويضعهما على الأرض في السجود إن استطاع، وإلّا فيضعهما على ركبتيه أيضاً، وممّا يجدر الإشارة إليه أنّ المصلي إذا كان معذوراً لترك القيام في الصلاة، والجلوس بدلاً عنه، مع قدرته على الإتيان بالركوع والسجود على هيئتهما الأصلية، فلا يجوز له أن يجلس عنهما، بل يلزمه الإتيان بهما على هيأتهما الأصلية، وكذلك إن كان معذوراً عن الإتيان بالركوع أو السجود على أصلهما إلّا أنّه قادرٌ على القيام أثناء الصلاة في موضعه، فلا يجوز له حينها ترك القيام في موضعه، فالقاعدة في واجبات الصلاة أنّ من استطاع أن يأتي بأيّ واجبٍ من واجباتها وجُب عليه فعله، وما شقّ عليه فعله، ولم يمكنه الإتيان به، سقط عنه.[5][6]
الجلوس في صلاة النافلة
أجمع العلماء على جواز الجلوس في أداء صلاة النافلة، حتى إن كان ذلك بغير عذرٍ، إلّا أنّ ثواب المصلّي الجالس حينها يكون بنصف ثواب المصلّي القائم، ودليل ذلك قول النبي صلّى الله عليه وسلّم: (صلاةُ الرجلِ قاعداً نصفُ الصلاةِ)،[7] أيّ أنّ صلاة النافلة تقع من المصلي جالساً بغير عذرٍ صحيحةً، على عكس صلاة الفريضة؛ لو صلّاها الإنسان جالساً بغير عذرٍ، إلّا أنّها تكون منقوصة الأجر، وقد حمل العلماء نقصان الأجر على حالة الجلوس فيها بغير عذرٍ فقط، أمّا إن كان المصلّي معذوراً بجلوسه فلا ينقص أجره، بل يكون تاماً كأجر القائم فيها.[2]
المراجع
- ^ أ ب رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن عمران بن الحصين، الصفحة أو الرقم: 1117، صحيح.
- ^ أ ب ت ث "متى يجوز للإنسان أن يصلي قاعدا في الفريضة ؟"، www.islamqa.info، 2005-3-20، اطّلع عليه بتاريخ 2018-9-12. بتصرّف.
- ↑ "حكم الصلاة جلوساً على الكرسي"، ar.islamway.net، 16-10-2008، اطّلع عليه بتاريخ 12-9-2018. بتصرّف.
- ↑ رواه الألباني، في صحيح النسائي، عن عائشة أم المؤمنين، الصفحة أو الرقم: 1660، صحيح.
- ↑ "أحكام ومسائل في الصلاة على الكرسي"، www.islamqa.info، 2005-2-21، اطّلع عليه بتاريخ 2018-9-12. بتصرّف.
- ↑ " حكم الصلاة على الكرسي"، www.fatwa.islamweb.net، 2011-2-8، اطّلع عليه بتاريخ 2018-9-12. بتصرّف.
- ↑ رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن عبد الله بن عمرو، الصفحة أو الرقم: 735، صحيح.