كم كان عمر الرسول عندما نزل عليه الوحي
الوحي
يُعرّف الوحي في اللغة بأنّه: الإعلام بالخفاء، وبسرعةٍ كبيرةٍ ليبقى أثره في النفس، وأمّا اصطلاحاً فالوحي هو: كلام الله تعالى الذي يُلقيه على عبدٍ اصطفاه من عباده، ليُعلمّه ما يُريد له الاطلاع عليه بالخفاء، وله أشكالٌ عديدةٌ، منها ما يكون عن طريق الملك جبريل عليه السلام، وقد نزلت آيات القرآن الكريم كلّها بهذا النوع من الوحي، ويُطلق على هذا النوع من الوحي أيضاً الوحي الجليّ، ويجدر بيان أنّ للوحي خصائص معرفيةٌ، منها: أنّ الوحي ربانيّ المصدر؛ فالله تعالى عصم الوحي من الخطأ، وتكفّل بحفظه ما علّمه إيّاه كما يشاء سبحانه، فيصل كلام الله تعالى إلى من اصطفاهم من عباده كما قاله، وقد جاء في ذلك قول الله تعالى في مُحكم كتابه الكريم: (قُلْ مَا كُنتُ بِدْعًا مِّنَ الرُّسُلِ وَمَا أَدْرِي مَا يُفْعَلُ بِي وَلَا بِكُمْ إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَى إِلَيَّ وَمَا أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ مُّبِينٌ)،[1] ومن خصائص الوحي المعرفية أيضاً؛ أنّ مجاله غيبيّ؛ فهو الذي ينقل بأمر الله تعالى بعضاً من أمور الغيب، مثل: أسماء الذات الإلهية، وصفاتها، ومشيئة الله تعالى، ومن خصائصه أيضاً الخلود والكمال، فالوحي نزل بالحقّ الكامل، والمعرفة الشاملة لكلّ ما اختُلف فيه، والأدلة القرآنية على ذلك كثيرةٌ، منها قول الله سبحانه: (وَما أَنزَلنا عَلَيكَ الكِتابَ إِلّا لِتُبَيِّنَ لَهُمُ الَّذِي اختَلَفوا فيهِ وَهُدًى وَرَحمَةً لِقَومٍ يُؤمِنونَ)،[2] وقوله أيضاً: (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِّلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا وَلَـكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ)،[3] ومن خصائص الوحي أيضاً؛ خصوصية الغاية؛ فالغاية من الوحي جاءت في القرآن الكريم، وهي إقامة القسط والعدل بين الناس، والتقرّب إلى الله سبحانه، ومعرفته، وقد ميّز الله تعالى الوحي بخصوصية الطريق، فلا أحدٌ يستطيع الوصول إلى الوحي مهما بلغ من علمٍ، فهو مُرسلٌ إلى من اصطفاهم الله تعالى، وليس لعامة الناس، ومن خصائصه أيضاً: التوازن، والثبات، والعملية، والإيجابية.[4]
عمر الرسول عندما نزل عليه الوحي
كان عمر الرسول محمّد -صلّى الله عليه وسلّم- عندما نزل عليه الوحي أربعين عاماً على القول الصحيح الراجح، وفي الحديث عن الوحي جبريل -عليه السلام- يجدر القول إنّ خلق الله تعالى له عظيمٌ للغاية، فله ستمئة جناحٍ، يطير في السماء، ويتشكّل على هيئة رجلٍ، وفي الحقيقة كان الله تعالى قد هيّأ محمداً -صلّى الله عليه وسلّم- منذ الصغر ليكون نبياً، فعصمه من الرذائل، ومن عبادة الأوثان، ومنّ عليه بكريم الشمائل والأخلاق، ولمّا توافرت همّته وبلغ رشده حبّبه الله تعالى بالانعزال عن الناس، والأُنس به، فكان الرسول -عليه الصلاة والسلام- يتعبدّ في غار حراءٍ، ولم يُعرف كيفية تعبّد النبي محمّد -صلّى الله عليه وسلّم- لله تعالى في ذلك الوقت، ولكن يُعتقد أنّه كان يذكر الله تعالى، ويُثني عليه، ويتفكّر في عظمته، ويُمجّده، ولمّا شاء الله تعالى أنزل عليه وحيه جبريل عليه الصلاة والسلام، وكلّفه الله تعالى بالرسالة والنبوّة، وتبليغ الناس وجوب طاعة الله تعالى، والتزام أوامره، وتبشير من اتبعه بالفوز برضوانه، وبجنته التي أعدّها لعباده الصالحين، وإنذار العصاة بالنار، ثمّ قرأ رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- الآيات التي أنزلها الله تعالى عن طريق الوحي إليه، فسكنت جوارحه بها، مصداقاً لما جاء في الحديث النبوي الشريف الذي رُوي عن أمّ المؤمنين عائشة رضي الله عنها، أنّها قالت: (حتى فَجِئَهُ الحقُّ وهوَ في غَارِ حِرَاءٍ، فجاءَهُ المَلَكُ فقالَ: اقرأْ، فقالَ رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ: ما أنَا بِقَارِئٍ، قالَ: فأخَذَنِي فَغَطَّنِي حتى بلغَ مني الجَهدَ، ثمّ أرسلنِي فقالَ: اقرأْ، قلتُ: ما أنَا بقارِئٍ، فأخَذَنِي فَغَطَّنِي الثَّانيةَ حتى بلَغَ مني الجَهدَ، ثمّ أرسلَني فقالَ: اقرأْ، قلتُ: ما أنَا بقَارِئٍ، فأخذَنِي فَغَطَّنِي الثَالِثَةَ حتى بلَغَ مني الجَهْدَ، ثمَّ أرسلَنِي فقالَ: اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ، خَلَقَ الإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ، اقْرَأْ وَرَبُّكَ الأَكْرَمُ الَّذِي عَلَّمَ بِالقَلَمِ، الآياتِ إلى قَوْلِهِ: عَلَّمَ الإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ)،[5] ولكن كان هذا القول على النبي -عليه السلام- ثقيلاً للغاية، وعند عودة النبي إلى زوجته خديجة -رضي الله تعالى عنها- طلب منها أن تُغطّيه حتى يذهب الخوف عنه، ففعلت، فهدأت جوارح الرسول عليه الصلاة السلام، واطمأن.[6][7][8]
انقطاع الوحي عن الرسول
انقطع نزول الوحي عن الرسول محمّدٍ -صلّى الله عليه وسلّم- مرتين، مرةً في بداية نزوله، ومرةً أخرى بعد فترةٍ من الزمن، وفي الحقيقة اختلف العلماء في مدة نزول الوحي في كلّ مرةٍ، ففي المرة الأول قال البعض: أربعين يوماً، وقال آخرون: خمسة عشر يوماً، وقيل: سنتين، وقيل: ثلاث سنواتٍ، وقيل: سنتين ونصف، وإنّ أول سورةٍ نزلت بعد انقطاع الوحي لأول مرةٍ، هي سورة المدثّر، وأمّا بالنسبة لانقطاع الوحي مرةً ثانيةً، فقد كانت مدة هذا الانقطاع على القول الراجح ليلتين إلى ثلاث ليالٍ، ثمّ نزلت بعد هذا الانقطاع سورة الضحى، وأمّا بالنسبة لحكمة انقطاع الوحي فقد كانت لأجل ذهاب الروع والخوف عن قلب النبي محمّد -صلّى الله عليه وسلّم بعد نزول الوحي أول مرّةً، وكذلك ليشتاق النبي -عليه السلام- للوحي وليأنس به، وليمتحن الله تعالى الناس فيُثبّت المؤمنين، ويمحق الكافرين، وأمّا بالنسبة لحال الرسول محمد -صلّى الله عليه وسلّم- في فترة الانقطاع، فقد كان حزيناً يشتاق لعودة الوحي.[9]
المراجع
- ↑ سورة الأحقاف، آية: 9.
- ↑ سورة النحل، آية: 64.
- ↑ سورة سبأ، آية: 28.
- ↑ "مفهوم الوحي"، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 14-11-2018. بتصرّف.
- ↑ رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن عائشة أم المؤمنين، الصفحة أو الرقم: 4953، صحيح.
- ↑ "سنه صلى الله عليه وسلم وقت نزول الوحي"، fatwa.islamweb.net، اطّلع عليه بتاريخ November 17, 2018. بتصرّف.
- ↑ "بدء الوحي إِلى رسول الله صلى الله عليه وسلم"، www.saaid.net، اطّلع عليه بتاريخ 14-11-2018. بتصرّف.
- ↑ "أول ما بدء برسول الله من الوحي"، islamqa.info، اطّلع عليه بتاريخ 15-11-2018. بتصرّف.
- ↑ "لماذا فتر الوحي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أول البعثة ، وكم كانت مدته ؟"، islamqa.info، اطّلع عليه بتاريخ 15-11-2018. بتصرّف.