-

كيفية سجدة التلاوة

(اخر تعديل 2024-09-09 11:28:33 )

سجود التلاوة

تحتوى الشريعة الإسلامية على الكثير من الأحكام العمليّة التفصيليّة التي جاء بيانها في ثنايا السنة النبويّة، أو فصَّلها الفقهاء والعلماء في كتبهم واجتهاداتهم، واستدلّوا عليها من خلال نصوص القرآن الصريحة أو السنّة الصحيحة التي يجب على كل مسلمٍ من المسلمين أن يُلمّ بها ليؤدّيها ويقوم بها على وجهها الصحيح الذي طُلِبَ منه، ومن بين تلك الأمور والأعمال كانت سجدة التلاوة، أو سجود التلاوة، يختصّ سجود التلاوة على وجه الخصوص بتلاوة كتاب الله -سبحانه وتعالى- أو الاستماع إليه، حيث إنّ السجود المذكور يقترن في مُجمله بتلاوة المسلم لكتاب الله بنفسه، أو الاستماع له بقصد تدبُّر آياته وفهم معانيها، وموضع بحث هذه المقالة تحديداً هو حكم سجود المسلم إذا مرّ به أثناء قراءته للقرآن أو استماعه لآياته موضعٌ ذكر فيه سجدةٌ.

معنى سجود التّلاوة

يُعنى بسجدة التّلاوة أو سجود التّلاوة: السجود بسبب قراءة القرآن الكريم بشرط ورود ذكر السجود في ذلك الموضع مع ثبوت سجود النبي عند ذلك الموضع، ويرد السجود في مواضع مُعيّنة من آيات القرآن الكريم بعضها متّفقٌ عليها بين العلماء وبعضها مختلفٌ فيه.[1] وقد أُضيفت السجدة في الغالب إلى تلك المواضع لضرورة وجودها فيه بناءً على سياق الآية؛ تعظيماً لله سبحانه وتعالى، وامتثالاً لأحكامه، وإرغاماً لأنف الشيطان الذي أمره الله بالسجود فأبى وتوعّد بأن يُضل الإنسان عن سبيل الحق ويمنعه من السجود لله.[2]

وكما أنّ قراءة القرآن مباشرةً سبب من أسباب سجود التلاوة وشرطٌ له إذا مرّ المسلم بموضعٍ ورد فيه سجدة، فإنّ استماع آيات القرآن وموضع السجود تحديداً أيضاً سبب من أسباب سجود التلاوة، وترتّب حكمه بحقّ المُستمع إذا كان يستمع لشخصٍ يقرأ القرآن ومرَّ ذلك القارئ بموضع سجود، فيسجد المُستمع للتلاوة كالقارئ تماماً، ويكون الحكم للقارئ والمُستمع على حدٍ سواء، مع خلافٍ بين العلماء على ذلك سيأتي ذكره لاحقاً.[3]

كيفيّة سجود التلاوة

لسجدة التلاوة هيئةٌ خاصّةٌ مُتّفقٌ عليها عند العلماء في حال ورودها داخل الصلاة، وهيئةٌ أخرى حال وقوعها خارج الصلاة، وبيان كيفيّتها تفصيلاً فيما يأتي:[4]

  • إذا جاء في معرض قراءة الإمام موضع سجود فإنّه يُكبِّر عند النزول للسجود ويهوي ساجداً دون حاجةٍ للرّكوع قبلها، ثم يسجد سجدةً واحدةً ويُطيل فيها، ثم يُكبِّر للرّفع من السجود حتى يستوي قائماً ويُتمَّ صلاته على هيئتها وحالها.
  • إذا ورد في معرض قراءة من يقرأ القرآن الكريم موضع سجدة، وكان ذلك خارج الصلاة فإنه يكبِّر بعد أن يستقبل القبلة ثم يهوي ساجداً، ويُؤدّي خلال ذلك سجدةً واحدةً ثم يرفع رأسه من السجود ولا يُسلِّم له ولا يكبِّر في الرفع من السجود، ولا يشتهَّد له.

حكم سجود التلاوة

اختلف علماء الفقه في حكم سجود التلاوة على عدة أقوال، وذلك بالنّظر إلى الحالة التي يكون عليها المسلم حال ورود موضع السجّود هل هو في الصلاة أم خارجها، وهل هو قارئٌ لموضع السجدة أم مستمعٌ له، وبالنظر كذلك إلى الحكم الأصلي للسجود إجمالاً هل هو الوجوب أم الجواز، وبيان ما ذهبوا إليه من أقوال فيما يأتي مع ذكر دليل كل فريقٍ منهم:

  • الرأي الأول: يرى فقهاء الحنفيّة[5] ووافقهم الإمام أحمد في أحد أقواله الثلاثة وابن تيمية[6] أنّ حكم سجود التّلاوة هو الوجوب مُطلقاً حال ورود موضع السجدة داخل الصّلاة، أو إن كان وروده خارج الصلاة، ويستوي في ذلك القارئ والمُستمع؛ فيجب سجود التلاوة في جميع أحوال المسلم سواءً كان مُصلّياً أم لا، قارئاً أم مُستمعاً، وقد استدلّوا على ما ذهبوا إليه بمجموعة من الأدلة من الكتاب والسنة والمعقول، منها:
  • قول الله تعالى: (فَمَا لَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ*وَإِذَا قُرِئَ عَلَيْهِمُ الْقُرْآنُ لَا يَسْجُدُونَ).[7]
  • قول الله تعالى: (وَاسْجُدْ وَاقْتَرِبْ).[8]
  • قوله تعالى: (إِنَّمَا يُؤْمِنُ بِآيَاتِنَا الَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُوا بِهَا خَرُّوا سُجَّدًا وَسَبَّحُوا بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ).[9]
  • ما ورد عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -عليه الصّلاة والسّلام-: (إذا قرأ ابنُ آدمَ السجدةَ فسجد، اعتزل الشيطانُ يبكي. يقول: يا وَيْلَهْ. (وفي رواية أبي كريب يا وَيْلي). أُمِرَ ابنُ آدمَ بالسجود فسجد فله الجنَّةُ، وأُمِرتُ بالسجود فأَبَيْتُ فلي النارُ. وفي رواية: فعَصَيتُ فلي النَّارُ).[10]
  • صح في الحديث عن عثمان بن عفان -رضي الله عنه- أنه قال: (إِنَما السَجدّةُ عَلَى مَن استَمَعَها).[11]
  • القول الثاني: ذهب الإمام أحمد بن حنبل في قولٍ آخر إلى القول بأنّ سجود التّلاوة واجبٌ في الصّلاة ويسنُّ في خارجه، وقد استدلّ على ما ذهب إليه بفعل الرّسول -عليه الصّلاة والسّلام- لها في أوقات، وأنّه كان يواضب عليها خارج الصّلاة ويتركها أحياناً، فدلّ ذلك على استحبابها خارج الصّلاة.[13]
  • القول الثالث: يرى المالكيّة، والشافعيّة، والحنابلة في قول، وأصحاب المذهب الظاهريّ، والليث بن سعد والأوزاعي، وإسحاق بن راهويه، وأبو ثور أنّ سجود التلاوة سُنةٌ في الصّلاة وسنةٌ خارجها سواءً بذلك القارئ أم المُستمع، وقد استدلّوا على ما ذهبوا إليه ببعض الأدلة، منها:[14]
  • روى زيد بن ثابت -رضي الله عنه-: (أنّه قرأَ على النبيِّ -صلى الله عليه وسلم-: والنّجم. فلم يَسْجُدْ فيها ).[15]
  • من أدلّتهم أنّه لا يكون وجوبٌ بلا نصّ، وحيث إنّه لم يرد نصٌ شرعيّ يُثبت وجوب سجود التلاوة داخل الصّلاة أو خارجها، وحيث إنّ رسول الله -عليه الصّلاة والسّلام- قد داوم عليها فيكون حكمها سنةً داخل الصّلاة وخارجها وليست واجبةً، كما قالوا إنّ سجود التّلاوة فوق الدابة أو الرّاحلة في السّفر يجوز باتّفاق الفقهاء، ولو كان واجباً لما صحَّ أداؤه فوق الرّاحلة، كما لا تجوز صلاة الفرض فوق الراحلة في السفر.[16]

المراجع

  1. ↑ صالح اللاحم (1429 هـ)، سجود التلاوة وأحكامه (الطبعة الأولى)، الدمام: ابن الجوزي، صفحة 17.
  2. ↑ العيني، البناية شرح الهداية ، بيروت: دار الفكر، صفحة 709، جزء 2.
  3. ↑ صالح اللاحم (1429 هـ)، سجود التلاوة وأحكامه (الطبعة الأولى)، الدمام: دار ابن الجوزي، صفحة 17.
  4. ↑ محمد صالح المنجد، "كيفية التكبير في سجود التلاوة"، الإسلام سؤال وجواب، اطّلع عليه بتاريخ 28-3-2017. بتصرّف.
  5. ↑ المرغيناني، الهداية شرح بداية المبتدي،.: المكتبة الإسلامية، صفحة 78، جزء 1.
  6. ↑ المرداوي، الإنصاف،.: دار إحياء التراث العربي، صفحة 193، جزء 2.
  7. ↑ سورة الانشقاق، آية: 20-21.
  8. ↑ سورة سورة العلق، آية: 19.
  9. ↑ سورة سورة السجدة، آية: 15.
  10. ↑ رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن أبي هريرة، الصفحة أو الرقم: 81.
  11. ↑ رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن عثمان بن عفان، الصفحة أو الرقم: 33/2.
  12. ↑ العيني، البناية شرح الهداية، بيروت: دار الفكر، صفحة 719، جزء 2.
  13. ↑ ابن مفلح، المبدع في شرح المقنع،.: المكتب الإسلامي، صفحة 28، جزء 2.
  14. ↑ ابن قدامة، المغني ،.: هجر للطباعة والنشر والتوزيع، صفحة 364، جزء 3.
  15. ↑ رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن زيد بن ثابت، الصفحة أو الرقم: 1072.
  16. ↑ الباجي، المنتقى، بيروت: دار الكتاب العربي، صفحة 351، جزء 1.