نتائج صلح الحديبية
صلح الحُديبيَة
رأى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في منامه رؤيا أنّه دخل مكة المكرمة معتمراً، وأنّه طاف بالبيت الحرام، فحدّث أصحابه بتلك الرّؤيا، ففرحوا بها فرحاً شديداً؛ لأنّ نفوسهم مشتاقةٌ لزيارة البيت الحرام والطّواف فيه، خاصةً المهاجرين منهم؛ لأن فيها نشأتهم وولادتهم، فاستعدّوا للخروج مع رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- إلى مكة المكرمة، وكان عددهم ألفاً وخمسمائة، وكان خروجهم إلى الحديبية في السنة السادسة للهجرة، فخرج رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وأصحابه -رضي الله عنهم- ولم يكن لهم نيّةً في القتال والحرب، بل خرجوا معتمرين محرمين، وذلك للدّلالة على نيّتهم لزيارة البيت الحرام وتعظيمه، ثمّ وصل خبرٌ لرسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- أنّ قريشاً تريد مقاتلتهم.[1]
فأرسل رسول الله الصّحابي عثمان بن عفان ليخبر قريشا بأنّ الرّسول -عليه الصلاة والسلام- وأصحابه لم يأتوا للقتال، وإنّما جاءوا ليعتمروا، وأمره أن يدعوهم إلى الإسلام وعبادة الله تعالى، فذهب عثمان -رضي الله عنه- حتّى التقى بأبي سفيان ومن كان معه من سادات قريش، وأخبرهم برسالة رسول الله التي أُمر بتبليغها، وبعد ذلك وصل خبرٌ إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أنّ عثمان قد قُتل، فدعا رسول الله إلى البيعة، فبايعه المسلمون، وكانت هذه البيعة تحت شجرة سمرة في الحديبية، وسميّت بيعة الرّضوان، ونزل فيها قوله تعالى: (لَّقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحًا قَرِيبًا)،[2] وقد ورد في الحديث الشّريف أنّه لا يدخل النّار من شهد الحديبية لبيان فضلها، والدّليل على ذلك هو: (أنَّ عَبْدًا لحاطبٍ جاء رسول الله صلَّى اللَّهُ عليه وسلَّم يشْكُو حاطباً فَقالَ: يا رسول الله، ليدخُلنَّ حاطبٌ النَّار، فقال رسولُ الله صلَّى اللَّهُ عليه وسلَّم: كذبت لا يَدخُلُها، فإنَّه شهد بدراً والحُديبِيَة).[3][1]
نتائج صلح الحديبية
حقّق صلح الحديبية فتحاً عظيماً ومبيناً في تاريخ الأمّة الإسلامية، وهذا ما ورد في القرآن الكريم، حيث قال الله تعالى: (إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُّبِينًا)[4] حيث حقق نتائج عظيمةً، تصبّ في صالح المؤمنين كما أراد الرسول صلى الله عليه وسلم، وفيما يأتي ذكرٌ لبعضها:[5]
- نالت الدّولة الإسلاميّة اعتراف قريش بها وبقوّتها، ممّا أدّى إلى تعزيز كيان الدّولة الإسلاميّة، وعرفت القبائل التي كانت تتبع لقريش وتخضع لكلّ مواقفها وترى أنّها أفضل القبائل من حيث القوّة والعزّة، بأنّ هنالك من هو أقوى منها.
- دخول الكثير من المنافقين والمشركين في الإسلام، وذلك بعد رؤيتهم أنّ القوّة والعزّة للإسلام، وكان ممّن دخل في الإسلام: خالد بن الوليد، وعمرو بن العاص رضي الله عنهم.
- انتشار الإسلام بشكلٍ كبيرٍ، وعمومه لمناطق واسعة، وتبليغه للنّاس.
- تحقّق الأمان لدى المسلمين من ناحية قريش.
- ميل حلفاء قريش وتبنّيهم لموقف المسلمين، وذلك بعد ما تمّ من مفاوضاتٍ خلال الصّلح.
- تمكين رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- من التجهيز لغزوة مؤتة، والتي كانت عبارة عن تمهيد وطريق جديد لنشر الدعوة الإسلاميّة خارج شبه الجزيرة العربيّة.
- تمكين رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من إرسال الرّسائل لملوك الدّول كالفرس، والرّوم، والقبط، ليتمّ دعوتهم إلى الإسلام.
- تحقّق بعد هذا الصّلح فتح مكّة، فقد كان عبارة عن تمهيدٍ وسبيلٍ لفتحها، ودخلت أفواج وجماعات من الناس في دين الإسلام.
شروط صلح الحديبية
اتفقت قريش لإقامة الصّلح مع المسلمين، وأرسلت رجلاً من عندها يقال له سهيل بن عمرو، ليعقد الصّلح مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان سبب إرسال قريش له؛ لأنّه معروفٌ بهدوئه في مكة، ورقّته في التعامل، ولا يعرف المشاحنات في تعامله، ولم يكن له أيّ صدام مع المسلمين خاصة، فهو الأنسب للتّفاوض معهم بنظر قريش،[6] وقد كان هناك عدّة شروطٍ تمّ الاتفاق عليها بين رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وسهيل بن عمرو ليتم عقد الصلح، وهذه الشّروط هي:[7]
- رجوع رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- ومن معه من الصّحابة من مكة المكرمة وعدم دخولها هذا العام، والعودة إليها في العام القادم.
- وقف الحرب بين الجهتين مدّة عشر سنين، ليتحقق الأمان عند الناس.
- إعطاء الحرية لكلا الطرفين، فمن أراد أن يدخل في حلف محمد فله ذلك، ومن أراد أن يدخل في حلف قريش فله ذلك أيضاً.
- أن من يأتي حلف محمّد مسلماً من قريشٍ دون أخذ الإذن من وليّه يُردّ، ومن يأتي حلف قريش من حلف محمّد فلا يُردّ، وتفسير ذلك كما فسّره رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بأنّ من يعود إلى قريش مرتدّاً وكافراً فلا أسف عليه، ولا ردّه الله، وعودته بهذه الحال فيها حماية للمسلمين من خبثه ومكره، أمّا بالنّسبة للمسلمين فإنّ النّصر في النّهاية لهم.[8]
الهدف من صلح الحديبية
لم يكن هدف رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- من صلح الحديبية إبعاد قريش، ولا التّعرض لهم بالأذى، ولا القيام بعمرةٍ تؤدّى وتنتهي في لحظتها، ولم يكن الهدف أيضاً من الصّلح أن يدخل رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- مع المسلمين إلى مكة المكرمة رغماً عن قريش، ولا الهدف بأن يدخل دين الإسلام أهل مكّة فقط، إنمّا كانت أبعاد الهدف أكبر من ذلك بكثير، فكان الهدف الأساسي نشر دين الإسلام، والدّعوة إليه في شتّى بقاع الأرض، بالرّغم من أنّ الإسلام في مكّة سيتأخر لسنوات، التي كانت من أحب البقاع إلى رسول الله، لكن نظرة رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- للأمر كانت مختلفة، فقد كان ينظر إلى مدى بعيد، وفي الوقت نفسه ينظر إلى واقع الأحداث نظرة واقعية.[9]
المراجع
- ^ أ ب علي الندوي (1425هـ)، السيرة النبوية لأبي الحسن الندوي (الطبعة الثانية عشر)، دمشق: دار ابن كثير، صفحة 377-380. بتصرّف.
- ↑ سورة الفتح، آية: 18.
- ↑ رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن جابر بن عبد الله، الصفحة أو الرقم: 2495، صحيح.
- ↑ سورة الفتح، آية: 1.
- ↑ د.خالد راتب (26-9-2013)، "صلح الحديبية وفقه المآلات"، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 28-2-2019. بتصرّف.
- ↑ أ.د.راغب السرجاني (17-4-2010)، "صلح الحديبية"، www.islamstory.com، اطّلع عليه بتاريخ 28-2-2019. بتصرّف.
- ↑ "صلح الحديبية وشروطه"، www.islamweb.net، 15-4-2002، اطّلع عليه بتاريخ 28-2-2019. بتصرّف.
- ↑ محمد السقا (1427هـ)، فقه السيرة (الطبعة الاولى)، دمشق: دار القلم، صفحة 335. بتصرّف.
- ↑ راغب السرجاني، السيرة النبوية، جزء31، صفحة 13. بتصرّف.