سعد بن عبادة
الأنصار
من رحمة الله تعالى بعباده أن بعث إليهم رسولاً منهم يهديهم إلى طريق الرشاد، ومن رحمته أن ألّف بين قلوب عباده وبسط الحب والوئام بينهم، فألّف بين قلوب المهاجرين والأنصار، ألّف بين قلوب الأنصار أنفسهم بعد أن كانوا أوساً وخزرجاً، بلّغوا الدين، وحملوا لواء الشريعة ولم يتركوه، فكانت لهم البشرى، والمناقب التي لا ينساها الزمان، فهم الذين عاهدوا النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- في بيعة العقبة الأولى والثانية، وهم الذين استقبلوا النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- عند هجرته إلى المدينة المنوّرة بلهفة المشتاق وبالبهجة والترحاب، وهم أهل المؤاخاة مع المهاجرين، وهم الذين أخبر الله تعالى عنهم أنّهم كانوا يسكنون في الإيمان، وليس فقط يسكن قلوبهم، قال الله تعالى في كتابه الكريم: (وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِن قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِّمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ ۚ وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ).[1][2]
نسب سعد بن عبادة
هو سعد بن عبادة بن دُليم بن حارثة، بن أبي خزيمة، بن ثعلبة، بن طريف، بن الخزرج بن ساعدة، بن كعب بن الخزرج بن الحارث بن الخزرج بن حارثة، وأمّه: عمرة بنت مسعود بن قيس بن عمرو بن زيد مناة بن عدي بن عمرو بن مالك بن النجار بن الخزرج، وكانت إحدى المبايعات للنبيّ صلّى الله عليه وسلّم، وتوفيت في شهر ربيع الأول من السنة الخامسة للهجرة، وقد وُلد سعد -رضي الله عنه- في يثرب (المدينة المنورة)، وله من الأولاد؛ قيسٌ، وسعيد، ومحمد وعبد الرحمن، وأمامة وسدوس، وقد شهد -رضي الله عنه- بيعة العقبة مع السبعين نفراً من الأنصار، وقد كان -رضي الله عنه- أحد النقباء الاثني عشر.[3]
جهاد سعد بن عبادة
شهد سعد بن عبادة -رضي الله عنه- غزوة أحد وغزوة الخندق وكثيراً من غزوات النبيّ صلّى الله عليه وسلّم، وأظهر فيها شجاعةً وبطولةً، ومن مواقفه في الغزوات؛ في غزوة حنين عندما انتهى المسلمون من القتال منتصرين، أخذ النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- يوزّع الغنائم على المسلمين مهتمّاً بنصيب المؤلفة قلوبهم الذين كانوا حديثي عهدٍ بالإسلام، أما السابقون إلى الإسلام فلم يعطهم النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- شيئاً، فرأى سعد بن عبادة أنّ هذا تكريماً قد حُرم منه قومه، وأنّه من حقهم أن ينالوا حظاً من الغنائم، فقال للرسول صلّى الله عليه وسلّم: (يا رسول الله إنّ هذا الحي من الأنصار قد وجدوا عليك من أنفسهم لما صنعت في هذا الفيء الذي أصبت) فسأله الرسول: (وأين أنت من ذلك يا سعد)، فقال: (ما أنا إلا من قومي...)، فطلب منه الرسول أن يجمع قومه، فخطب فيهم قائلا: (...أوَجَدتُم في نُفوسِكُم يا مَعشرَ الأنصارِ في لُعاعَةٍ مِن الدُّنيا تألَّفتُ بِها قَومًا أسلَموا، ووَكَلتُكُم إلى ما قسمَ اللهُ لكُم مِن الإسلامِ، أفَلا تَرضَونَ يا مَعشرَ الأنصارِ أن يذهبَ النَّاسُ إلى رِحالِهِم بالشَّاءِ والبَعيرِ وتذهَبونَ برسولِ اللهِ إلى رِحالِكُم).[4][5]
ملامح من شخصية سعد بن عبادة
تتميز شخصية الصحابي الجليل سعد بن عبادة -رضي الله عنه- بملامح بارزةٍ تميزها، ومن هذه الملامح البارزة التي عُرف بها ما يأتي:[6]
- الغيرة؛ فقد روى الصحابي الجليل عبد الله بن عباس رضي الله عنهما، أنّه لمّا نزل قول الله تعالى من سورة النور: (وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلاَ تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا)،[7] قال سعد بن عبادة رضي الله عنه: (أهكذا نَزَلَتْ يا رسولَ اللهِ فقال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ: يا مَعشرَ الأنصارِ ألا تسمعونَ إلى ما يقولُ سيدُكُم قالوا: يا رسولَ اللهِ لا تلُمْهُ؛ فإنّه رجُلٌ غَيورٌ واللهِ ما تزَّوج امرأةً قطُّ إلا بِكرًا، وما طلَّق امرأةً له قَطُّ فاجترأ رجُلٌ مِنَّا على أنْ يتزوجَها؛ من شِدَّةِ غَيرَتِه، فقال سعدٌ: واللهِ يا رسولَ اللهِ إني لأعلمُ أنّها حقٌّ، وأنّها من اللهِ تعالى، ولكنِّي قد تعجبتُ أنّي لو وجَدتُ لَكَاعٍا تَفَخَّذَهَا رجُلٌ لم يكنْ لي أن أُهيجَه ولا أُحركه حتى آتيَ بأربعةِ شُهداءَ فو اللهِ لا آتي بِهِمْ حتَّى يَقْضِيَ حاجتَه).[8]
- الجود والسخاء؛ فقد كان -رضي الله عنه- مشهوراً في الجاهليّة السخاء والكرم والجود؛ وممّا يدلّل على ذلك أنّه لمّا قدم النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- إلى المدينة المنوّرة، كان يبعث إليه كلّ يومٍ جفنة القصعة من ثَرِيد اللحم أو ثريد بلبن أو غيره، فكانت جفنة سعد -رضي الله عنه- تدور مع رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- في بيوت أزواجه.
- الثبات على الرأي؛ ويظهر ذلك جليّاً في يوم السقِيفة، عندما همّ الأنصار ببيعته، ثمّ بعد ذلك آلت البيعة إلى أبي بكر الصدّيق رضي الله عنه، فبقي سعد بن عبادة ثابتًا على رأيه، ولم يبايع أحداً إلى أن توفّي رضي الله عنه.
وفاة سعد بن عبادة
جاء في معظم الروايات التي تذكر وفاة الصحابي الجليل سعد بن عبادة رضي الله عنه، أنّه خرج من المدينة المنوّرة مهاجراً إلى بلاد الشام، بعد وفاة النبيّ صلّى الله عليه وسلّم، وتذكر أنّ سبب خروجه يرجع إلى ما حصل في سقيفة بني ساعدة، وما نتج عنه من نتائج اعتبرها سعد تضييعاً لحقوق الأنصار، أمّا تاريخ وفاته فقد رُوي أنّه توفّي في السنة السادسة عشر من الهجرة، وقيل أنّه توفي في السنة التي بعث فيها أبو بكر الصديق عمر بن الخطاب فأقام للناس الحج، وقيل أنّه توفي في حوران بعد سنتين ونصف من خلافة عمر بن الخطاب رضي الله عنه، ورُوي أنّ قبره كان في قرية المنيحة في دمشق، وقيل أنّ قبره في بصرى.[3]
المراجع
- ↑ سورة الحشر، آية: 9.
- ↑ حسين شعبان وهدان (11-1-2011)، "الأنصار أهل الإيمان والإيثار"، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 11-7-2018. بتصرّف.
- ^ أ ب م.د شذى عبد الصاحب عبد الحسين (2012)، "الصحابي سعد بن عبادة – سيرته – ودوره في حروب الرسول صلى الله عليه وسلم"، مجلة ديالى، العدد 54، صفحة 2-9. بتصرّف.
- ↑ رواه الألباني، في فقه السيرة، عن أبي سعيد الخدري ، الصفحة أو الرقم: 395، صحيح.
- ↑ "سعد بن عبادة حامل لواء الأنصار"، www.alittihad.ae، 28-9-2007، اطّلع عليه بتاريخ 11-7-2018. بتصرّف.
- ↑ "سعد بن عبادة"، www.islamstory.com، 1-5-2006، اطّلع عليه بتاريخ 11-7-2018. بتصرّف.
- ↑ سورة النور، آية: 4.
- ↑ رواه أحمد شاكر، في مسند أحمد، عن عبد الله بن عباس، الصفحة أو الرقم: 4/6، إسناده صحيح.