-

حق الجار فى الاسلام

(اخر تعديل 2024-09-09 11:28:33 )

الجار

الجيران هم أقرب الناس سَكَناً، ولعلّ الجار بِسببِ قُربه من جاره أكثر مَعرفةً به وبِظروفه وما يَحصل عنده فور حدوثه، حتى إنّ الجار قد يَعلمُ عن جارِه أموراً تَخفى على أهلِه وأقرب النّاس إليه؛ ولذلك كانت للجيران أهميّةٌ وفضلٌ عظيم؛ فالجارُ صاحبُ الخلق والدّين من أسباب سَعادة الإنسان وراحته في بيتِه.

كان العَرب يَتفاخرون بحُسن الجوار حتى قبل الإسلام، وكانوا يتفاخرون بإكرام الجار، والإحسان إليه، والقيام بواجبهم نحوه خير قيام، فلمّا جاءَ الإسلامُ حرصَ على استمرار هذا الخلق العظيم في مراعاة حق الجار، قال تعالى: (اعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَىٰ وَالْيَتَامَىٰ وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَىٰ وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنبِ...)؛[1] حيث أوجَبَ الله على المُسلمين أن يُحسنوا إلى الجار قريباً أم بعيداً، عربيّاً أم أعجمياً، دون تمييزٍ بين عرقٍ وعرق، أو لونٍ ولون؛ فالجار جارٌ له احترامُه، ومَكانته، وله اعتِباره، وله حقوقٌ، سواءً أكان مُسلماً أم غير مسلم.[2]

حق الجار في الإسلام

حُقوق الجار في الإسلام كثيرةٌ،؛ فقد تَناولت الشريعة الإسلامية حقوق الجار وفصّلتها، فالجار له حقٌ عظيمٌ في الإسلام، ومن حقوق الجار في الإسلام ما يأتي:[3]

  • الإحسان إلى الجار قَولاً وفعلاً.
  • حمايته وتأمينه.
  • ستر عورته.
  • حفظ سره.
  • مشاركته أفراحه.
  • مواساته في مصائبه وأحزانه.
  • تلبية دعوته.
  • زيارته في الظروف الطبيعيّة.
  • عيادته في حالة المرض.
  • تفقّده وتلبية احتياجاته عندما يفقدها مع القُدرة على ذلك.
  • منع الأذى عنه بِجَميع صُوره.
  • مُساعدته في حلّ مشاكله.
  • إقراضه المال إن طلب مع القدرة على الإقراض.
  • السعي في الإصلاح بين الجيران المُتخاصمين.
  • تعليمه العلم الشرعي.
  • مُصاحبته إلى المسجد.
  • مُصاحبته إلى مَجالس العلم.
  • إحسان الظنّ به.
  • الصّبر على أذى الجار.
  • ردُّ الغيبةِ عنه.
  • مُبادرته بالسّلام.
  • تشييع جنازته عند موته.

مفهوم حق الجار

مفهوم الحق لغةً واصطلاحاً

الحقُّ في اللغة يأتي بمعنى: حقّ الْأَمر حَقًا، وحقة، وحُقوقاً أي: صَحَّ وَثَبت وَصدق، ومنه ما جاء في القرآن الكريم: (لِيُنذِرَ مَن كَانَ حَيًّا وَيَحِقَّ الْقَوْلُ عَلَى الْكَافِرِينَ)[4]، وَيُقَال يحِق عَلَيْك أَن تفعل كَذَا: أي يجب ويحقّ لَك أَن تفعل كَذَا أي: يسوغ، وَهُوَ حقيق بِكَذَا أي: جدير، وحقيق عَليّ ذَلِك أي: وَاجِبٌ، وَأَنا حقيق على كَذَا أي: حَرِيص.[5]

مفهوم الجار

الجار هو المُجاور في السكن، وجمعه جيران، ويُقال: جاوره مجاورةً وجواراً من باب قاتل، والاسم منه الجوار بالضمّ إذا لاصقه في السكن، ونَقَل ثعلب عن ابن الأعرابي قوله: الجار هو الذي يُجاورك مُجاورةً بيتٍ لبيت، والجار الشريك في العقار، سواءً كان مُقاسِماً لك أو غير مُقاسم، والجار الذي يجير غيره أي: يؤمنه ويحميه ممّا يَخاف، والجار المُستجير أيضاً هو الذي يَطلب الأمانَ والحماية.

مِن مَعاني الجار الحليف، والناصر، والزوج، والجار كذلك الزوجة، ويُقال فيها أيضاً جارة؛ والجارة الضُرّة؛ حيث قيل لها جارة استكراهاً للفظ الضرة، وكان ابن عباس ينام بين جارتيه أي بين زوجتيه. قال الأزهري: ولمّا كان الجار في اللغة محتملاً لمعانٍ مختلفة وجب طلب دليل لقوله عليه الصلاة والسلام: (الجار أحق بصقبه)[6]؛ فإنّه يدل على أنّ المقصود الجار الملاصق، واستجاره طلب منه أن يَحفظه فأجاره.[7]

فضل الإحسان إلى الجار

للإحسان إلى الجار فضلٌ عظيمٌ في الشّريعة الإسلامية، وقد أمر الإسلام بمُراعاة حقوق الجار بالإحسانِ إليه وعدم إيذائه، بل قرَنَ الإحسان إلى الجار في القرآن الكريم بالأمر بعِبادة الله سبحانه وتعالى، وبالإحسان إلى الوالدين[8]، قال تعالى: (وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَىٰ وَالْيَتَامَىٰ وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَىٰ وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ مَن كَانَ مُخْتَالًا فَخُورًا)[9]

وَرد عن الرسول -عليه الصلاة والسلام- أنّه قال: (ما زالَ يوصيني جبريلُ بالجارِ حتَّى ظنَنتُ أنَّهُ سيورِّثُهُ)[10]، ونهى النبيُّ عن إيذاء الجار؛ بل جعل إيذاء الجار من الأفعال التي تُعدُّ نقصاً في إيمان المسلم، فقال -عليه الصلاة والسلام: (واللَّه لا يؤمِنُ، واللَّه لا يؤمنُ، واللَّه لا يؤمنُ. قيلَ: ومن يا رسولَ اللَّه؟ قالَ: الَّذي لا يأمنُ جارُه بوائقَه)[11]

الجيران في الشريعة الإسلامية

الجيران من منظور الشريعة الإسلامية ثلاثة أصناف على النحو الآتي:

  • الصنف الأول: جار له حق واحد فقط، وهذا الجار له حقّ الجوار فقط وهو الجار غير المسلم، ولا تَربطه بِجاره صلةُ قُربى.
  • الصنف الثاني: جارٌ له حقّان، وهو الجار المُسلم، ولا تربطه بجاره صلة قربى ورحم؛ فالجار المُسلم هنا له حقّ الجوار، وحقّ الإسلام.
  • الصنف الثالث: جارٌ له ثلاثة حقوق، وهو الجارُ المُسلم من الأقارب، فله حقّ الجوار، وحقّ الإسلام، وحقّ القربى والرحم.[12]

رُويَ عَن رسول الله -عليه الصلاة والسلام- أنه قال: (الجيرانُ ثلاثةٌ: جارٌ له حقٌّ واحدٌ وهو أدنَى الجيرانِ حقًّا، وجارٌ له حقَّان، وجارٌ له ثلاثةُ حقوقٍ وهو أفضلُ الجيرانِ حقًّا؛ فأمَّا الجارُ الَّذي له حقٌّ واحدٌ فالجارُ المُشرِكُ لا رحِمَ له وله حقَّ الجِوارِ، وأمَّا الَّذي له حقَّان فالجارُ المُسلمُ لا رحِم له وله حقُّ الإسلامِ وحقُّ الجِوارِ، وأمَّا الَّذي له ثلاثةُ حقوقٍ فجارٌ مسلمٌ ذو رحِمٍ له حقُّ الإسلامِ وحقُّ الجوارِ وحقُّ الرَّحِمِ، وأدنَى حقِّ الجِوارِ ألَّا تُؤذيَ جارَك بقُتارِ قِدرِك إلَّا أن تقدَحَ له منها)[13]

أنواع الجيران والتعامل معهم

الجار المُسلم السنّي صاحب الدين والخلق والطاعة تَجب له جَميع حقوقِ الجوار التي سبق ذكرها، وهناك من الجيران من ليس هذا حاله، فتتعدّد أنواع الجيران من حيث الطّاعة والديانة، ومن هذه الأنواع ما يأتي:[14]

  • صاحب الكبيرة: صاحِب الكبيرة إمّا أن يكون مُرتكباً لها ولكنّه لا يُجاهر بها، بل يُغلق بابه على نفسه، وهذا الجار مُرتكب الكبيرة على جاره أن يُعرض عنه، ويَتغافَلَ عنه، وله على الجار حقّ النصح إن أمكن؛ وذلك بأن يَنصحه ويَعظُه بالسر، وليس أمام الناس، وأمّا إن كان الجارُ صاحب الكبيرة مُجاهراً بها فله على جاره حقّ أمره بالمعروف ونهيه عن المنكر، فإن استمرّ على حاله عَلى جاره أن يهجره هجراً جميلاً.
  • الجار الديوث: هو قليل الغيرة، ومن كانت النساء من أهل بيته على غير الطريق المستقيم؛ فهذا النّوعُ من الجيران الأصل عدم مخالطة النساء لنسائه، وأهل بيته؛ وذلك بسبب ما يعود من فسادٍ على أهل البيت من مُخالطة النساء الفاسدات، ويحرصُ الجار على عدم دخول منزل جاره الذي هذا حاله وحال نسائه، بل الأولى ترك جواره واعتزاله، وقطع الودّ معه، وإن ألزم الجار جاره الديوث بترك بيته فليفعل برفقٍ ولطف.
  • الجار اليهودي أو النصراني: الحقّ على الجار أن يُحسنَ إلى جاره اليهودي أو النصراني الذي يُجاوره في البيت، أو السوق، أو البستان، فلا يجوز إيذاءُ الجار اليهودي، أو النصراني، ولكنّ الأصل عدم البدء بالسلام عليهم، فإن سلّموا يَردُ عليهم بقول: وعليكم.

المراجع

  1. ↑ سورة النساء، آية: 36.
  2. ↑ زين الدين عبد الرحمن بن أحمد بن رجب بن الحسن، السَلامي، البغدادي، ثم الدمشقي، الحنبلي (المتوفى: 795هـ) (1422هـ - 2001م)، جامع العلوم والحكم في شرح خمسين حديثاً من جوامع الكلم (الطبعة السابعة)، بيروت: مؤسسة الرسالة، صفحة 345، جزء 1.
  3. ↑ الشيخ ندا أبو أحمد (2-7-2012)، "حقوق الجار"، الألوكة، اطّلع عليه بتاريخ 9-6-2017.
  4. ↑ سورة يس، آية: 70.
  5. ↑ إبراهيم مصطفى / أحمد الزيات / حامد عبد القادر / محمد النجار، المعجم الوسيط (الطبعة الأولى)، القاهرة: دار الدعوة، صفحة 187.
  6. ↑ رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن أسلم القبطي أبو رافع مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم، الصفحة أو الرقم: 6980، صحيح.
  7. ↑ أحمد بن محمد بن علي الفيومي ثم الحموي، أبو العباس (المتوفى: نحو 770هـ)، المصباح المنير في غريب الشرح الكبير (الطبعة الأولى)، بيروت: المكتبة العلمية، صفحة 114، جزء 1.
  8. ↑ أحمد عساف (1986م)، الحلال والحرام في الإسلام (الطبعة الخامسة)، بيروت: دار إحياء العلوم، صفحة 536.
  9. ↑ سورة النساء، آية: 36.
  10. ↑ رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن أم المؤمنين عائشة، الصفحة أو الرقم: 6014، صحيح.
  11. ↑ رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن أبي شريح العدوي الخزاعي الكعبي، الصفحة أو الرقم: 6016، صحيح.
  12. ↑ الذهبي، حقوق الجار (الطبعة الأولى)، مصر: دار البصيرة، صفحة 134-137.
  13. ↑ رواه أبو نعيم، في حلية الأولياء، عن جابر بن عبد الله، الصفحة أو الرقم: 5/235 ، يؤخَذ به في فَضائل الأعمال.
  14. ↑ علي حسن علي (1994م)، حقوق الجار في صحيح السنة والآثار (الطبعة الثانية)، عمان: المكتبة الإسلامية، صفحة 43-47.