-

ما اهمية الهجرة النبوية بالنسبة للمسلمين

(اخر تعديل 2024-09-09 11:28:33 )

الهجرة النبوية

تُعتبر الهجرة النبوية الشريفة من الأحداث التي شكّلت بُعداً فارقاً في تاريخ الأمة الإسلامية بشكلٍ خاصٍ، وفي تاريخ العالم العربي والإسلاميِّ بشكلٍ عامٍ، فقد جعلت تلك الحادثة من أمة الإسلام أمةً ذات قوةٍ ومنعةٍ، وجعلت لها كياناً ومكانةً لا يُستهان بها بين الأمم في تلك الفترة، كما أنّ الهجرة النبوية شكّلت بحدِّ ذاتها انتصاراً للمسلمين الذين كانوا يُعانون الاضطهاد والتعذيب من قريش؛ لما جاؤوا به من دينٍ يُهمِّش زعاماتهم ويُبطل مصالحهم، وقد جاءت الهجرة النبوية في وقتٍ كان المسلمون به أحوج من أيّ وقتٍ للهجرة، أمّا أهمية الهجرة فقد ظهرت بشكلٍ واضحٍ في فترة إنشاء الدولة الإسلامية بعد استقرار المسلمين في المدينة، كما كان لها آثارٌ طويلة الأمد يُمكن ملاحظتها حتى في العصر الحاضر، وفي هذه المقالة سيتم التعرُّض للهجرة النبوية؛ أسبابها، وأهميتها، وآثارها على الأمة الإسلامية.

أسباب الهجرة النبوية

بعد أنْ بعث الله -تعالى- أمين الوحي جبريل -عليه السلام- بالرسالة إلى سيد الخلق محمدٍ -صلّى الله عليه وسلّم- وهرعت زوجته خديجة إلى ابن عمّها ورقة بن نوفل العابد؛ لمعرفة ما سرّ ذلك الناموس الذي جاء للنبي صلّى الله عليه وسلّم، وحينها أخبر ورقةٌ النبي -صلّى الله عليه وسلّم- أنّ ذلك هو الناموس الذي كان يأتي إلى موسى، وأنّ قومه سيُخرجونه من بينهم، فما أتى رجلٌ بمثل ما جاء به محمدٌ -صلّى الله عليه وسلّم- إلّا وعودي وكُذِّب، من حينها علِم النبي -صلّى الله عليه وسلّم- أنّ ما جاء به ليس أمراً مُيسَّراً، بل إنّه سيُعاني ويُعذّب، أمّا الأسباب التي دفعت إلى الهجرة بشكلٍ مباشرٍ فبيانها على النحو الآتي:[1]

  • عدم تقبُّل الإسلام من قِبل أهل مكّة ابتداءً، إذ إنّ النبي وأصحابه كانوا حريصين أشدّ الحرص على أنْ يدخل أهل مكة الإسلام، فقد تعامل معهم النبي -صلّى الله عليه وسلّم- بجميع الوسائل الممكنة من وسائل الدعوة، ولكنّ جميع ذلك لم يُجدي نفعاً.
  • تهيئة المدينة المنورة لاستقبال المسلمين واستعدادهم لذلك، فبعد أنْ عُذِّب النبي وأصحابه، أخذ يبحث عن مكانٍ يكون أرضاً خصبةً لنشر الدين الإسلامي، فجاءه وفدٌ من الأوس والخزرج الذين علموا من اليهود أنّ نبياً سيُبعث في ذلك الزمن؛ فسبقوهم إليه، وعرضوا عليه القدوم إلى المدينة المنورة، وحدث ذلك بالفعل حتى انتشر الإسلام في أرجاء المدينة المنورة.
  • تعرّض النبي -صلّى الله عليه وسلّم- وأصحابه للأذى والتعذيب والتكذيب، فقد استُشهد تحت التعذيب عددٌ ممّن آمن بالنبي -صلّى الله عليه وسلّم- في مكة، مثل عائلة عمّار بن ياسر رضي الله عنه، وغيرهم الكثير.
  • ضرورة تأسيس دولةٍ إسلاميةٍ؛ لأنّ ذلك لم يكن ممكناً في مكة؛ بسبب عدم تقبّل قريش للدين الإسلامي، فكان لزاماً البحث عن مكانٍ تنشأ فيه الدولة الإسلامية؛ لنشر الرسالة العالمية التي جاء بها النبي صلّى الله عليه وسلّم.
  • الهجرة من سنن الأنبياء والمرسلين، حيث إنّ الإعلان عن دينٍ جديدٍ لا تتقبله النفوس خصوصاً في فترته الأولى، فكان يتوجّب على الأنبياء الانتقال إلى مكانٍ آخرٍ يكون لهم فيه الحرية الكاملة في نشر دينهم، مثل نبي الله نوح الذي هاجر فاراً بدينه ودعوته، حيث قال الله تعالى: (حَتَّى إِذَا جَاءَ أَمْرُنَا وَفَارَ التَّنُّورُ قُلْنَا احْمِلْ فِيهَا مِنْ كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ وَأَهْلَكَ إِلاَّ مَنْ سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ وَمَنْ آمَنَ وَمَا آمَنَ مَعَهُ إِلاَّ قَلِيلٌ).[2]

أهمية الهجرة النبوية بالنسبة للمسلمين

حملت الهجرة النبوية أهميةً بالغةً للمسلمين، وقد تمثلت أهميتها بأمورٍعديدةٍ يمكن إبرازها فيما يأتي:[3]

  • كانت الهجرة النبوية حدثاً هاماً مرّ بالدولة الإسلامية، حيث شكّلت نقطة تحوّلٍ جذريٍ بين مرحلة البعثة الأولى، وهي المرحلة المكية وبين المرحلة الانتقالية الجديدة؛ التي تمثّلت بالمرحلة المدنية، وقد كان لذلك أهميةٌ بارزةٌ في ترسيخ دعائم الدولة الإسلامية وتمكين قوتها.
  • أخذت الهجرة النبوية الشريفة أهميتها من أهمية مَن قادها، وهو أشرف الخلق النبي الكريم محمدٌ -صلّى الله عليه وسلَّم- وقد أعطى ذلك لها أهميةً بالغةً.
  • المكان الذي كانت إليه الهجرة؛ فهو من أشرف الأماكن وأرفعها قدراً، وقد أعطى ذلك للهجرة أهميةً استراتيجيةً ودينيةً هامةً.
  • شكّلت الهجرة النبوية الشريفة انطلاقةً لمرحلةٍ جديدةٍ هي مرحلة الدولة الإسلامية، فقد كانت نواة الدولة الإسلامية من تلك الهجرة، ممّا أعطاها قيمةً جعلتها الحدث الأبرز في تاريخ الدولة الإسلامية في التاريخ الإسلامي.
  • كان في الهجرة النبوية عزةٌ ونصرٌ وتمكينٌ لدين الله، وهذا الأمر لم ينحصر على تلك الفترة، إنّما يتعداها إلى جميع مراحل الدولة الإسلامية وحتى الوقت الحاضر.
  • دور المرأة المسلمة في المجتمع المسلم، وقد تمثّل ذلك بقصة أم معبد، وما كان من شأن أسماء بنت أبي بكرٍ التي لُقّبت في حادثة الهجرة بذات النطاقين، ومن أهمّ ما يُستفاد من تلك القصة؛ كيفية إخفاء المرأة المسلمة للأسرار الهامّة التي يكون في كشفها أو إخفائها تأثيرٌ كبيرٌ على الدولة برمتها.
  • أظهرت الهجرة النبوية أنّ الصراع بين الحقِّ والباطل لا ينتهي، بل هو صراعٌ ممتدٌ متجددٌ، فكلما جاءت أمةٌ كان فيها أهل الحق وأهل الباطل، وذلك أمر الله الذي فطر عليه الناس.

نتائج الهجرة ودروسها

برز في حادثة الهجرة النبوية مجموعةٌ من الدروس العظيمة، والتي تتمثل فيما يأتي:[4]

  • الجمع بين التوكّل على الله -تعالى- وبين الأخذ بالأسباب، ويظهر ذلك جلياً في أخذ النبي بالأسباب من إعداد العُدة والراحلة، واستغفال قريشٍ بوضع عليٍ في فراشه، ثمّ التوكل على الله، فلمّا وصلت قريش إلى غار ثورٍ كان مطمئناً هادئ النفس بأنّ الله لن يكشفه.
  • الإخلاص التام، والسلامة من الأغراض الشخصية، للوصول للنتيجة المطلوبة؛ فلم يركن النبي -صلّى الله عليه وسلّم- في الدعوة، ولم يركن إلى الراحة بل استمرّ داعياً إلى الله، برغم ما عُرض عليه من ملذّات الدنيا.
  • الاعتدال في الغضب والفرح في كلّ حالٍ؛ فالسراء والضراء في ذلك بالنسبة له سواءٌ، ويظهر ذلك في خروج النبي -صلّى الله عليه وسلّم- من أحبّ البلاد إليه مكة المكرمة، إذ كان حينها مُكرهاً لكنه لم يُذلّ، ولم يفقد الثقة بالله -تعالى- بأنْ يعود إليها قرير العين منتصراً.
  • اليقين التام بأنّ النصر حليف المتقين، فحال المسلمين قبل الهجرة لم يكن يُوحي بأنّهم سيستمرون لعدّة سنواتٍ أُخَر، لكنّ اليقين الذي كان عند رسول الله بربّه أوصلهم الى ذلك.
  • حفظ الله لمن يحفظه، وتلك نتيجةٌ حتميةٌ تحقّقت في الهجرة النبوية، فلمّا تآمر زعماء قريشٍ لقتل النبي -صلّى الله عليه وسلّم- نجّاه الله منهم بحفظه لله ولدينه.
  • الحلم والصبر والإحسان للناس.
  • ترك الشيء لله يُعوّض بمثله، فلمّا ترك أهل مكة ديارهم وأموالهم وأهليهم، أبدلهم الله خيراً منها؛ ففتح عليهم أسقاع الدنيا، وجعلهم قادةً في الأرض.
  • إنشاء الدول يحتاج إلى صبرٍ وعزمٍ وثباتٍ، واجتماع كلمة المسلمين يؤدي إلى رِفعة شأنهم.

المراجع

  1. ↑ أحمد مصطفى عبد الحليم (7-12-2010)، "أسباب ونتائج الهجرة النبوية"، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 15-9-2018. بتصرّف.
  2. ↑ سورة هود، آية: 40.
  3. ↑ "الهجرة النبوية الشريفة"، www.alukah.net، 5-11-2014، اطّلع عليه بتاريخ 15-9-2018. بتصرّف.
  4. ↑ محمد بن إبراهيم الحمد، "من دروس الهجرة النبوية"، www.saaid.net، اطّلع عليه بتاريخ 15-9-2018. بتصرّف.