-

متى فرض صيام شهر رمضان المبارك

(اخر تعديل 2024-09-09 11:28:33 )

شهر رمضان

جعل الله عزَّ وجلّ صيام شهر رمضان المبارك من أركان الاسلام الخمسة التي لا يصلح إسلام المرء إلاّ بالقيام بها على أتمِّ وجه؛ فقد قال رسول الله -عليه الصّلاة والسّلام-: (بُنِي الإسلام على خمس: شهادة أن لا إله إلاّ الله وأنّ محمداً رسول الله، وإقام الصّلاة، وإيتاء الزّكاة، وصوم رمضان، وحجّ البيت من استطاع إليه سبيلاً).[1]هذا وقد كان المسلمون يصومون قبل فرض صيام شهر رمضان عدداً من الأيام على شكل أيّامٍ مُتفرّقة، مثل صيام يوم عاشوراء، وصيام الأيام البيض؛ وهي ثلاثة أيام من كلّ شهر هجري (يوم الثّالث عشر، والرّابع عشر، والخامس عشر من الأشهر الهجريّة)، وقد كانت الشّعوب أيضاً قبل الإسلام تصوم ولكن ليس كالصّيام في هذه الأيام. قال الله عزَّ وجلّ: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ)؛[2] ففي هذه الآية الكريمة دلالة واضحة على أنَّ الصّيام كان موجوداً قبل الإسلام، وعندما جاء الإسلام أقرَّ الصّيام ولكن بهيئةٍ أُخرى، كما هو شأن كثير من الأمور التي كانت موجودةً قبل الإسلام وجاء الإسلام فأقرّها.

معنى صيام رمضان

  • الصّوم: هو الإمساك عن المأكل والمَشرب وكلّ شيء سكنت حركته فقد صام صوماً، قال النّابغة: خيلٌ صيام وخيل غير صائمة * تحت النّعاج وخيل تعلك الُلجَما.[3] الصّوم في الشّرع هو الإمساك عن الطّعام والشّراب والجِماع. قال أبو عبيد: كل مُمسك عن طعام، أو كلام أو سير فهو صائم.[4]
  • معنى رمضان لغة واصطلاحاً: الرَّمض: حرّ الحجارة من شدّة حرّ الشّمس، والاسم الرّمضاء. وأرض رَمضة بالحجارة. ومن هنا جاءت تسمية رمضان لكونه فُرِضَ في شدّة الحر.[5]

متى فُرِضَ شهر رمضان المبارك

مرّت الدّعوة الإسلاميّة منذ بداتها بمرحلتين أساسيّتين؛ هما المرحلة المكيّة التي كان التّركيز فيها على العقائد وترسيخ التّوحيد والقِيَم الإيمانيّة في نفوس المُؤمنين، أمّا المرحلة الأُخرى وهي المرحلة المدنيّة، فقد كان التّركيز فيها على الفرائض والحدود والأحكام العَمَليّة التطبيقيّة، ومن بين هذه الأحكام الصّوم، فكان هذا سبباً في تأخُّر فرض الصّيام إلى بعد هجرة النّبي عليه الصّلاة والسّلام؛ حيث فُرض صوم شهر رمضان المُبارك بعد تغيير القبلة من بيت المَقدس إلى الكعبة المُشرّفة بسنة ونصف؛ أي في العاشر من شعبان في السّنة الثّانية من الهجرة. وقد ورد عن النّبي -عليه الصّلاة والسّلام- أنّه صام تسعة رمضانات في تسع سنين.[7]

خصائص شهر رمضان المبارك

يتميّز شهر رمضان المبارك ويختصّ بجملةٍ من الفضائل التي تُميّزه عن غيره من الشّهور، ومن هذه الخصائص ما يأتي:[8]

  • نزول القرآن الكريم: حيث إنّ القرآن الكريم نزل في شهر رمضان، قال الله عزَّ وجلّ: (شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَىٰ وَالْفُرْقَانِ).[9] فقد نزل القرآن الكريم جملةً واحدةً من اللّوح المحفوظ إلى السّماء الدّنيا في شهر رمضان المُبارك وتحديداً في ليلة القدر، ثم بعد ذلك بدأ نزوله على مراحلَ أيضاً في شهر رمضان في غالب أحيانه، كما أنّه نزل في باقي الشّهور بحسب الحوادث، ولكن نزوله في شهر رمضان كان بشكلٍ أظهر وأخصّ.
  • وجوب صومه: يُعتَبر صوم شهر رمضان المُبارك من أركان الإسلام الخمسة، وشهر رمضان هو الشّهر الوحيد الذي يجب صومه كاملاً من بين شهور العام.
  • فيه ليلة القدر: في شهر رمضان المُبارك ليلة عظيمة، ليلة خير من ألف شهر كما قال الله عزَّ وجلّ: (لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ)،[10] فليلة القدر ليلةٌ نزل فيها القرآن الكريم، كما أنّ الله سبحانه وتعالى قد فضَّلها عن سائر ليالي العام، كما فضَّل يوم عرفة على باقي الأيام.
  • مُضاعفة ثواب الأعمال في هذا الشّهر: ففي هذا الشّهر العظيم يُضاعف الله عزَّ وجلّ الأجر والثّواب لعباده المؤمنين.

ثبوت هلال شهر رمضان المبارك

يثبُت شهر رمضان المبارك برؤية الهلال؛ فإن لم يُتمَكّن من رؤية الهلال وتعذّرت رؤيته لسبب من الأسباب، كوجود الغيم مثلاً، فإنَّ شهر رمضان يثبت بإتمام عدّة شهر شعبان ثلاثين يوماً، وهو قول الجمهور، وقد استدلّوا بحديث ابن عباس رضي الله عنهما أنّ النّبي عليه الصّلاة والسّلام قال: (صوموا لرؤيته، وأفطروا لرؤيته، فإن غبِّي عليكم فأكملوا عدّة شعبان ثلاثين).[11]

هذا وقد اختلف الفقهاء في أقل من تثبت رؤية الهلال بشهادتهم:[12]

  • ذهب الحنفيّة والشافعيّة والحنابلة إلى ثبوت شهر رمضان برؤية عدل واحد، وقد قَيَّد الحنفيّة رؤية عدل واحد بأن تكون السّماء فيها علّة، كالغيم والغبار، أمّا إذا زالت العلة فلا تثبت الرّؤية إلا بشهادة أكثر من واحد ممّن يُوثَق بعلمهم. وقد استدلّ القائلون بثبوت شهر رمضان بحديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما، قال: (تراءى النّاس الهلال، فأخبرتُ النّبي عليه الصّلاة والسّلام أني رأيته فصامه، وأمر النّاس بصيامه).[13]
  • ذهب المالكيّة،[15] وهو قول عند الشافعيّة، إلى أنّه لا يثبت شهر رمضان إلا برؤية عدلَين، واستدلوا بحديث الحسين بن الحارث الجدلي قال: (إنّ أمير مكّة (الحارث بن حاطب) قال: عهد إلينا رسول الله عليه الصّلاة والسّلام أن نُنسك للرّؤية، فإن لم نره وشهد شاهداً عدل نسكنا بشهادتهما).[16]

المراجع

  1. ↑ رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن عبد الله بن عمر، الصفحة أو الرقم: 8، صحيح.
  2. ↑ سورة البقرة، آية: 183.
  3. ↑ أبو الحسن علي بن إسماعيل بن سيده المرسي (1996)، المخصص (الطبعة الأولى)، بيروت: دار إحياء التراث العربي، صفحة 54، جزء 4.
  4. ↑ محمد بن أحمد بن محمد بن سليمان بن بطال الركبي (1988)، النَّظْمُ المُسْتَعْذَبُ فِي تفْسِير غريبِ ألْفَاظِ المهَذّبِ، مكة المكرمة: المكتبة التجارية، صفحة 169، جزء 1.
  5. ↑ الفراهيدي، العين، السعودية: دار ومكتبة الهلال، صفحة 39، جزء 7.
  6. ↑ أحمد بن محمد بن علي الفيومي ثم الحموي، المصباح المنير في غريب الشرح الكبير، بيروت: المكتبة العلمية، صفحة 238، جزء 1.
  7. ↑ د وهبة بن مصطفى الزحيلي، الفقه الإسلامي وأدلته (الطبعة الرابعة)، سورية: دار الفكر، صفحة 1629، جزء 3. بتصرّف.
  8. ↑ وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية - الكويت (1427هـ)، الموسوعة الفقهية الكويتية (الطبعة الثانية)، الكويت: طبع الوزارة، صفحة 142، جزء 23. بتصرّف.
  9. ↑ سورة البقرة، آية: 185.
  10. ↑ سورة القدر، آية: 3.
  11. ↑ رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن أبي هريرة، الصفحة أو الرقم: 1909، صحيح.
  12. ↑ أبو مالك كمال بن السيد سالم (2003)، صحيح فقه السنة وأدلته وتوضيح مذاهب الأئمة، القاهرة: المكبة التوقيفيه، صفحة 90، جزء 2. بتصرّف.
  13. ↑ رواه ابن حبان، في صحيح ابن حبان، عن عبد الله بن عمر، الصفحة أو الرقم: 3447، أخرجه في صحيحه.
  14. ↑ رواه ابن كثير، في إرشاد الفقيه، عن عبدالله بن عباس، الصفحة أو الرقم: 278/1.
  15. ↑ أبو محمد عبد الوهاب بن علي بن نصر الثعلبي البغدادي المالكي، المعونة على مذهب عالم المدينة «الإمام مالك بن أنس»، مكة المكرمة: المكتبة التجارية، مصطفى أحمد الباز ، صفحة 454، جزء 1.
  16. ↑ رواه أبو داود، في سنن أبي داود، عن عبدالله بن عمر ، الصفحة أو الرقم: 2338.