لماذا سميت غزوة بدر بهذا الاسم
غزوة بدر
بدأ الصراع بين الحقّ والباطل منذ أن صدع رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- بالدعوة إلى الإسلام في مكّة، ثمّ تفاقمت حدّة الصراع بين الكفر والإيمان بعد تأسيس المسلمين لدولتهم في المدينة المنورة، إذ إنّ قريش شعرت بعظم الأمر، وخطورته على وثنيتها فبدأت ببذل طاقتها لاجتثاث دولة الإسلام، وفي المقابل ردّ النبي -عليه الصلاة والسلام- على ذلك بالضغط عليهم بعدّة أساليبٍ؛ ليكفّوا عن الصدّ عن سبيل الله، والمكر بالمسلمين، وكان الأسلوب الأهم قطع طريق التجارة من خلال إرسال النبي -عليه الصلاة والسلام- للسرايا من حينٍ إلى آخرٍ، وبقي الأمر على ما هو عليه حتى وصلت أخبار إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، مفادها أن ثمّة قافلةٌ لقريشٍ عائدةٌ من الشام، فيها ألف بعيرٍ محمّلةٍ بالبضائع، فأمر المسلمين بالخروج إليها، وأخذها عوضاً عن أموالهم التي استولى عليه الكفّار في مكة بعد الهجرة، وليضعف بذلك اقتصادهم الذي طالما استعلوا به على الناس، مصداقاً لقول الله تعالى عنهم: (وَقَالُوا نَحْنُ أَكْثَرُ أَمْوَالًا وَأَوْلَادًا وَمَا نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ)،[1] فخرج رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- على رأس ثلاثمئة رجلاً تقريباً، وتخلّف عنه بعض الصحابة رضي الله عنهم؛ لأنّه لم يخرج للقتال أساساً، ولمّا وصلت الأخبار إلى أبي سفيان بن حرب، استأجر ضمضم الغفاري، وأرسله إلى مكة؛ ليستنفر قريش للخروج، والدفاع عن أموالهم، فانطلق الرجل إلى مكة مسرعاً، ولمّا وصل صرخ بأعلى صوته: (يا معشر قريش، اللطيمة اللطيمة أموالكم مع أبي سفيان قد عرض لها محمد في أصحابه، لا أرى أن تدركوها، الغوث الغوث)، فهبّت قريش عن بكرة أبيها، وأخذ أبو جهل يحثّ الناس على الخروج، فجمعوا جيشاً قوامه تسعمئةٍ وخمسين رجلاً، وتوجّهوا نحو المدينة عازمين على القضاء على المسلمين، ولمّا وصل الخبر إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، استشار أصحابه رضي الله عنهم، فكان رأي الأغلبية بالتصدّي لجيش قريش بغض النظر عمّا سيحلّ بهم، وكان من بين الذين تحدّثوا في ذلك الموقف المقداد بن الأسود -رضي الله عنه- فقال: (يا رسولَ اللهِ، واللهِ لا نقول كما قالت بنو إسرائيلَ لموسى عليه السلامُ: اذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ، ولكن واللهِ لو ضربْتَ أكبادَ الإبلِ حتى تبلُغَ بِرْكَ الغِمادِ؛ لكُنَّا معك)،[2] فاستبشر رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- بما سمع منهم، ثمّ قال: (سيروا على بركةِ اللهِ وأبشروا، فإنَّ اللهَ قد وعدني إحدَى الطَّائفتين، واللهِ لكأنِّي الآن أنظرُ إلى مصارعِ القومِ)،[3] وصدق رسول الله؛ فلمّا التقى الجمعان ما هي إلا ساعاتٍ حتى تمكّن المسلمون من رقاب الكفار، يقتلون فريقاً منهم ويأسرون آخراً، ونصر الله -تعالى- عباده المؤمنين في ذلك اليوم نصراً مؤزاً، وأذلّ الشرك وأهله، حيث قُتل سبعون من كبرائهم؛ منهم: أبو جهل، وأميّة بن خلف، وأُسر سبعون آخرون.[4]
سبب تسمية غزوة بدر بهذا الاسم
سُميت غزوة بدر بهذا الاسم نسبةً للموقع الذي دارت فيه أحداث المعركة، وهو بئر بدر الذي يقع بين مكة المكرمة والمدينة المنورة، ومن أسماء غزوة بدر يوم الفرقان؛ حيث إنّ الله تعالى فرّق فيها بين الحق والباطل، مصداقاً لقول الله تعالى: (وَما أَنزَلنا عَلى عَبدِنا يَومَ الفُرقانِ يَومَ التَقَى الجَمعانِ وَاللَّـهُ عَلى كُلِّ شَيءٍ قَديرٌ)،[5][6] ومن الجدير بالذكر أنّ اختيار موقع المسلمين في غزوة بدر تمّ بعد مشورة من الصحابي الجليل الحباب بن المنذر رضي الله عنه، فبعد أن نزل رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- بالمسلمين عند أدنى بئرٍ من آبار بدر، اقترح عليه الحباب بن المنذر تغيير الموقع، حيث قال: (أرأيتَ هذا المنزِلَ أمنزِلٌ أنزَلَكَه اللهُ ليس لنا أن نتقدَّمَه ولا نتأخَّرَه؟ أم هو الرَّأيُ، والحَربُ، والمكيدَةُ ؟ فقال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: بل هو الرَّأيُ والحَربُ والمكيدَةُ، قال: فإن هذا ليس بمنزِلٍ، انطلِقْ بنا إلى أدنى ماءِ القومِ)،[7] فلمّا نزل المسلمون أدنى ماء بدر كانوا يشربون منه، بينما لا يستطيع جيش قريش الوصول إلى الماء.[8]
الدروس المستفادة من غزوة بدر
ثمّة عددٍ من الدروس المستفادة من يوم بدر، وفيما يأتي بيان بعضها:[9]
- عظم مكانة غزوة بدر وأهميتها: فقد ذكرها الله تعالى في كتابه العزيز، وسمّاها بالفرقان، وممّا يدل على عظم قدر تلك الغزوة قول رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: (لعل اللهَ اطلع إلى أهل بدرٍ فقال: اعملوا ما شئتُم، فقد وجبتْ لكم الجنةُ).[10]
- الموازين الغيبية تفوقت على الموازين المادية في غزوة بدر: حيث كان المسلمون قلّةً مستضعفين، وكان الكفار كثرة، وكلّ العوامل المادية تصبّ في مصلحتهم، وتدلّ على أنّ الهزيمة الساحقة ستحلّ بالمؤمنين، حتى قال بعض المنافقين في ذلك اليوم عن عباد الله المؤمنين: (غَرَّ هـؤُلاءِ دينُهُم)،[11] حيث كانوا يرون أنّ قتال المؤمنين للكفار إقدامٌ على الانتحار، ومهلكةٌ للنفس، ولكنّ الله -تعالى- شاء أن تنقلب الموازين، وتنتصر القلّة على الكثرة، مصداقاً لقول الله تعالى: (كَم مِّن فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّـهِ وَاللَّـهُ مَعَ الصَّابِرِينَ).[12]
- الكبر والغرور سبب في هلاك أصحابه: فعندما غيّر أبو سفيان الطريق، ونجت قافلة قريش، أرسل إلى قريش وأخبرهم بأن قافلتهم قد نجت فلا داعي لملاقاة المسلمين، ولكن أبا جهل رفض ذلك، وقال بكلّ غرورٍ، وغطرسةٍ: (والله لا نرجع حتى نَرِد بدراً، فنقيم عليه ثلاثاً، ننحَر الجزُر ونُطعم الطعام، ونسقي الخمر، وتَعزف علينا القِيَان، وتسمع بنا العرب، فلا يَزالون يهابوننا أبداً، فامضوا).
المراجع
- ↑ سورة سبأ، آية: 35.
- ↑ رواه الألباني، في السلسلة الصحيحة، عن أنس بن مالك، الصفحة أو الرقم: 3340، إسناده صحيح.
- ↑ رواه أحمد شاكر، في عمدة التفاسير، عن عبد الله بن عباس، الصفحة أو الرقم: 2/103، أشار في المقدمة إلى صحته.
- ↑ "وقفات مع غزوة بدر، يوم الفرقان"، ar.islamway.net، اطّلع عليه بتاريخ 3-11-2018. بتصرّف.
- ↑ سورة الأنفال، آية: 41.
- ↑ articles.islamweb.net، اطّلع عليه بتاريخ 3-11-2018. بتصرّف.
- ↑ رواه ابن العربي، في أحكام القرآن، الصفحة أو الرقم: 1/391، ثابت.
- ↑ "تأملات في موقف من غزوة بدر"، islamonline، اطّلع عليه بتاريخ 3-11-2018. بتصرّف.
- ↑ "دروس من غزوة بدر الكبرى"، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 2-11-2018. بتصرّف.
- ↑ رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن علي بن أبي طلب، الصفحة أو الرقم: 3983، صحيح.
- ↑ سورة الأنفال، آية: 49.
- ↑ سورة البقرة، آية: 249.