أبو الطيِّب هو الشاعرُ الشهيرُ أحمدُ بنُ الحسينِ بنُ عبدِ الصمد الجعفيّ المعروفُ بالمُتنبّي، ويُعرَفُ أيضاً بالكوفيّ الكنديّ؛ لأنّه وُلِد في حيّ كندةَ الواقعِ في الكوفة، وذلك في العامِ ثلاثمئةٍ وثلاثةٍ للهجرة، وقد كرّسَ المتبني حياتَه للترحالِ، وطلبِ العِلم، وأبدى اهتماماً كبيراً بالنحو، وعلومِ اللغة العربيّة، والشِّعر، وبقِيَ على ذلك إلى أن تُوفِّيَ يومِ الأربعاءِ من شهرِ رمضانَ من عامِ ثلاثمئةٍ وأربعةٍ وخمسين للهجرة.[1]
نشَأَ أبو الطيِّب، وترعرعَ في الكوفة، واهتمَّ به والده؛ فأرسلَه لطلبِ العلمِ في القبائلِ البدويّة، حيث كان فَطِناً ذكيّاً يُحبُّ العلمَ؛ فدرسَ علومَ اللغة العربيّة، والنحوَ، ونَظمَ الشِّعر -كما ذُكِر سابقاً-، بالإضافة إلى أنّه حَفِظ القرآنَ الكريمَ، ولازمَ الورّاقين، وأخذَ العلمَ من دفاترِهم، وأراد أن يستزيدَ في علمِه؛ فلم يترك باباً من أبوابِ الكُتبِ إلّا نظرَ في مضمونِه، وما يحتويه من علومِ اللغة، والمنطقِ، والفلسفةِ، والأدبِ، وتجدر الإشارة إلى أنّ المُتنبّي درسَ على يدِ كبارِ عُلماءِ عَصرِه، أمثال: الأخفَشِ، وابنِ السراجِ، والزجّاجِ، وأبي علي الفارسيّ، وغيرهم، كما كان يتردّدُ باستمرارٍ على الحضرِ التي أخذَ منها الثقافةَ، والعلمَ، والباديةِ التي اكتسبَ منها الصلابةَ، ونزعةَ القبائلِ البدويّة.[1]
بعدَ أن أتمَّ أبو الطيّب نشأتَه العلميّة في الكوفة توجّه إلى الشامِ، وتحديداً إلى مدينة اللاذقية في العامِ ثلاثمئةٍ وعشرين للهجرة، إلّا أنّه تعرَّضَ فيها للسجنِ، وظلَّ فيه مُدةً إلى أن أُطلِق سراحُه، وفي العامِ ثلاثمئةٍ وسبعةٍ وعشرين للهجرة التقى المُتنبّي سيفَ الدولة الحمدانيّ في حلبَ، وتقرَّبَ منه، ومدحَه بأشعارِه، حتى أصبحَ نديمَه في حلبَ، ولم يُعجِب ذلك الحُسّادَ، والحاقدين؛ فأفسدوا العلاقة بينهما، وتحقّقَ لهم مرادُهم؛ حيثُ تركَ المُتنبّي حلبَ، وانتقلَ إلى دمشقَ، ومنها إلى مِصرَ، ولم يُحقِّق له حاكمُها كافورُ ما كان يصبو إليه، فعادَ إلى الكوفةِ في العامِ ثلاثمئةٍ وواحدٍ وخمسين للهجرة، ومنها انتقلَ إلى مدينةِ بغدادَ، ثمّ توجّهَ إلى بلادِ فارس، وعادَ مُجدَّداً إلى بغدادَ التي قُتِل على مَقرُبة منها على يدِ فاتك الأسديّ.[2]
وضعَ المُتنبّي قبلَ وفاتِه ديواناً شعريّاً كبيراً ضمّنَ فيه نحو 5,490 بيتاً شعريّاً، إلّا أنّ هذا الديوان لم يحوِ شعره كلّه، وقد تطرَّقَ المُتنبّي في شعرِه إلى مُختلَفِ أبوابِ الشِّعر، وأغراضِه؛ فقد استخدمَ المدحَ في نحو مئة واثنتي عشرة قصيدةً، وكذلك الرثاء بفُقدانِ الأحبّةِ، وغلبةِ الموتِ، والهجاء في نحو مئتي بيتٍ، كما استخدمَ الوصفَ، والغزلَ، والفخرَ، ورفضَ الظلم، والحكمةَ، وغيرَها من الأغراضِ الشعريّة.[3]