الخصائص العامة للإسلام

الخصائص العامة للإسلام
(اخر تعديل 2023-08-06 01:31:13 )

الإسلام

أراد الله -عز وجل- أن يكون الإسلام كلمته الباقية للناس كافّة إلى يوم القيامة، فقال جلّ جلاله: (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا)،[1] فاختار الله -تعالى- هذا الدين وجعله الدين الأشرف والأفضل والأكمل، وجعل الشريعة التي جاء بها حاكمةً على الشرائع السابقة ومهيمنةً عليها، وحتى تتحقّق هذه الخاتميّة للإسلام كان لا بد أن يتصف بصفاتٍ ويتميّز بخصائص تُعطي له الصلاحيّة لكل زمانٍ ومكان.[2]

خصائص الإسلام

الخصائص باللغة جمع خصيصة، ويقال: اختص فلان بالأمر إذا انفرد به، وقال الراغب: "التخصيص والاختصاص والخصوصية والتخصص: تفرد بعض الشيء بما لا يشاركه فيه الجملة"، فالمراد بخصائص الإسلام: المميزات والصفات التي ينفرد بها الإسلام عن غيره من الشرائع والمناهج الأخرى،[3] وسيتم توضيح كل خصيصة من هذه الخصائص فيما يأتي.

الربانية

تعني الربانية أن الدين الإسلامي هو من عند الله تعالى، وأن مصدره هو القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة، وأنه الدين الذي ارتضاه الله -سبحانه- للعالمين،[3] وقد جاء الأمر بأن نكون ربانيين في قوله تعالى: (وَلَـٰكِن كُونُوا رَبَّانِيِّينَ بِمَا كُنتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتَابَ وَبِمَا كُنتُمْ تَدْرُسُونَ)،[4] ويظهر من التعريف أن المقصود بالربانية وجهين:

  • الربانية في الغاية والوِجهة: أي أن الإسلام يجعل غاية الإنسان وهدفه بالحياة هو: مرضاة الله تعالى، وحسن الصلة به، ونيل الثواب على ذلك، قال تعالى: (وَأَنَّ إِلَى رَبِّكَ الْمُنتَهَى).[5][6]
  • الربانية في المصدر والمنهج: أي أن مصدر المنهج الذي اختاره الإسلام للوصول إلى غاياته وأهدافه، هو وحي الله تعالى إلى نبيه الكريم، أي أنه مصدر رباني خالص، ومن الآيات التي توضح ذلك قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَكُم بُرْهَانٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَأَنزَلْنَا إِلَيْكُمْ نُورًا مُّبِينًا).[7][8]

الشمولية

من أهم خصائص الدين الإسلامي الشمول والكمال، ويظهر هذا الشمول في أمور كثيرة منها:[9]

  • الشمول في العقيدة: التي من شأنها أن تعطي المسلم تصوراً واضحاً عن الإنسان ونشأته ومصيره، وعلاقته بخالقه، وعن الكون والحياة والغيب.
  • الشمول في الشريعة من حيث اعتنائها بالإنسان: فهي تصاحبه في جميع مراحله العمرية، وتهتم بجوانب حياته المختلفة، وتركيبته المعقدة من الروح والعقل والجسد، ومن حيث اعتنائها بالمجتمع في مجالاته المختلفة.
  • الشمول في الشريعة من حيث شمولها لكل القوانين التي وضعها البشر: كالقانون الدستوري، والمدني، والمالي، والجنائي، والدولي.

الوسطية

أي "العدل والفضل والخيرية والتوازن، فالإسلام دين الوسط في كل الأمور عقيدة وشريعة وأخلاق، وهو وسط بين غلو الديانات الأخرى وتفريطها، وهو وسط يجمع بين مطالب الروح والجسد والفرد والمجتمع، فلا يُغَلِّب جانباً على آخر إلا بما يتناسب مع صلاح الروح وسلامة الجسد وفلاح الفرد وإصلاح المجتمع"،[3] ومن مظاهر الوسطية في الإسلام ما يأتي:[10]

  • الوسطية في التيسير على الناس: فالإسلام دين ميَسّر لا يكلف الناس بما لا يطيقون، ولا يوقعهم في الحرج، ولا يكلفهم فوق طاقتهم، ومن مظاهر هذا التيسير؛ تيسير كتاب الله تعالى للقراءة والحفظ والفهم، وتيسير سنة النبي محمد -صلى الله عليه وسلم- وأنه جاء رحمةً للعالمين، ولم يأت مشدداً على الناس.
  • الوسطية في أصول الدين وعقائده: فأصول الدين مطلوباتها ميسّرة، وأركان الإيمان واضحة، والدلائل على ذلك ظاهرة في الكتاب والسنة وفي ملكوت الله بالسماوات والأرض وسائر المخلوقات.
  • الوسطية في أحكام الشرع وفروعه: فقد راعى الإسلام أحوال المسلمين من الصحة والسقم، والإقامة والسفر، والاختيار والاضطرار، فجميع أحكام الإسلام مرتبطة بالاستطاعة، وتسقط أو تخفّف عند عدم الاستطاعة، ويظهر ذلك جلياً في معظم العبادات: كإباحة التيمم للطهارة عند فقد الماء، والصلاة قاعداً أو على جنْب لمن لا يستطيع الصلاة قائماً، ورخصة الفطر في رمضان للمسافر والمريض، وغيرها.
  • الوسطية في مراعاة متطلبات الروح والجسد: فلا يأمر الإسلام المسلم أن يَحْرم نفسه مما أحله الله له، بل يأمره بفعل بعض الأمور، ويترك له الحرية في فعل المباحات، ويراعي أن الإنسان مخلوق من جسد وروح، ولكل منهما حقه، قال تعالى في قصة قارون مع قومه: (وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ ۖ وَلَا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا).[11]
  • الوسطية في محبة الخير للناس: فمن المعروف أن خير الناس أنفعهم للناس، وأن من الإيمان أن يحب المسلم لأخيه المسلم ما يحبه لنفسه، وأن يحب الخير ويأمر بالمعروف ويتعايش ويتعاون مع كل الناس.

الواقعية

قال الدكتور توفيق محمد سبع: "الواقعية نسبة إلى الواقع الذي عليه الإنسان، والذي عليه الحياة، والذي عليه الكون كله"،[12] وتظهر واقعية الإسلام في جوانب مختلفة أهمها:

  • واقعية الإسلام في الوجود: والتي تظهر من خلال مراعاته للعالم المادي المشاهد، والإيمان بالعالم الغيبي الروحي.[13]
  • واقعية الإسلام في الحياة: والتي تظهر من خلال اعتباره أن الحياة الدنيا وسيلة للحياة الآخرة، وأنه ليس هناك طريق للآخرة إلا ويمر بالدنيا، وجعل الحياة الدنيا بمثابة مزرعة للآخرة، قال تعالى في محكم كتابه: (فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ* وَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ).[14][13]
  • واقعية الإسلام في نظرته للإنسان: والتي تظهر من خلال النظر للإنسان على أنه مكون من مادة وروح، قال تعالى: (إِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي خَالِقٌ بَشَرًا مِّن طِينٍ* فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ)،[15] وأن لكل منهما مطالب ونوازع، يجب تلبيتها وإشباعها بطرق شريفة تناسب مجد الإنسان وكرامته.[13]

الوضوح

إن الوضوح من خصائص الإسلام العامة، سواء كان يتعلق بالأصول أو المصادر أو القواعد أو الوسائل، وبيان ذلك فيما يأتي:[16]

  • الوضوح في العقائد: أي أن دعائم الإسلام الكبرى واضحة للجميع، مثال ذلك:
  • الوضوح في مصادر التشريع: فمن مظاهر وضوح الإسلام أن مصادره محددَّة، وهي: كتاب الله تعالى، وسنة نبيه محمد صلى الله عليه وسلم.
  • الوضوح في الأهداف والغايات: فغاية الإسلام واضحة لكل مسلم؛ وهي إخراج الناس من الظلمات إلى النور.
  • وضوح عقيدة التوحيد: فتوحيد الله تعالى لا يخفى على أي مسلم مهما كان جنسه أو لونه، لذلك كانت رسالة سيدنا محمد -صلى الله عليه وسلم- لملوك الأرض: (قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَىٰ كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلَا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلَا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِّن دُونِ اللَّهِ).[17]
  • وضوح الجزاء الأخروي: فلا يخفى على مسلم أن هناك دار لمثوبة الأبرار؛ وهي الجنة، ودار لمعاقبة الفجار؛ وهي النار، وأن مصير كل إنسان حسب ما تشهد له صحيفة أعماله وموازينه بما عمل وكسب، قال تعالى: (فَمَن ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ* وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَٰئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنفُسَهُمْ فِي جَهَنَّمَ خَالِدُونَ).[18]
  • وضوح الشعائر التعبدية: حيث أنه يكاد كل مسلم يحفظ الحديث النبوي المشهور المتفق عليه: (بُنِيَ الإسْلَامُ علَى خَمْسٍ: شَهَادَةِ أنْ لا إلَهَ إلَّا اللَّهُ، وأنَّ مُحَمَّدًا رَسولُ اللَّهِ، وإقَامِ الصَّلَاةِ، وإيتَاءِ الزَّكَاةِ، والحَجِّ، وصَوْمِ رَمَضَانَ).[19]
  • وضوح الأصول الأخلاقية: فلا يكاد يجهل مسلم أن الإسلام أمر بالعدل والإحسان، وإيتاء ذي القُربى، ونهى عن الفحشاء والمنكر والبغي.

المراجع

  1. ↑ سورة المائدة، آية: 3.
  2. ↑ إسلام ويب (11-1-2014)، "واقعيّة الشريعة الإسلامية"، articles.islamweb.net، اطّلع عليه بتاريخ 3-3-2019. بتصرّف.
  3. ^ أ ب ت د إبراهيم الريس (22-12-2007)، "الخصائص العامة للإسلام"، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 28-2-2019. بتصرّف.
  4. ↑ سورة آل عمران، آية: 79.
  5. ↑ سورة النجم، آية: 42.
  6. ↑ د يوسف القرضاوي (1977)، الخصائص العامة للإسلام (الطبعة الأولى)، القاهرة: مؤسسة الرسالة، صفحة 7. بتصرّف.
  7. ↑ سورة سورة النساء، آية: 174.
  8. ↑ د يوسف القرضاوي (1977)، الخصائص العامة للإسلام (الطبعة الأولى)، القاهرة: مؤسسة الرسالة، صفحة 39. بتصرّف.
  9. ↑ د عمر سليمان الأشقر (1994)، نحو ثقافة إسلامية أصيلة (الطبعة الأولى)، عمان-الأردن: دار النفائس، صفحة 49. بتصرّف.
  10. ↑ أحمد عماري (10-10-2015)، "التوسط والاعتدال (1) مفهوم الوسطية ومعالمها"، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 6-3-2019. بتصرّف.
  11. ↑ سورة القصص، آية: 77.
  12. ↑ زياد لوبانغا (2005)، واقعية التشريع الإسلامي وآثارها (الطبعة الأولى)، الرياض: جامعة الإمام محمد بن سعود، صفحة 75، جزء 1. بتصرّف.
  13. ^ أ ب ت زياد لوبانغا (2005)، واقعية التشريع الإسلامي وآثارها (الطبعة الأولى)، الرياض: جامعة الإمام محمد بن سعود، صفحة 79-84، جزء 1. بتصرّف.
  14. ↑ سورة الزلزلة، آية: 7،8.
  15. ↑ سورة ص، آية: 71-72.
  16. ↑ د يوسف القرضاوي (1977)، الخصائص العامة للإسلام (الطبعة الأولى)، القاهرة: الرسالة، صفحة 213-226. بتصرّف.
  17. ↑ سورة آل عمران، آية: 64.
  18. ↑ سورة المؤمنون، آية: 102-103.
  19. ↑ رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن عبد الله بن عمر، الصفحة أو الرقم: 8، صحيح، واللفظ له.