كيف نعرف أن الله يحبنا

كيف نعرف أن الله يحبنا
(اخر تعديل 2023-08-06 01:31:13 )

حبّ الله لعبده

إنّ حُبّ الله لعباده مزيّةٌ عظيمةٌ يمتنّ بها على من يشاء منهم، ولا شكّ أنّها علمٌ من الغيب، لا يمكن لأحدٍ أن يتيقّن منها في حياته، لكنّ الله تعالى جعل لهذه المحبّة علاماتٍ تدلّ عليها، ولا شكّ أنّ العبد يتوجّه نحو ربّه بالمحبّة، والمسارعة في إرضائه كذلك، ويبقى ملازماً لهذا حتى يصدق في مقاله، فينال حبّ الله تعالى له، ومن علامات حبّ العبد لربّه أن يحبّ لقائه، فالنبيّ -عليه السلام- يقول: (من أحبَّ لقاءَ اللهِ أحبَّ اللهُ لقاءَه)،[1] وكذلك فهو يأنس به وبذكره، ودليل ذلك أُنسه بتلاوة كتابه الكريم، وبخلواته معه، واستيائه إن اضطر لقطع هذه الجلسات، ومن دلائل محبّة العبد لربّه أن يصبر على المكاره التي يلاقيها في حياته، فبالصبر يتبيّن الحُبّ الحقيقيّ من الحُبّ المزعوم من العباد، ومن دلائل المحبّة كذلك أن يكون تفضيل العبد لما يحبّه ربه، وبغضه لما يبغض ربه، وأن يغار على حُرمات الله سبحانه إن انتُهكت.[2][3]

ومن دلائل محبّة العبد لربّه أيضاً أن يتأسف العبد على ما فاته من طاعاتٍ، وحسناتٍ وذكرٍ لله تعالى، فإن فاته شيءٌ من أوراده ونوافله كان ضيقه وهمّه أكبر ممّا لو سُرق منه أحد متاعه، أو فاته لسببٍ أو لآخرٍ، والعبد المحبّ لربه يستقلّ في حقّه أيّ قربةٍ يتقرّب بها إليه، ويتميّز بأنّه متّبعٌ لسنّة نبيه محمدٍ -صلّى الله عليه وسلّم- في الظاهر والباطن، في العبادات والأخلاق والسلوك وغير ذلك، فإنّ اتّباع النبيّ من دلائل حُبّ الله تعالى، فقد قال الله تعالى: (قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ).[4][2]

علامات حبّ الله للعبد

ذكر العلماء مجموعةً من دلائل حبّ الله تعالى لعبده، فقال أبو طالب المكي في كلامٍ طويلٍ: (كن محبّاً للخير وأهله، مجانباً للشر وأهله، مسارعاً إلى ما ندب إليه، أو أُمر به إذا قدر عليه، حزيناً على ما فات من ذلك إذا أعجزه، تاركاً لما لا يعنيه من الأقوال والأفعال، بريئاً من التكلُّف؛ وهو اجتناب ما لم يؤمر به ولم يندب إليه مِن تركٍ وفعلٍ، مُصلياً للخمس في جماعةٍ إذا أمِن الفتنة وسلِم له دينُه، ومجتنباً للغيبة ولذكر الناس، يحبُّ للكافة ما يحب لنفسه، ويَكره لهم ما يكره لنفسه، ومسارعاً إلى الخيرات، مسابقاً إلى أعمال البرّ والقُربات، طويل الصمت، ليِّنَ الجانب، ذليلاً للمؤمنين، عزيزاً على المتكبرين، لا يماري في الباطل، ولا يداهن في الدين)،[3]وقال الإمام الغزاليّ: (وأمّا الفعل الدال على كونه محبوباً، فهو أن يتولى الله تعالى أمره؛ ظاهرَه وباطنه، سرَّه وجهره، فيكون هو المشير عليه، والمدبّر لأمره، والمزيِّن لأخلاقه، والمستعمل لجوارحه، والمسدِّد لظاهره وباطنه، والجاعل همومَه همّاً واحداً، والمُبغِّض للدنيا في قلبه، والموحش له من غيره، والمؤنس له بلذّة المناجاة في خَلواته)، وفي مختصر القاصدين قال المقدسيّ: (ومن أقوى العلامات: حسن التدبير له، يربّيه من الطفولة على أحسن نظامٍ، ويكتب الإيمان في قلبه، وينوِّر له عقله، فيتبع كلّ ما يُقربه، ويَنفّر عن كلّ ما يبعد عنه، ثمّ يتولاه بتيسير أموره، من غير ذلٍّ للخلق، ويسدِّد ظاهرَه وباطنه، ويجعل همَّه واحداً، فإذا زادتِ المحبةُ، شَغَلَهُ به عن كلّ شيءٍ).[3]

وفي تلخيص ما قال العلماء، وجعل ذلك مع أدلّةٍ من القرآن الكريم، والسنّة النبوية، يُذكر أنّ من علامات حبّ الله لعبده ما يأتي:[3]

  • خفض الجناح للمؤمنين، والعزّة أمام الكافرين، والجهاد في سبيل الله، حيث قال الله تعالى: (فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ).[5]
  • وضع القبول له في الأرض بين الناس، فقد قال الله تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَنُ وُدًّا).[6]
  • وصايةٌ من الله للعبد، تحميه من فتنة الدنيا، فالنبيّ -عليه السلام- يقول: (إذا أحَبَّ اللهُ عبداً حماه الدُّنيا كما يظَلُّ أحَدُكم يَحمي سقيمَه الماءَ).[7]
  • إنزال بعض الابتلاءات، والاختبارات عليه، فإن صبر واحتسب رفعه الله تعالى فصار من المصطفين له، وأهلٌ لمحبّته، فقد قال النبيّ عليه السلام: (إنَّ عِظَمَ الجزاءِ مع عِظَمِ البلاءِ، وإنَّ اللهَ تعالَى إذا أحبَّ قوماً ابتلاهم، فمن رضِي فله الرِّضا ومن سخِط فله السُّخطُ).[8]
  • استجابة دعائه، وتحقيق مراده، فيقول النبيّ عليه السلام: (إنَّ مِن عِبادِ اللهِ مَن لو أَقسَم عَلى اللهِ لَأَبرَّه).[9]

أسباب نيل محبّة الله تعالى

صنّف ابن القيّم في كتابه مدارج السالكين عشرة أسبابٍ إن أتاها العبد نال محبّة الله تعالى له، فيما يأتي ذكرٌ لها كما ذكرها ابن القيم رحمه الله:[10]

  • قراءة القرآن، وتدبّره، وفهم معانيه، والبحث في أحكامه والمراد منه حين أنزله الله تعالى على عباده.
  • الإكثار من النوافل التي تقرّب إلى الله سبحانه، وتُوصل العبد إلى مراتبٍ عليا في عين الله تعالى.
  • ملازمة ذكر الله تعالى على كلّ الأحوال؛ ذكرٌ في كلٍّ من القلب والجوارح واللسان، فإنّ العبد ينال منزلةً عند ربه بقدر ذكره له سبحانه.
  • إيثار ما يحبّ الله تعالى وما يُرضيه، على ما يحبّه العبد ويفرح به.
  • دوام النظر في أسماء الله تعالى الحسنى، وصفاته العُلا، ودوام التفكّر فيها، وتدبّرها، وإسقاطها على مواقف الإنسان وحياته، فمن فهم أسماء الله تعالى، وصفاته، وعاش بها أحبّ اللهَ سبحانه، وأحبه الله سبحانه.
  • دوام النظر في نعم الله تعالى على العبد، وتفضيله له، وإكرامه بالكثير من الآلاء، والبرّ، والإكرام، فإنّ ذلك من دواعي محبّة العبد لله، ومحبة الله للعبد.
  • انكسار القلب، وتواضعه بين يدي الله سبحانه.
  • الحرص على الخلوة بين العبد وربّه، واغتنام هذه الاوقات في مناجاته وتلاوة كتابه، والتأدّب بأدب العبوديّة بين يديه، وإتمام ذلك بالاستغفار والتوبة من كلّ ذنبٍ.
  • ملازمة أهل الصلاح، والخير، ومجالستهم، والتفكّر في كلامهم، والانتفاع به، وعدم الإكثار من الكلام إلّا لفائدةٍ.
  • المباعدة بين العبد وبين كلّ ما يبغضُ الله سبحانه، أو يظنّ العبد أنّ فيه حائلاً بين قلبه وبين حبّ ربه.

المراجع

  1. ↑ رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن أبي موسى الأشعري، الصفحة أو الرقم: 6508، صحيح.
  2. ^ أ ب "محبة الله قوت القلوب"، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 2018-12-19. بتصرّف.
  3. ^ أ ب ت ث "علامات محبة الله للعبد"، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 2018-12-20. بتصرّف.
  4. ↑ سورة آل عمران، آية: 31.
  5. ↑ سورة المائدة، آية: 54.
  6. ↑ سورة مريم، آية: 96.
  7. ↑ رواه ابن حبان، في صحيح ابن حبان، عن قتادة بن النعمان، الصفحة أو الرقم: 669، صحيح.
  8. ↑ رواه المنذري، في الترغيب والترهيب، عن أنس بن مالك، الصفحة أو الرقم: 4/223 ، إسناده حسن أو صحيح أو ما قاربهما.
  9. ↑ رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن أنس بن مالك، الصفحة أو الرقم: 2703، صحيح.
  10. ↑ "عشرة أسباب تجلب محبة الله تعالى "، www.ar.islamway.net، اطّلع عليه بتاريخ 2018-12-20. بتصرّف.