كيف تقضى صلاة الوتر

كيف تقضى صلاة الوتر
(اخر تعديل 2023-08-06 01:31:13 )

حكم صلاة الوتر

يُعرف الوتر بأنّه ختم صلاة الليل بركعة وهو من عبادات التطوع، واختلف العلماء في حكم الوتر؛ فقال بعضهم بالوجوب، في حين ذهب البعض الآخر إلى أنّه ليس بواجب، وقد استدلّ أصحاب هذا الرأي بأنّ الله تعالى فرض خمس صلوات فقط، وهذا وارد في سنّة الرسول عليه الصلاة والسلام فحين سأله رجلٌ عن الصلوات الخمس بقوله: هل عليّ غيرها؟ ردّ عليه السلام: (لا إلا أن تَطَوَّعَ)،[1] أمّا جماعةٌ آخرين فصّلوا برأيهم فقالوا: من كان له ورد من الليل وجب عليه الوتر، ومن لم يكن له فليس واجباً وهذا اختيار شيخ الإسلام إذ قال إنّ الوتر واجبٌ على من له ورد من الليل يُصليه فإنّه مستدل بقول النبي: (اجْعَلوا آخِرَ صلاتِكُم وِتْرًا)،[2] وبقول علي رضي الله عنه: (إنَّ اللهَ وِترٌ يحبُّ الوِترَ، فأوتِروا يا أهلَ القرآنِ)،[3] فأهل القرآن يجتهدون في الليل ويقرؤون القرآن.[4]

على الرغم من الاختلاف الذي بيّناه إلا أنّ جمهور أهل العلم يُجمع على أنّ الوتر سنّة وليس بواجب مطلقاً، وأنّ الأوامر الواردة فيه تُحمل على الاستحباب، فما ذُكر فيه أنّه حقٌّ يُحمل على التأكيد؛ فالنصوص الأخرى صريحة بأنّه لا يجب على المسلم إلا خمس صلواتٍ فقط، فالوتر سنّة مؤكّدة لا ينبغي للإنسان تركه، حتى قال الإمام أحمد: من ترك الوتر فهو رجل سوءٍ لا ينبغي أن تُقبل له شهادة، وقول (لا ينبغي) هنا دليل على أنّه أمر مؤكّد؛ لأنّه لا خير في رجلٍ يترك الوتر وهو ركعة واحدة فقط.[4]

وقت صلاة الوتر

أجمع العلماء على أنّ وقت الوتر لا يدخل إلا بعد صلاة العشاء وأنّه يمتد إلى الفجر،[5] فعن عبدالله بن أبي قيس قال: (سألتُ عائشةَ عن وِترِ رسولِ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ كيفَ كانَ يوترُ من أوَّلِ اللَّيلِ أو مِن آخرِه؟ فقالَت: كلُّ ذلِك قد كانَ يصنَعُ ربَّما أوترَ من أوَّلِ اللَّيلِ وربَّما أوترَ مِن آخرِه قُلتُ الحمدُ للَّهِ الَّذي جعلَ في الأمرِ سَعةً)،[6] وإذا أوتر المصلِّي قبل العشاء لم يَصحّ وتره، وقال الثوريُّ وأبوحنيفة: إن صلّاه قبل العشاء ناسيًا لم يُعِده، وخالفه صاحباه فقالا: يُعيد. وكذلك قال مالك والشافعي؛ لأنّه صلّاه قبل وقته، فأشبه ما لو صلّى نهارًا، وإن أخرّ الوتر حتى يطلع الصبح فاته الوقت وصلّاه قضاءً.[7]

في صلاة الوتر يستحب التعجيل لمن ظنّ أنّه لا يستيقظ آخر الليل وتأخيرها لمن ظنّ أنّه يستيقظ آخره، فعن جابر بن عبدالله أنّ النبي صلى الله عليه وسلّم قال: (مَن خافَ منكُم أن لا يستيقظَ من آخرِ اللَّيلِ، فليوتر مِن أوَّلِ اللَّيلِ ثمَّ ليرقُدْ، ومن طمعَ منكم أن يستيقظَ من آخرِ اللَّيلِ، فليوتِرْ من آخرِ اللَّيلِ، فإنَّ قراءةَ آخرِ اللَّيلِ محضورةٌ، وذلِكَ أفضَلُ)،[8] محضورةٌ: أي تحضرها الملائكة، وقد نقل عن النبي أنّه كان يوتر وقت السحر لأنّه الأفضل لما تقدم وقد رُوي عن مسروق أنّه قال: (قُلتُ لعائشةَ متى كان يوترُ رسولُ اللهِ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ قالت كلُّ ذلك قد فعلَ أوترَ أوَّلَ الليلِ ووسطَه وآخرَه ولكن انتهى وِترُه حين مات إلى السَّحَرِ)،[9] ومع هذا فقد وصّى بعض أصحابه بألا ينام إلا على وتر فكان سعد ابن أبي وقاص يصلِّي العشاء الآخرة في مسجد رسول الله ثم يوتر بواحدة ولا يزيد عليها، فقيل له: أتوتر بواحدة لا تزيد عليها يا أبا إسحاق؟ قال: نعم، إنّي سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلم قال: (الَّذِي لا ينامُ حتى يوتِرَ، حازِمٌ)،[10] فدّل ذلك على ضرورة الأخذ بالحيطة والحزم في أداء الوتر في أيّ وقت رغب به المرء وعلى أهميّة عدم تركها.[5]

عدد ركعات صلاة الوتر وكيفيتها

رُوي عن النبي الوتر بثلاث عشر ركعة، وإحدى عشرة ركعة، وتسع، وسبع، وخمس، وثلاث، وواحدة، ومعنى رُوي أي أنّه كان يُصلِّي من الليل، وقد نُسبت صلاة الليل إلى الوتر، فجاء عن عائشة رضي الله عنها حين سُئلت بِكَم كانَ رسولُ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ يوترُ؟ قالت: (كانَ يوترُ بأربعٍ وثلاثٍ وستٍّ وثلاثٍ وثمانٍ وثلاثٍ وعشرٍ وثلاثٍ ولم يَكُن يوتِرُ بأنقصَ من سبعٍ ولا بأكْثرَ من ثلاثَ عَشرةَ)،[11] أما في كيفية صلاة الوتر فيجوز أداؤها ركعتين ثمّ صلاة ركعة بتشهّد وسلام، كما يجوز صلاة الكل بتشهدين وسلام، فيصل الركعات بعضها ببعض من غير أن يتشهّد إلا في الركعة قبل الأخيرة فيتشهد فيها ثمّ يقوم إلى الركعة الأخيرة، فيُصلِّيها ويتشهّد فيها ويُسلِّم، ويجوز أداء الكل بتشهد واحد وسلام في الركعة الأخيرة، فكلّ تلك الكيفيات جائزةٌ وردت عن النبي.[5]

قضاء صلاة الوتر

ذهب جمهور العلماء إلى مشروعية قضاء الوتر لما رواه أبو سعيد الخدري أنّ النبي صلى الله عليه وسلّم قال: (منْ نامَ عنْ وترِهِ أوْ نسيَهُ فلْيُصلِّ إذا ذكَرَه)،[12] وعن عائشة رضي الله عنها قالت: (كان النبيُّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ يُصبحُ فيُوتِرُ)،[13] واختلفوا في الوقت الذي يُقضى فيه، فعند الحنفية يقضي في غير أوقات النهي، وعند الشافعية يقضي في وقت من الليل أو النهار، وعند مالك وأحمد يقضي بعد الفجر ما لم تصل الصبح،[5] وقد ثبت عن النبي أنّه كان يصلي ما فاته من صلاة الليل في النهار إذا غلبه نومٌ أو وجع وكان لا يوتر بل يشفع فيصلي اثنتي عشرة ركعة.[4]

المراجع

  1. ↑ رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن طلحة بن عبيد الله، الصفحة أو الرقم: 46، صحيح.
  2. ↑ رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن عبد الله بن عمر، الصفحة أو الرقم: 472، صحيح.
  3. ↑ رواه الألباني، في صحيح الترمذي، عن علي بن أبي طالب، الصفحة أو الرقم: 453، صحيح.
  4. ^ أ ب ت العلامة محمد بن صالح العثيمين (2006)، فتح ذي الجلال والإكرام بشرح بلوغ المرام (الطبعة الأولى )، القاهرة: المكتبة الإسلامية للنشر والتوزيع، صفحة 236، 237_238، جزء الثاني، بتصرّف.
  5. ^ أ ب ت ث السيد سابق، فقه السنة، القاهرة: دار مصر للطباعة، صفحة 135_139، جزء الأول. بتصرّف.
  6. ↑ رواه الألباني، في صحيح الترمذي، عن عائشة أم المؤمنين، الصفحة أو الرقم: 2924، صحيح.
  7. ↑ محمد بن عبدالله بن قدامة (1997)، المغني (الطبعة الثالثة)، الرياض_المملكة العربية السعودية: دار عالم الكتب، صفحة 595، جزء الثاني. بتصرّف.
  8. ↑ رواه الألباني، في صحيح ابن ماجه، عن جابر بن عبدالله، الصفحة أو الرقم: 983، صحيح.
  9. ↑ رواه الألباني، في صحيح أبي داود، عن عائشة أم المؤمنين، الصفحة أو الرقم: 1435، صحيح.
  10. ↑ رواه الألباني، في صحيح الجامع، عن سعد بن أبي وقاص، الصفحة أو الرقم: 5493، صحيح.
  11. ↑ رواه الألباني، في صحيح أبي داود، عن عائشة أم المؤمنين، الصفحة أو الرقم: 1362، صحيح.
  12. ↑ رواه النووي، في الخلاصة، عن أبي سعيد الخدري، الصفحة أو الرقم: 1/561، صحيح.
  13. ↑ رواه الألباني، في إرواء الغليل، عن عائشة أم المؤمنين، الصفحة أو الرقم: 2/155، إسناده صحيح.