رحم الله -تعالى- عباده بأن شرع لهم باب التنفّل في العبادات والطاعات، لنيل القرب منه، كما حثّ الله -سبحانه- على أداء النوافل الواردة عن النبي -صلّى الله عليه وسلّم- والاستزادة منها، طمعاً في القرب منه، ونيلاً للأجر والفضل العظيمين المترتّبين عليها، فمن الجدير بالمسلم أن يغتنم وقته وصحّته ونشاطه بأداء مختلف أنواع النوافل، من صلاةٍ، وزكاةٍ، وحجٍّ، وذكرٍ، وصدقةٍ، وغيرها من العبادات والقُربات القولية والفعلية، والسريّة والجهريّة، فالنوافل من الأعمال التي تُجبر النقص الحاصل بالفرائض من العبادات، ومنها ما يغفر للقائم بها ما تقدّم من ذنبه؛ كصلاة التراويح وقيام ليل رمضان، وكذلك من النوافل ما قد يكون من الأسباب التي تغفر للمسلم ذنوبه وخطاياه وتُضاعف أجوره وحسناته، وبعضها سببٌ في الوصول إلى محبة الله تعالى، ونيل المنزلة الرفيعة في الدنيا والآخرة، وتحقيق الطهارة والنقاء للنفس، وممّا يدلّ على ذلك ما رواه الرسول -صلّى الله عليه وسلّم- فيما يرويه عن ربه: (ما يزالُ عبدي يتقرَّبُ إليَّ بالنَّوافلِ حتَّى أُحبَّه، فإذا أحببتُه كنتُ سمعَه الَّذي يسمَعُ به، وبصرَه الَّذي يُبصِرُ به، ويدَه الَّتي يبطِشُ بها، ورِجلَه الَّتي يمشي بها، وإن سألني لأُعطينَّه، ولئن استعاذني لأُعيذنَّه)،[1] فالنوافل تسمو بروح المسلم، وتكسبه محبة الله.[2]
يُطلق مُسمّى السنن الرواتب على ما شرعه الله تعالى لعباده المسلمين في اليوم والليلة بعد الصلوات المفروضة، واختلف العلماء في تحديد عددها، فذهب البعض منهم إلى القول بأنّها عشر ركعاتٍ، وذهب البعض الآخر إلى أنها اثنتا عشرة ركعةً، وهو الأصح، وذلك ما ثبت عن النبي صلّى الله عليه وسلّم، بالقول أنّ السنة الراتبة قبل فرض الظهر أربع ركعاتٍ، ودليل ذلك ما روته أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها، حيث قالت: (أن النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم كان لا يدَعُ أربعاً قبلَ الظهرِ، وركعتينِ قبلَ الغَداةِ)،[3] وفي المقابل فقد ورد عن عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- أنّ السنن الرواتب عشر ركعاتٍ بأداء ركعتين قبل الظهر، إلّا أنّ ما ورد عن عائشة أقوى ممّا ورد عن ابن عمر؛ وذلك يعلّل بأن عائشة حفظت ذلك عن الرسول، بينما ابن عمر لم يحفظ ذلك عنه، وبناءً على ذلك فعدد السنن الرواتب اثنتا عشرة ركعةً، أربعاً منها قبل الظهر، واثنتان بعدها، واثنتان بعد المغرب، ومثلهما بعد العشاء، ومثلهما قبل الصبح، وتجدر الإشارة إلى أنّ القول بفسوق تارك السنن الرواتب قول لا يصحّ ولا يُقبل، حيث إنّها نافلةٌ، ولا يُعدّ القيام بالفرائض فقط وترك المعاصي والفواحش من الفسوق، ومن قام بذلك فقط فهو مؤمنٌ سليمٌ عدلٌ، فقول بعض الفقهاء أنّ الالتزام بالنوافل من شرط العدالة في الشهادة لا يصحّ ولا يثبت، فمن التزم بالفرائض وترك المحرّمات يُعد مسلماً ثقةً، إلّا أنّ أداء النوافل من كمال الإيمان وحُسنه، فالمؤمن قد يكون من أحد الأنواع التي بيّنها الله تعالى بقوله: (ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِّنَفْسِهِ وَمِنْهُم مُّقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللَّـهِ)،[4] فالعبد إمّا أن يكون ظالمٌ لنفسه، أو مُقتصدٌ، أو سابقٌ بالخيرات، فالظالم لنفسه هو المُرتكب للمعاصي وهو الأدنى درجة من بينهم، والمقتصد هو المؤدّي للفرائض والواجبات من العبادات، والمُجتنب والمبتعد عن المعاصي والمحرّمات، وهو الذي بين الظالم لنفسه وبين السابق بالخيرات، أمّا السابق بالخيرات فهو أفضلهم؛ حيث إنّه أدّى الفرائض والواجبات والنوافل،[5] وبناءً على ما سبق فلا توجد أي سنةٍ راتبةٍ قبل صلاة العصر، إلّا أنّه يستحبّ للمسلم أداء أربع ركعات قبل فرض العصر، ودليل ذلك ما رواه عبد الله بن عمر أنّ الرسول -عليه الصلاة والسلام- قال: (رحِم اللهُ امرأً صلَّى قبْلَ العصرِ أربعاً)،[6] إلّا أنّ الأربع ركعات التي قبل العصر أقلّ من السنن الرواتب في الأجر والفضيلة.[7]
وردت العديد من النصوص النبوية عن النبي -صلّى الله عليه وسلّم- التي تُبيّن الفضل والأجر المترتّب على المحافظة على السنن الرواتب، وفيما يأتي بيان البعض منها: