كيفية تثبيت حفظ القرآن الكريم
حفظ القرآن الكريم
رفع الله -تعالى- منزلة الحافظين والحافظات لكتابه الكريم، وثواب من يُقبل على القرآن الكريم حفظاً وتلاوة عظيمٌ عند الله عزَّ وجل، وينبغي أن يكون ذلك مع المداومة على مراجعة ما تم حفظه؛ حتى يثبت في ذاكرة الحافظ ولا ينساه، ولحفظ القرآن الكريم قواعد مهمة منها؛ إخلاص النية لله تعالى، وجعل الجهد المبذول في الإقبال على القرآن الكريم حفظاً وتدبّراً من أجل الله والفوز بجنّته، يقول النبي -صلى الله عليه وسلم- فيما يرويه عن ربه في الحديث القدسي: (أنا أغنى الشُّركاء عن الشِّرك، من عمل عملاً أشرك فيه معي غيرِي، تركتهُ وشركهُ)،[1] كما إنَّ تصحيح القراءة والنطق عن طريق السماع إلى الحفاظ المتقنين والقُراء المجيدين من القواعد التي يجب اتّباعها في حفظ القرآن الكريم، وقد أخذ النبي -صلى الله عليه وسلم- القرآن من جبريل -عليه السلام- شفاهاً وكذلك أخذه الصحابة عنه، وتلقتها عنهم أجيال الأُمة بذات الطريقة.[2]
وممّا يُعين على حفظ القرآن الكريم تحديد المراد حفظه في كل مرة مع الترديد والتكرار مع التغني والترتيل له، وذلك لتجنّب الملل وتثبيت الحفظ، فالتغني بالقرآن وترتيله بالصوت الحسن يُعين على اعتياد نغمة معينة يعرف بها الخطأ عندما يختل وزن القراءة، كما أمر النبي -صلى الله عليه وسلم- بالتغني بالقرآن، وعلى من يريد الحفظ أن لا يتجاوز المقرّر عليه حفظه إلا عند إتقانه، حتى يثبت ما حفظه تماماً، كما إنَّ قراءته في الصلاة وفي أوقات الانتظار يُسهّل الحفظ، وعلى من أراد الحفظ أن يجعل لنفسه مصحفاً خاصاً لا يغيّره، فالإنسان يحفظ بالنظر كما السمع، حيث تنطبع صور الآيات في ذهنه، فإذا غيَّر الحافظ مصحفه الذي يحفظ فيه، أو حفظ من مصاحف متغيّرة، فقد يتشتّت حفظه في هذه الحالة ويصعب.[2]
كيفية تثبيت حفظ القرآن الكريم
يعاني الكثير من الحفّاظ من سرعة النسيان، وقد يُصاب البعض منهم باليأس من القدرة على الإتقان، وذلك لأنَّ الكثير لا يقوم بالحفظ بمفهومه الدقيق، وإنَّما يقوم بعمل تصوير أولي للصفحات كمحاولةٍ للحفظ والتسميع، وما تلبث هذه الصحفة إلا فترةً يسيرةً وتبدأ بالتلاشي من الذاكرة، ومن عكف على كُتب المتقدّمين وجد فيها الحل الذي يكمن في تكرار المحفوظ عند حفظه ومراجعته، مع تثبيت مقدارٍ يوميٍ للمراجعة، ولا يُستهان بذلك الأمر أبداً، وعندما سُئل الإمام البخاري الذي أذهل الدنيا بدقّة حفظه عن دواء الحفظ أجاب قائلاً: "بإدمان النظر"، وقد رُوي عن الإمام الشافعي -رحمه الله- أنَّه كان يحفظ الصفحة بمجرد النظر إليها، وهنا تجدر الإشارة بأنَّ هذه القدرة ليست سنّة جارية في الناس، بل هي من الكرامات التي ينعم الله -تعالى- بها على بعض عباده، ولا تقتصر هذه الكرامة على زمانٍ دون غيره، إلا إنَّها لا يمكن أن تكون منهجاً يتبعه عامة الناس.[3]
وقد ذهب القرّاء المتقنين إلى أنَّ تثبيت الحفظ يكون بتطبيق وصيّة النبي -صلى الله عليه وسلم- بتعاهد القرآن، فهو أشدّ تفلّتاً من الإبل في عقلها، فعلى من أراد الحفظ أن يكون له مقدارٌ يومي مثل الأكل والشرب لا يُستغنى عنه بحالٍ من الأحوال، على أن يزداد هذا المقدار مع الزمن، مع إلحاح المسلم على الله -تعالى- بالدعاء بأن يجعله من الحفاظ المتقنين،[3] وتختلف مراجعة القرآن من شخصٍ لآخر على حسب قدرته، وينبغي على من أردا الحفظ القراءة على شيخٍ مُتقنٍ للتأكد من أنَّ قراءته صحيحة،[4] كما إنَّ اقتران العلم بالعمل من أكثر ما يُعين على تثبيت الحفظ وتمكينه، فالعلم وسعة الحفظ تُستجلب بتقوى الله تعالى، وعلى من أراد الحفظ أن يبدأ في الصغر ويختار لحفظه أجود الأوقات، وغالباً ما يكون ذلك بعد صلاة الفجر إلى شروق الشمس، ويجدر بالحافظ أن يعطي لحفظه القوة والثبات بالتركيز على المتشابهات، مع وضع سجلٍ خاص والمراجعة.[5]
فضائل حفظ القرآن الكريم
يُروى عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنَّه قال: (ما اجتمع قومٌ في بيتٍ من بيوت الله، يتلون كتاب الله، و يتدارسونه بينهم ، إلا نزلت عليهم السَّكينةُ، وغشيتهم الرحمةُ، و حفَّتهم الملائكةُ، و ذكرهم اللهُ فيمن عنده)،[6] فأهل القرآن هم أهل الله وخاصّته، وهم أحقّ الناس بالتقدير والإكرام، فهم أعلى الناس مكانةً وأرفعهم منزلةً، كيف لا وقد حملوا كلام الله -تعالى- في صدورهم، وقد أخبر النبي -صلى الله عليه وسلم- أنَّ الله -تعالى- يرفع بالقرآن أقواماً ويضع به آخرين، وأنَّ القرآن الكريم يأتي يوم القيامة شفيعاً لأصحابه، وأهل القرآن أينما اتّجهوا فهم في رعاية الله وحفظه، وقد وصف النبي -صلى الله عليه وسلم- الذي لا يحمل في جوفه شيء من القرآن الكريم بالبيت الخرب.[7]
الصحابة والقرآن
أقبل السلف الصالح على القرآن، وكانت لهم معه أحوالٌ عجيبةٌ، فهذه الأُمة التي وُصفت بالخيريّة خرجت من بين دفّتي المصحف الشريف، وقد كان صحابة النبي -صلى الله عليه وسلم- لمَّا أنزل الله -تعالى- الآية التي تُثبت ملكه للسماوات والأرض وأنَّه يُحاسب عباده على ما في نفوسهم حتى لو لم يتكلّموا أو يعملوا به بقوله تعالى: (لِّلَّـهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَإِن تُبْدُوا مَا فِي أَنفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُم بِهِ اللَّـهُ)،[8] اشتدَّ ذلك عليهم، فأتوا النبي -صلى الله عليه وسلم- وبركوا عنده على ركبهم، وقالوا: كُلّفنا من العمل ما نطيق كالصلاة، والصيام، والصدقة، وقد نزلت علينا آية لا نطيقها، فأجابهم النبي -صلى الله عليه وسلم- وهو المربي المعلم: (أتُرِيدون أن تقُولوا كما قال أهل الكتابين من قبلكُم سمعنا وعصينا؟ بل قُولوا: سمعنا وأطعنا غُفرانك ربَّنا وإليك المصيرُ)،[9] فما كان منهم إلا القبول والانقياد إلى هذا التوجيه، فلمّا قبلوها وذلَّت بها ألسنتهم، جاءهم التخفيف من الله بقوله: (لَا يُكَلِّفُ اللَّـهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا).[10][11]
المراجع
- ↑ رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن أبي هريرة، الصفحة أو الرقم: 2985 ، صحيح.
- ^ أ ب محمد المنجد (24-2-2000)، "طريقة حفظ القرآن الكريم "، islamqa.info، اطّلع عليه بتاريخ 17-4-2019. بتصرّف.
- ^ أ ب محمد الأسطل (8-9-2018)، "الطريقة المقترحة لحفظ القرآن الكريم وضبطه"، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 17-4-2019. بتصرّف.
- ↑ "طريقة تثبيت حفظ القرآن الكريم"، library.islamweb.net، 4-2-2018، اطّلع عليه بتاريخ 18-4-2019. بتصرّف.
- ↑ محمد النابلسي، "ما هي الطريقة الأفضل والأسلوب الأمثل والمنهاج المحبب لحفظ صفحات وأجزاء القرآن الكريم"، nabulsi.com، اطّلع عليه بتاريخ 18-4-2019. بتصرّف.
- ↑ رواه السيوطي، في الجامع الصغير ، عن أبي هريرة ، الصفحة أو الرقم: 7757، صحيح.
- ↑ يحيى الزهراني، "فضل القرآن وأهله"، www.saaid.net، اطّلع عليه بتاريخ 18-4-2019. بتصرّف.
- ↑ سورة البقرة، آية: 284.
- ↑ رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن أبي هريرة، الصفحة أو الرقم: 125، صحيح.
- ↑ سورة البقرة، آية: 286.
- ↑ خالد المصلح (30-11-2013)، "تعامل الصحابة مع القرآن"، knowingallah.com، اطّلع عليه بتاريخ 18-4-2019. بتصرّف.