كيف أتقن حفظ القرآن

كيف أتقن حفظ القرآن

القرآن الكريم

أنزل الله -تعالى- القرآن الكريم على النبيّ محمّد صلّى الله عليه وسلّم؛ ليكون كتاب هدايةٍ وإرشادٍ، ولينظّم حياة المسلمين في كافّة جوانبها ويحكم علاقاتهم المتعدّدة على كافّة الأصعدة، سواءً علاقة المسلم بربّه أو علاقته بنفسه أو علاقته بغيره من النّاس حوله، فالقرآن الكريم هو دستور لحياة المسّلم، وقد تعهّد الله -تعالى- بحفظ كتابه من التّحريف والتّبديل، فقال: (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ)،[1] ونظراً لِما للقرآن الكريم من مكانةٍ في حياة المسلمين، فقد حرص عدد كبيرة منهم، رجالاً ونساءً، صِغاراً وكِباراً على حفظ القرآن الكريم وإتقان الحفظ، وفهم آياته وتدبّر معانيه والتزام أحكامه وتخلّق أخلاقه.

والقرآن الكريم هو كلام الله -تعالى- المُعجز، المُتعبّد بتلاوته، المُنزل على النبيّ محمّد -صلّى الله عليه وسلّم- بوساطة الوحي جبريل عليه السّلام، المجموع بين دفتي المصحف، المبدوء بسورة الفاتحة والمختوم بسورة النّاس،[2] وقد سهّل الله -تعالى- حفظ القرآن الكريم لِمَن أراد وسعى لذلك، فقال: (وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِن مُّدَّكِرٍ)،[3] ورتّب الله -تعالى- على حفظ القرآن الكريم أجراً عظيماً، وخصَّ حافظه بمنزلةٍ ومكانةٍ كريمةٍ، وفي هذا المقال سيتمّ بيان كيفيّة إتقان حفظه، وذِكْر لبعض الفضائل والثّمرات التي يحوزها حافظ القرآن الكريم.

كيفيّة إتقان حفظ القرآن الكريم

إنّ حفظ القرآن الكريم غاية عظيمة وهدف سام يسعى إليه كثير من المسلمين، ولمّا كان الحفظ هدفاً وغاية، كان لا بدّ من خطواتٍ عمليّة يتّبعها المسلم؛ لتساعده على الحفظ، بل إنّ المسلم ليس عليه أن يسعى للحفظ فحسب، بل لإتقان الحفظ؛ وذلك لقول النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- فيما ترويه عنه أمّ المؤمنين عائشة بيت أبي بكر؛ حيث قالت: (إنَّ اللهَ -تعالى- يحبُّ إذا عملَ أحدُكمْ عملاً أنْ يتقنَهُ)،[4] ومن الخطوات العمليّة لإتقان الحفظ ما يأتي:[5]

  • الإخلاص في نيّة حفظ القرآن الكريم لله تعالى؛ فلا بدّ للحافظ أن يشرع في حفظ كتاب الله -تعالى- بإخلاص نيّة الحفظ لله تعالى، وألّا تكون الغاية من الحفظ أو القصد منه إلّا طاعة لله -تعالى- ونيل رضاه.
  • العمل على تصحيح النّطق والقراءة، ويكون ذلك بتلقّي القرآن الكريم وسماعه من الحفّاظ والمقرئين المهرة والمتمكّنين؛ حتى يتعلّم منهم ويحذوا حذوهم في تلاوة القرآن الكريم وحفظه.
  • تحديد المقدار المراد حفظه من القرآن الكريم في اليوم أو في أيّامٍ محدّدة، وتكرار ترديد وتلاوة ذلك القدر المحدّد حتى إتمامه وإتقانه.
  • عدم مجاوزة مقرّر الحفظ أو الانتقال لغيره إلّا بعد إتمامه وتثبيته بشكلٍ مُتقنٍ عن ظهر قلب، ويساعد على ذلك كثرة التّكرار، وترديد وِرد ومقرّر الحفظ في الصّلاة سواءً السريّة أو الجهريّة.
  • اعتماد نسخة واحدة من المصحف للحفظ؛ حتى لا تختلف الطّباعة ورسم المصحف على الحافظ.
  • فَهْم الآيات المراد حفظها؛ إذ إنّ فَهْم المعاني يساعد على الحفظ ويُمكّن من استذكار الآيات، فيقرأ الحافظ في تفسير الآيات التي يريد حفظها، فيفهم مرادها ومضمونها، ممّا يساعده على تذكُّرها وربط الآيات بعضها ببعض.
  • التّسميع الدّائم، وعدم الاكتفاء بتسميع الحافظ لنفسه، بل لا بُدّ أن يعرض حفظه على غيره من الحفظة أو من المتقنين للتلاوة؛ كي يُقيّمون له حفظه ويقوّمون له أخطاءه إن كان ثمّة أخطاء في التّلاوة أو خلل في الحفظ.
  • المتابعة الدائمة للحفظ ولكلّ ما سبق حفظه من القرآن الكريم، وذلك بالمراجعة والمذاكرة؛ إذ إنّ القرآن الكريم سهل التّفلُّت من الذاكرة، كما جاء في الحديث الشّريف الذي يرويه أبو موسى الأشعري -رضي الله عنه- عن النبيّ صلّى الله عليه وسلّم؛ أنّه قال: (تعاهَدوا هذا القرآنَ، فوالذي نفسُ محمدٍ بيدِه، لهو أشَدُّ تفَلُّتاً من الإبِل في عُقُلِها).[6]
  • الاعتناء بالآيات والمواضع المتشابهة في القرآن الكريم، حتى لا يُخلط بينها ويُتمكّن من تميّزها، فقد قال الله تعالى: (اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُّتَشَابِهًا مَّثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَىٰ ذِكْرِ اللَّهِ ۚ ذَٰلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَن يَشَاءُ ۚ وَمَن يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ).[7]

فضل حفظ القرآن الكريم

إنّ لحفظ القرآن الكريم فضلاً عظيماً وثمرات يُجنيها حافظه، ولا يقتصر هذا الفضل وهذه الثّمرة على الحياة الآخرة فقط وإنّما في الحياة الدّنيا أيضأً، فإنّ حافظ القرآن الكريم يحظى بمكانةٍ ومنزلةٍ عظيمةٍ بين النّاس، فيُقدّم حافظ القرآن على من سواه في إمامة الصّلاة، فقد روي عن النبيّ صلّى الله عليه وسلّم: (يَؤُمُّ القومَ أقرؤُهم لكتابِ اللهِ، فإن كانوا في القراءةِ سواءً، فأعلمُهم بالسُّنَّةِ، فإن كانوا في السُّنَّةِ سواءً، فأقدمُهم هجرةً، فإن كانوا في الهجرةِ سواءً ، فأقدمُهم سِلْماً)،[8] كما أنّ الحافظ لكتاب الله -تعالى- مقدّم عن غيره في تولّي الرئاسة والإمارة؛ إن كان أهلاً لها وقادراً عليها.[9]

أمّا فضْل حفظ القرآن الكريم في الحياة الآخرة؛ فقد خصّ الله -تعالى- حفظ القرآن الكريم في الحياة الآخرة بفضلٍ وأجرٍ كريم، ولعلّ من أعظم هذا الأجر ما جاء في حديث النبيّ صلّى الله عليه وسلّم؛ حيث قال: (يُقالُ لصاحبِ القرآنِ: اقرأْ وارقَ ورتِّلْ كما كنتَ ترتلُ في الدنيا، فإنَّ منزلتَك عندَ آخرِ آيةٍ تقرأُ بها)،[10] كما أنّ حافظ القرآن الكريم يحظى برِفْقة الملائكة في منازلهم، فقد جاء في حديث النبيّ صلّى الله عليه وسلّم: (مثَلُ الَّذي يقرَأُ القرآنَ، وهو حافِظٌ له، مع السَّفَرةِ الكِرامِ البرَرةِ، ومثَلُ الَّذي يَقرَأُ القرآنَ، وهو يتَعاهَدُه، وهو عليه شَديدٌ، فله أجرانِ).[11][9]

المراجع

  1. ↑ سورة الحجر، آية: 9.
  2. ↑ مصطفى البغا، محي الدين مستو (1998)، الواضح في علوم القرآن (الطبعة الثانية)، دمشق: دار الكلم الطيب، صفحة 15. بتصرّف.
  3. ↑ سورة القمر، آية: 22.
  4. ↑ رواه السيوطي، في الجامع الصغير، عن عائشة بنت أبي بكر، الصفحة أو الرقم: 1855، حسن.
  5. ↑ محمد صالح المنجد (25-2-2000)، "طريقة حفظ القرآن الكريم"، www.islamqa.info، اطّلع عليه بتاريخ 28-2-2018. بتصرّف.
  6. ↑ رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن أبي موسى الأشعريّ، الصفحة أو الرقم: 791. صحيح.
  7. ↑ سورة الزمر، آية: 23.
  8. ↑ رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن عقبة بن عمرو بن ثعلبة، الصفحة أو الرقم: 673. صحيح.
  9. ^ أ ب محمد صالح المنجد (6-3-2002)، "مزايا حافظ القرآن في الدنيا والآخرة"، www.islamqa.info، اطّلع عليه بتاريخ 28-2-2018. بتصرّف.
  10. ↑ رواه الترمذي، في سنن الترمذي، عن عبد الله بن عمرو، الصفحة أو الرقم: 2914، حسن صحيح.
  11. ↑ رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن عائشة بنت أبي بكر، الصفحة أو الرقم: 4937. صحيح.