أنعم الله -سبحانه- على عباده بنعمة الماء، وهي نعمةٌ عظيمةٌ تستلزم منهم دوام شكر الله عليها، وإذا أخّر الله -عزّ وجلّ- نزول المطر عليهم، فإنّ ذلك يعدّ ابتلاءً لهم، ليعودوا عن معاصيهم، ويتوبوا إليه، ويستغفروه، ويتذكّروا حاجتهم إلى الله، وفضله عليهم، ومن رحمته بهم أن شرع لهم ما يستجلبون به الغيث عند انقطاعه، ويطلبونه به ممّن يملكه، وهذا هو الاستسقاء، وهو يعني طلب السُّقيا من الله -تعالى- عند الجدب، وصلاة الاستسقاء سنةٌ مؤكدةٌ، بكيفيةٍ مخصوصةٍ، لطلب ذلك من الله تعالى، ويشرع الاستسقاء عند جدب الأرض، وانقطاع المطر، وجفاف الأنهار، أو نقص مائها، وعند حاجة الناس الملحّة للماء، وله ثلاثة أنواع؛ فإمّا أن يكون الاستسقاء بأداء صلاة الاستسقاء جماعةً مع الخطبة والدعاء، وهذا أكمل أنواع الاستسقاء، وإمّا أن يكون بالدعاء بطلب الغيث في خطبة الجمعة، كما فعل الرسول صلّى الله عليه وسلّم، وإمّا أن يكون بالدعاء والابتهال إلى الله تعالى، في كلّ وقتٍ، بطلب السقيا دون خطبةٍ ولا صلاةٍ.[١]
تعدّ صلاة الاستسقاء من السنن المؤكدة عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، يؤديها الرجال والنساء جميعاً عند حاجتهم للماء، ويسنّ فيها الجماعة، إلّا أنّها تصحّ من المنفرد كذلك، كما يسنّ لها أن تؤدّى في الصحراء، ويصحّ أداؤها في المسجد أيضاً، إلّا أنّها إن أقيمت في جماعةٍ في الصحراء كان ذلك أكمل فيها، وأبلغ في الخشوع والخضوع، كما يكون في ذلك تواضع أكبر لله تعالى، ويجوز أداء صلاة الاستسقاء في أي وقتٍ من الأوقات، عدا الأوقات المنهي عن الصلاة فيها، وأفضل وقتها بعد طلوع الشمس بمقدار رمحٍ؛ أي بعد طلوع الشمس بربع ساعةٍ تقريباً، إلى حين الزوال، ويسنّ للمسلمين في خروجهم إلى صلاة الاستسقاء أن يخرجوا متذلّلين، ومتواضعين، ومتبذّلين، ويُظهروا كمال الافتقار لله عزّ وجلّ، والحاجة له، ولهذا فإنّ التجمّل والتزيّن لصلاة الاستسقاء غير مشروعٍ.[١]
اتفق جميع العلماء القائلين بمشروعية صلاة الاستسقاء على أنّها تؤدّى ركعتان، إلّا أنّهم اختلفوا في صفة أدائها، وذهبوا في ذلك إلى رأيين اثنين، بيانهما كالآتي:[٢]
واتفقت جميع المذاهب على أنّ صلاة الاستسقاء تؤدّى جهريةً كسائر الصلوات التي تُشرع فيها الخطب؛ لأنّ الناس إنّما اجتمعوا لها ليسمعوا، وللإمام أن يقرأ فيها ما شاء له من القرآن الكريم، إلّا أنّ الأولى والأفضل أن يقرأ بما يقرأ في صلاة العيد، فيقرأ فيها سورتي ق ونوح، أو الأعلى والغاشية، أو الأعلى والشمس، ولا تفسد صلاة الاستسقاء بحذف التكبيرات، أو الإنقاص منها، أو الزيادة عليها، ولو ترك الإمام بعض التكبيرات فلا يسجد لذلك سجود السهو.[٢]
ذهب أكثر أهل العلم، ومنهم: مالك في روايةٍ عنه، وأحمد في المشهور عنه، والشافعي إلى أنّ خطبة صلاة الاستسقاء تكون بعد أداء الصلاة، واستدلوا لذلك بما ورد عن رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- من أنّه لمّا صلّى الاستسقاء، خطب بالناس بعد انتهاء الصلاة، وذهب مالك، وأحمد في روايةٍ ثانيةٍ عنهما أنّ خطبة صلاة الاستسقاء تكون قبلها، وحقيقة الأمر أنّ فيه متّسعٌ، فيجوز للإمام أن يخطب قبل صلاة الاستسقاء أو بعدها، وقد اختلف العلماء أيضاً في كون خطبة صلاة الاستسقاء خطبةً واحدةً أم خطبتان، فذهب المالكية، والشافعية، ومحمد بن الحسن إلى أنّهما خطبتان كخطبتي العيد، وذهب الحنابلة، وأبو يوسف إلى أنّها خطبةٌ واحدةٌ، وفي كلّ الأحوال فيستحبّ للإمام أن يخطب بالناس خطبةً موافقة للحدث، منسجمةً معه، فيتحدّث إليهم حول ضرورة التوبة إلى الله تعالى، والندم على المعاصي، وحول افتقار البشر إلى الله عزّ وجلّ، وحاجتهم المستمرة له.[٥]
بما أنّ صلاة الاستسقاء تؤدّى كما تؤدّى صلاة العيد على أحد الرأيين، فلا بدّ من بيان الفرق بينهما، وقد ذكر ذلك الشيخ ابن عثيمين في كتابه: الشرح الممتع على زاد المستنقع، فكان ممّا قاله من أوجه الفرق بينهما ما يأتي:[٥]