كيف نقوي إيماننا بالله تعالى

كيف نقوي إيماننا بالله تعالى
(اخر تعديل 2023-08-06 01:31:13 )

الإيمان بالله

عرّف الكثير من العلماء الإيمان لغةً على أنه التصديق، واستدلوا على رأيهم بقول الله تعالى: (قَالُوا يَا أَبَانَا إِنَّا ذَهَبْنَا نَسْتَبِقُ وَتَرَكْنَا يُوسُفَ عِندَ مَتَاعِنَا فَأَكَلَهُ الذِّئْبُ ۖ وَمَا أَنتَ بِمُؤْمِنٍ لَّنَا وَلَوْ كُنَّا صَادِقِينَ)،[1] بينما عرفه بعضهم الآخر بالإقرار، وهو الاعتراف بالشيء النابع من التصديق به، أما شرعاً فيُعرّف الإيمان على أنه قول باللسان، واعتقاد بالجنان، وعمل بالجوارح والأركان، يزيد بالطاعة وينقص بالعصيان، وقد ورد ما يدل على صحة هذا التعريف في كتاب الله -تعالى- وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم وإجماع السلف رحمهم الله، فقد قال تعالى: (وَيَزِيدُ اللَّهُ الَّذِينَ اهْتَدَوْا هُدًى ۗ وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِندَ رَبِّكَ ثَوَابًا وَخَيْرٌ مَّرَدًّا)،[2]، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (الإيمانُ بِضْعٌ وسبعونَ شُعبةً، والحياءُ شُعبةٌ من الإيمانِ)،[3] وكان السلف رضي الله عنهم يقولون: (ليس الإيمان بالتحلي، ولا بالتمني، ولكنه ما وقر في القلب وصدقه العمل).[4]

وسائل تقوية الإيمان بالله تعالى

إن الإيمان يزيد بالطاعات وينقص بالمعاصي، وثمة العديد من الوسائل التي تقوي الإيمان بالله -تعالى- في قلب العبد وتزيده، ويمكن بيان بعضها فيما يأتي:[5]

  • قراءة القرآن الكريم وتدبر آياته: حيث إن تدبر آيات القرآن الكريم، والتفكر بما ورد فيها من وصف لعذاب النار، ونعيم الجنة، وما يقرب إليهما من القول، والعمل، يزيد إيمان العبد بربه -عز وجل- ويقوّيه، وقد وصف الله -تعالى- المؤمنين الصادقين بقوله: (وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا)،[6] وعلى الرغم من شدة تأثير قراءة القرآن الكريم بتدبر على الإيمان في القلوب، إلا أن القلوب الغافلة لا تتدبره، ولا تنتفع به، مصداقاً لقول الله تعالى: أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَىٰ قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا)،[7] وقد بين ابن القيم -رحمه الله تعالى- أن قراءة آية واحدة بتدبر؛ أنفع للقلب وأدعى لحصول الإيمان وذوق حلاوته من ختمة من غير تدبر.
  • طلب العلم الشرعي: حيث إن طلب العلم النافع يورث الإنسان الخشية من الله تعالى، مصداقاً لقوله عز وجل: (إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ)،[8] وقد بين الإمام أحمد -رحمه الله- أن أصل العلم الخشية، والخشية من الله -تعالى- تدل على قوة الإيمان به عز وجل.
  • معرفة أسماء الله الحسنى وصفاته العلى: إذ إن معرفة الله -تعالى- بأسمائه الحسنى وصفاته العلى، واستحضارها في الدعاء وفي جميع شؤون الحياة من أعظم الأسباب المؤدّية لخشيته سبحانه، وتدل الخشية على قوة الإيمان في القلب، وقد بين ابن رجب -رحمه الله- أن العلم النافع يدل على معرفة الله -تعالى- وما يستحقه من الأسماء الحسنى، والصفات العلى، وذلك يستوجب إجلاله، ومحبته، وتعظيمه، وخشيته، ورجاءه، والتوكل عليه، والصبر على بلائه، والرضا بقضائه.
  • الإكثار من ذكر الله: حيث إن ذكر الله -تعالى- يُقوّي إيمان العبد بربه عز وجل، وكلما أكثر الإنسان من ذكر الله -تعالى- زاد إيمانه، وكلما ابتعد عن ذكر الله نقص إيمانه، مصداقاً لقول الله تعالى: (الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُم بِذِكْرِ اللَّهِ ۗ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ)،[9] وقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (مثلُ الَّذي يذكُرُ ربَّه والَّذي لا يذكُرُ ربَّه مثلُ الحيِّ والميِّتِ)،[10] وقد بين عمير بن حبيب أن الإيمان يزيد وينقص، وأن ذكر الله -تعالى- وخشيته من أسباب زيادته، وأن نسيان الله -تعالى- والغفلة عنه وتضييع أوامره من أسباب نقصان الإيمان، وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه: (الذكر للقلب مثل الماء للسمك، فكيف يكون حال السمك إذا فارق الماء)، بالإضافة إلى أن قلة الذكر من صفات المنافقين الذين امتلأت قلوبهم بالكفر والبعد عن الله تعالى، حيث قال الله -تعالى- عنهم: (وَلَا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلَّا قَلِيلًا).[11]
  • تقديم ما يحبه الله -تعالى- ورسوله -صلى الله عليه وسلم- على هوى النفس: حيث إن حب الله -تعالى- ورسوله صلى لله عليه وسلم من أهم الوسائل التي تقوي إيمان العبد بربه عز وجل، فقد رُوي عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: (ثلاثٌ مَن كُنَّ فيهِ وجَد حلاوَةَ الإيمانِ: أن يكونَ اللهُ ورسولُه أحبَّ إليه مما سِواهما، وأن يُحِبَّ المرءَ لا يُحِبُّه إلا للهِ، وأن يَكرهَ أن يَعودَ في الكُفرِ كما يَكرهُ أن يُقْذَفَ في النارِ)،[12] ولا تكتمل محبة الله ورسوله إلا بتقديم ما يحبه الله ورسوله على هوى النفس، مصداقاً لقول الله تعالى: (قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ ۗ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ)،[13]

أسباب ضعف الإيمان بالله

ضعف الإيمان بالله -تعالى- من أخطر الأمراض التي قد تصيب قلب المؤمن، لا سيما أن ضعف الإيمان يؤدي إلى الانجراف في المعاصي والذنوب، والتهاون في أداء الواجبات، والزهد فيها، بالإضافة إلى قسوة القلب، وتغيّر المزاج، وضيق الصدر، والغفلة عن ذكر الله، وفي الحقيقة ثمة الكثير من الأسباب التي تؤدي إلى ضعف الإيمان، ويمكن بيان بعضها فيما يأتي:[14]

  • فقدان القدوة الصالحة: فقد رُوي أن الصحابة رضي الله عنهم أنكروا قلوبهم لما توفي قدوتهم رسول الله صلى الله عليه وسلم.
  • الانهماك بأمور الدنيا: وقد ذم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كثرة الانشغال في الدنيا، ووصف من يفعل ذلك بأنه عبد لها، حيث قال: (تعِس عبدُ الدِّينارِ وعبدُ الدِّرهمِ).[15]
  • ترك الأجواء الإيمانية والبعد عنها: حيث إن المجالس الإيمانية كمجالس الذكر، وصلاة الجماعة، وزيارة الصالحين تزيد الإيمان في القلب، كما قال الحسن البصري رحمه الله: (إخواننا عندنا أغلى من أهلينا، أهلونا يذكروننا الدنيا، وإخواننا يذكروننا الآخرة).
  • طول الأمل: حيث إن طول الأمل ينسي العبد الآخرة، ويصرف قلبه نحو الدنيا مما يُضعف إيمانه، مصداقاً لقول الله تعالى: (ذَرْهُمْ يَأْكُلُوا وَيَتَمَتَّعُوا وَيُلْهِهِمُ الْأَمَلُ ۖ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ)،[16] وقد بين علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- أن أكثر ما يخافه على الأمة، اتباع الهوى، وطول الأمل، لأن اتباع الهوى يدفع صاحبه للصد عن الحق، وطول الأمل يُنسيه الآخرة.
  • الإفراط في المباحات: ومنها كثرة الكلام، وكثرة مخالطة الناس، والمبالغة في الأكل والشرب، والنوم، والضحك، لا سيما أن كثرة الأكل يتعب الإنسان ويدفعه للتكاسل عن الطاعات، ويبلّد الذهن، ويغذّي مداخل الشيطان، وكثرة الكلام تُقسّي القلب، وكثرة الخلطة تقلل فرصة محاسبة النفس والخلو بها، وكثرة الضحك تفسد الحياء وتميت القلب.

المراجع

  1. ↑ سورة يوسف، آية: 17.
  2. ↑ سورة مريم، آية: 76.
  3. ↑ رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن أبي هريرة، الصفحة أو الرقم: 35 ، صحيح.
  4. ↑ عبد الله القصيِّر (1-5-2016)، "تعريف الإيمان بالله لغة واصطلاحا"، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 19-1-2019. بتصرّف.
  5. ↑ عبد الله الفريح، "من أسباب زيادة الإيمان ونقصانه"، www.saaid.net، اطّلع عليه بتاريخ 19-1-2019. بتصرّف.
  6. ↑ سورة الأنفال، آية: 2.
  7. ↑ سورة محمد، آية: 24.
  8. ↑ سورة فاطر، آية: 28.
  9. ↑ سورة الرعد، آية: 28.
  10. ↑ رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن أبي موسى الأشعري، الصفحة أو الرقم: 6407، صحيح.
  11. ↑ سورة النساء، آية: 142.
  12. ↑ رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن أنس بن مالك، الصفحة أو الرقم: 16، صحيح.
  13. ↑ سورة آل عمران، آية: 31.
  14. ↑ "وسائل تقوية الإيمان"، 26-1-2004، www.islamweb.net، اطّلع عليه بتاريخ 19-1-2019. بتصرّف.
  15. ↑ رواه ابن حبان، في صحيح ابن حبان، عن أبي هريرة، الصفحة أو الرقم: 3218، أخرجه في صحيحه.
  16. ↑ سورة الحجر، آية: 3.