هل يجوز صيام يوم الجمعة

هل يجوز صيام يوم الجمعة
(اخر تعديل 2023-08-06 01:31:13 )

الصيام وأقسامه

جعل الله تعالى العبادات على عدّة أنواعٍ؛ وذلك حتى لا تملّها النفوس، ولا يسأم الإنسان من تكرارها، فإذا فتر عن عبادةٍ معينةٍ، نشط إلى عبادةٍ أخرى، ومن أنواع تلك العبادات التي شرعها الله -عزّ وجلّ- في الإسلام؛ الصيام، وهو التعبّد إلى الله تعالى بالإمساك عن جميع المفطرات، من طلوع الفجر الثاني إلى غروب الشمس، بنيّة الصوم، ويشترط لصحّته ثلاثة شروطٍ، أولها: الإسلام؛ وذلك لأنّه عبادةٌ، والعبادات لا تُقبل من كافرٍ، وثانيها: النيّة، وثالثها شرطٌ خاصٌ بالنساء، وهو الطهارة من الحيض والنفاس، وقد شرع الله تعالى الصيام لحكمٍ متعددةٍ، فهو وسيلةٌ لتحقيق التقوى في قلب الإنسان، كما أنّه مدرسةٌ خُلقيةٌ عظيمةٌ، يتعلّم فيها الإنسان ضبط النفس، وحُسن الخُلق، ومقاومة الأهواء، ويطهّر النفس من الرذائل، كما أنّه سببٌ في تحصيل الأجر العظيم، والمثوبة الكبيرة من الله تعالى، وبه يستشعر الإنسان أحوال الضعفاء والجياع من الناس، فتقوى في نفسه عاطفة الرحمة، كما أنّ له محاسنٌ تعود بالنفع على جسم الإنسان أيضاً، فهو يُريح الجهاز الهضميّ، ويُعيد إليه قوته ونشاطه.[١][٢]

ينقسم الصيام إلى أربعة أنواعٍ، أولها: الصيام المفروض على المسلم بالشرع، وهو صيام شهر رمضان المبارك، سواءً أكان أداءً أم قضاءً، لقول الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُون)،[٣] وثانيها الصيام الواجب على المسلم بالكفّارات، ككفّارة القتل الخطأ الذي يترتّب عليه صيام شهرين متتابعين، لمن لم يجد رقبةً مؤمنةً يعتقها، وكذلك كفّارة الحنث في اليمين، فيصوم الحانث ثلاثة أيامٍ إذا لم يستطع الإطعام، أو الكسوة، أو إعتاق رقبةٍ، وغيرها من الكفّارات، وثالث أنواعه الصيام الواجب على الإنسان بالنذر، ويُراد بالنذر أن يُلزم الإنسان نفسه بشيء لله تعالى، فمن نذر أن يصوم يوماً لله تعالى، وجب عليه صيامه، وآخر أنواعه صيام التطوّع، وهذا هو صيام النافلة الذي يُؤجر فاعله، ولا يأثم تاركه، وقد سنّ رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- صيام عددٍ من الأيام بشكلٍ خاصٍ، منها: صيام يوم عرفة، وصيام يوم العاشر من شهر محرّم، وصيام يومي الاثنين والخميس من كلّ أسبوعٍ.[٤]

حكم صيام يوم الجمعة

يعدّ صيام يوم الجمعة في الشريعة الإسلامية مكروهاً، إلّا أنّ ذلك الحكم ليس على إطلاقه، فإنّ صيامه يكون مكروهاً في حال خصّه الإنسان بالصيام وأفرده به، ودليل ذلك قول الرسول صلّى الله عليه وسلّم: (لا تختصُّوا ليلةَ الجمعةِ بقيامٍ من بين اللَّيالي، ولا تخصُّوا يومَ الجمعةِ بصيامٍ من بينِ الأيَّامِ، إلَّا أنْ يكونَ في صومٍ يصومُهُ أحدُكُمْ)،[٥]، فإذا صام الإنسان يوم الجمعة لأنّه صادف يوماً اعتاد أن يصومه، فلا حرج عليه في ذلك، ومثاله أن يكون من عادة المسلم أن يصوم يوماً ويفطر يوماً، فيصادف يوم صومه يوم الجمعة، أو كان معتاداً على صيام يوم عرفة، أو يوم عاشوراء، وصادف يومهما أن يكون يوم جمعةٍ، فلا حرج عليه حينها أن يُفرده بالصوم؛ لأنّه أراد صيام يوم عرفة، أو يوم عاشوراء، ولم يفرده بالصوم لأنّه يوم جمعة، ويجوز للإنسان صيام يوم الجمعة أيضاً إذا صام قبله يوماً أو بعده يوماً، كأن يصوم الخميس مع الجمعة، أو يصوم معه السبت، فقد ورد عن رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- قوله لجويرية بنت الحارث رضي الله عنها، حين دخل عليها يوم جمعة فوجدها صائمةً: (أصُمتِ أمسِ؟ قالتْ: لا، قال: أتريدين أن تصومي غداً؟ قالتْ: لا، قال: فأفطِري)،[٦] كما يجوز للمسلم أن يصوم يوم الجمعة ولو منفرداً، إذا كان صيامه ذلك قضاءً عن صيام رمضان.[٧][٨]

التدرّج في تشريع الصيام

علِم الله سبحانه بحكمته البالغة أنّ الصيام أمرٌ شاقٌ على الإنسان، فقام بتشريعه على المسلمين بالتدريج، حتى تألفه نفوسهم وتعتاده، وفيما يأتي بيان تدرّج الإسلام في تشريع الصيام:[٢]

  • المرحلة الأولى: وهي مرحلة فرض الله تعالى فيها صيام يوم عاشوراء على المسلمين، وهو اليوم العاشر من شهر محرّم، حيث ورد عن عائشة -رضي الله عنها- أنّها قالت: كانت قريشٌ تصوم عاشوراء في الجاهليّة، وكان رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- يصومه، فلمّا هاجر إلى المدينة، صامهُ وأمر بصِيامه، فلمّا فُرض شهر رمضان قال: (مَنْ شَاءَ صَامَهُ، وَمَنْ شَاءَ تَرَكَهُ).[٩]
  • المرحلة الثانية: مرحلة نسخ الأمر بوجوب صيام عاشوراء، والأمر بصيام شهر رمضان، على وجه التخيير بين الصيام وإخراج الفدية، ويبين ذلك قول الله تعالى في القرآن الكريم: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ*أَيَّامًا مَعْدُودَاتٍ فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ).[١٠]
  • المرحلة الثالثة: وهي المرحلة التي فرض الله تعالى فيها صيام شهر رمضان، على كلّ مسلمٍ على وجه الوجوب لا التخيير، حيث قال الله تعالى: (شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ).[١١]

آداب الصيام

يجدر بالمسلم الصائم أن يتحلّى بجملةٍ من الآداب، وفيما يأتي بيانٌ لبعضٍ منها:[١٢]

  • إخلاص النيّة لله تعالى في الصيام، فلا يكون القصد منه الرياء والسُمعة.
  • المواظبة على تناول السحور، الذي أوصى الرسول -صلّى الله عليه وسلّم- به في أيام الصيام.
  • الاشتغال بأنواع النافلة المتعدّدة؛ من الذكر، وقراءة القرآن، والصلاة، ونحوها من العبادات.
  • حفظ الصيام من اللغو، والآثام، والمعاصي، وقول الزور، وفعله.
  • تعجيل الإفطار عند غروب الشمس.
  • اغتنام آخر لحظات الصيام بالذكر والدعاء.

المراجع

  1. ↑ "حكمة تنويع العبادات"، www.al-eman.com، اطّلع عليه بتاريخ 2018-10-17. بتصرّف.
  2. ^ أ ب "شروط صحة الصيام"، www.al-eman.com، اطّلع عليه بتاريخ 2018-10-17. بتصرّف.
  3. ↑ سورة البقرة، آية: 183.
  4. ↑ د. محمود فتوح محمد سعدات (2016-6-17)، "أنواع الصيام"، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 2018-10-17. بتصرّف.
  5. ↑ رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن أبي هريرة، الصفحة أو الرقم: 1144، صحيح.
  6. ↑ رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن جويرية بنت الحارث، الصفحة أو الرقم: 1986، صحيح.
  7. ↑ "ما حكم صيام يوم الجمعة؟ "، www.ar.islamway.net، 2006-12-1، اطّلع عليه بتاريخ 2018-10-17. بتصرّف.
  8. ↑ "حكم إفراد يوم الجمعة بالصيام"، www.islamqa.info، 2001-10-21، اطّلع عليه بتاريخ 2018-10-17. بتصرّف.
  9. ↑ رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن عائشة أم المؤمنين، الصفحة أو الرقم: 1125، صحيح.
  10. ↑ سورة البقرة، آية: 183-184.
  11. ↑ سورة البقرة، آية: 185.
  12. ↑ خالد بن سعود البليهد، "آداب الصوم"، www.saaid.net، اطّلع عليه بتاريخ 2018-10-17. بتصرّف.