مظاهر التيسير في الحج

مظاهر التيسير في الحج

الإسلام دين اليسر

تتميّز الشريعة الإسلامية بأنّها شريعة تيسيرٍ وسهولةٍ، جاءت بالتخفيف، ورفع الحرج، والمشقة عن الناس، وراعت هذا الأمر في جميع أحكامها، ولم تأتِ أبداً لشقاء الناس وتعذيبهم، حيث قال الله تعالى: (وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ)،[1] وقال أيضاً: (يُرِيدُ اللَّـهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ)،[2] وأيُّ حكم يخرج عن التسهيل إلى التعسير، فهو ليس من الدين في شيءٍ، لذلك كان من أهم قواعد الفقه، أنّ المشقة تجلب التيسير؛ فقد يطرأ عسرٍ في ظروف المكلّف، فيستوجب التخفيف في حقّه، والتيسير عليه، قال الله تعالى: (لَا يُكَلِّفُ اللَّـهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا)،[3][4] ولا يُقصد بالتيسير الانفلات من قيود الشريعة وأحكامها، ولا يعني أن يتساهل المسلم في طاعة الله، وعبادته على الوجه الصحيح المطلوب منه، بل لا بدّ من الموازنة بين التساهل والأخذ من نصيب الدنيا بقدرٍ، وبين المحافظة على حدود الشرع وضوابطه.[5]

مظاهر التيسير في الحج

يُعدّ الحج واحداً من أركان الإسلام الخمسة التي بُني عليها، وقد قرّن الله -تعالى- وجوبه على المسلمين بشرط الاستطاعة، فمن تحقّق عنده وجب عليه الحج، وإلّا فلا، ثمّ كان من رحمة الله -تعالى- بعباده أنّه أقام وجوب الحج على غايةٍ من اليسر والسهولة، ومراعاة رفع الحرج والمشقة، وفيما يأتي بيان لبعض مظاهر التيسير التي رخّصها الله في الحجّ:[6]

  • وجوب الحجّ مرةً واحدةً في العمر، والأدلة على ذلك كثيرةٌ، منها حديث أبي هريرة -رضي الله عنه- عن النبي -صلّى الله عليه وسلّم- أنّه قال: (أيها الناس: قد فرض اللهُ عليكم الحجَّ فحجُّوا، فقال رجلٌ: أكل عامٍ يا رسولَ اللهِ، فسكت، حتى قالها ثلاثاً، فقال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ لو قلتُ: نعم، لوجبت، ولما استطعتم)،[7] وفي ذلك دليلٌ على أنّ هذا الأمر لا يقتضي التكرار.
  • عدم وجوب الحجّ على المرأة إذا لم يكن لها مُحرم، وهو رأي جمع من التابعين وبعض الفقهاء، والذي يتوافق مع أحاديث النّهي عن سفر المرأة إلّا مع مُحرم، ومنها حديث ابن عباس -رضي الله عنهما- عن رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- أنّه قال: (لا يخلوَنَّ رجلٌ بامرأةٍ، ولا تسافِرَنَّ امرأةٌ وإلا معها محرمٌ، فقام رجلٌ فقال: يا رسولَ اللهِ، اكتُتِبت في غزوةِ كذا وكذا، وخرجت امرأتِي حاجةً، قال: اذهبْ، فحُجَّ مع امرأتِك).[8]
  • اعتبار تأدية أعمال الحجّ بيُسرٍ وسهولةٍ شرطٌ من شروط الاستطاعة، فقد عدّ الفقهاء أنّ أمن الطريق والمسير فيه بيسرٍ وسهولةٍ، شرطٌ من شروط وجوب الحج، وبالتالي إن لم يتحقّق فلا يجب الحجّ على المسلم حينها.
  • تنوّع المناسك التي يستطيع أن يُحرم بها الحاج، وهي ثلاثة: الإفراد، والتمتع، والقِران، ولكلّ منها تفصيلاته وأحكامه.
  • تخيير الله -تعالى- من ارتكب بعضاً من محظورات الإحرام، أو من كان مريضاً، بين الصيام، أو الصدقة، أو النُّسك، من غير تفضيلٍ لأحدها على الآخر، وهذا من تيسير الله -تعالى- على الحاجّ، فورد عن كعب بن عجرة رضي الله عنه: (أنَّ رسولَ اللهِ -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ- مرَّ زمنَ الحديبيةِ، فقال لهُ: آذاك هوامُ رأسكَ؟ قال: نعم، فقال لهُ النبيُّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ: احلق رأسكَ، ثم اذبح شاةً نسكاً، أو صم ثلاثةَ أيامٍ، أو أطعم ثلاثةَ آصع من تمرٍ، على ستةِ مساكينَ).[9]
  • عدم اشتراط أحكامٍ أو هيئةٍ خاصةٍ في الذبيحة الواجبة على الحاجّ في حال تركه واجباً، أو فعله محظوراً، وإنّما يُشترط فيها ما يُشترط في هيئة باقي الذبائح.
  • جواز التوكيل في ذبح الدماء الواجبة في الحجّ، وجواز التوكيل كذلك حين توزيعها على الفقراء.
  • جواز التبكير في القدوم إلى منى قبل اليوم الثامن من ذي الحجّة؛ ليجهّز الحجّاج أنفسهم لأعمال الحجّ، وعدم وجوب المبيت في منى ليلة التاسع؛ وذلك تيسيراً على من يريد البقاء في مكة، أو الذهاب مبكّراً إلى عرفة.
  • سُنّية قصر الصلاة الرباعيّة في منى للحجيج، ولأهل مكة.
  • التيسير على من فاته الوقوف بعرفة، فجعل الشارع له أموراً يتحلّل بها من إحرامه، وهي: التحلّل بعمرة، أو وجوب الهدي عليه، أو وجوب القضاء، وذلك كلّه إن لم يشترط في إحرامه بقوله: (اللهمّ إنّ محلي حيث حبستني)، فحينها لا شيء عليه.
  • جواز التوكيل في رمي الجمرات، وذلك لمن كان عنده عذرٌ يُعفيه من ذلك، مثل: المرض، أو كبر السن وغيرها.
  • جواز التعجيل في إنهاء الحجّ في اليوم الثاني عشر من ذي الحجّة، وإن كان التأخير أفضل، حيث قال الله تعالى: (فَمَن تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ).[10]
  • سقوط طواف الوداع عن المرأة الحائض أو النفساء، فلا يلزمها البقاء في مكّة حتى تطهر.

شروط وجوب الحج

يُعدّ الحجّ من أفضل العبادات التي أوجبها الله تعالى، ولا يكون واجباً إلّا بتوفر شروطٍ معينةٍ، وفيما يأتي ذكر بعضها:[11]

  • الإسلام: فلا يجب الحجّ على غير المسلم، وإن قام به فلا يصحّ منه.
  • التكليف: وهو أن يكون المسلم بالغاً عاقلاً، فلا يجب الحجّ على المجنون ولا يصحّ منه، ولا يجب كذلك على الصغير، ولكن لو فعله صحّ منه، دون أن يجزئ ذلك عن حجّة الإسلام الواجبة.
  • الحرية: فلا يجب الحجّ على العبد المملوك، وإذا حجّ صحّ حجّه دون أن يُجزىء عن حجّة الإسلام.
  • الاستطاعة: بأن يملك الحاجّ القدرة المالية والبدنية على الحجّ، وعلى القيام بأعماله، وتغطية تكاليفه من حين خروجه وحتى رجوعه.
  • وجود المُحرم للمرأة: فمن لم تجد محرم، فالحج غير واجب في حقّها.

المراجع

  1. ↑ سورة الحج، آية: 78.
  2. ↑ سورة البقرة، آية: 185.
  3. ↑ سورة البقرة، آية: 286.
  4. ↑ "نظرات في يُسر الشريعة الإسلامية "، ar.islamway.net، اطّلع عليه بتاريخ 6-11-2018. بتصرّف.
  5. ↑ عصام بن محمد الشريف (18-7-2017)، "يسر الإسلام وسماحته"، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 6-11-2018. بتصرّف.
  6. ↑ أ.د. عبد الله الدرعان، أ.د. محمد النجيمي، د. عبد السلام الشويعر، د. عثمان الصديقي (2007)، التيسير في أحكام الحج (رؤية فقهية مقارنة)، صفحة 53-216. بتصرّف.
  7. ↑ رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن أبي هريرة، الصفحة أو الرقم: 1337، صحيح.
  8. ↑ رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن عبد الله بن عباس، الصفحة أو الرقم: 3006، صحيح.
  9. ↑ رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن كعب بن عجرة، الصفحة أو الرقم: 1201، صحيح.
  10. ↑ سورة البقرة، آية: 203.
  11. ↑ "حكم الحج وشروط وجوبه"، www.islamweb.net، 20-12-2004، اطّلع عليه بتاريخ 6-11-2018. بتصرّف.