طرق بر الوالدين

طرق بر الوالدين
(اخر تعديل 2023-08-06 01:31:13 )

اهتمام الإسلام بالوالدين

جاء النبي -صلّى الله عليه وسلّم- بالإسلام ليتمّم مكارم الأخلاق التي كانت سائدةً في المجتمعات العربية حينها، وإنّ من أجلّ الأخلاق التي دعا الإسلام إليها؛ الوفاء والإحسان إلى الغير، ورأى الإسلام أنّ أولى الناس بذلك الوفاء والإحسان هما الوالدين؛ لأنّهما سبق فضلهما وإحسانهما على ابنيهما، ولأنّهما كانا السبب الرئيسيّ لوجود ولدهما، مهما كبُرت سنّه، ولقد ذكر النبي -صلّى الله عليه وسلّم- ما يوضّح أولويتهما في البرّ والفضل حين سأله أحد الصحابة: (فقال: يا رسولَ اللهِ، مَن أحَقُّ النَّاسِ بحُسْنِ صَحابَتِي؟ قال: أُمُّك، قال: ثُمَّ مَن؟ قال: أُمُّك، قال: ثُمَّ مَن؟ قال: أُمُّك، قال: ثُمَّ مَن؟ قال: أبوك، ثمَّ الأقرَبُ فالأقرَبُ)،[1] فكان الوالدان أولى الناس بالصحبة والمجالسة، ثمّ خُصصت الأم على الأب بعد ذلك؛ وذلك لما تلاقيه الوالدة من تعبٍ إضافيٍ في حملها ووضعها، وإرضاعها، وعنايتها الحثيثة لابنها طوال عمره.

إنّ القرآن الكريم قد حوى العديد من الآيات التي تحثّ على برّ الوالدين، والإحسان إليهما، وعدم التأفف من أمرهما، وأولى ذلك العناية الكبيرة، حيث قال الله تعالى: (وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا)،[2] وفي موضعٍ آخرٍ قال: (وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا)،[3] ويتّضح من الآيتين الكريمتين وجهٌ آخرٌ من الاهتمام بالوالدين وبرّهما، وهو إقران البرّ والطاعة للوالدين بتوحيد الله تعالى، فأولى أوامر الله -تعالى- لعباده كانت توحيده وعدم الإشراك به، ثم يلي ذلك برّ الوالدين والإحسان إليهما؛ وذلك لأهميّة ذلك العمل، وفضله عند الله تعالى، ويذكر القرآن الكريم أنّ برّ الوالدين لم يكن شريعةٌ مستجدّةٌ على المسلمين وحسب، بل كان مأمورٌ بها بني إسرائيل، وعيسى بن مريم من قبل، ودليل ذلك قول الله تعالى: (وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ لا تَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّهَ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا)،[4] وقال الله -تعالى- على لسان عيسى بن مريم: (وَبَرًّا بِوَالِدَتِي وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّارًا شَقِيًّا)،[5] فإنّ برّ الوالدين والإحسان إليهما هو أمرٌ إلهيٌ على مدى الأزمان ومختلف الأقوام؛ وذلك لمكانة الوالدين وفضلهما على ابنهما على طول دربه.[6]

طرق برّ الوالدين

ذكر العلماء العديد من طرق برّ الوالدين، وفيما يأتي بيان تلك الطرق:[7][8]

  • الدعاء لهما، وهو من أوجب وأحرى الأعمال التي يستطيع الإنسان أن يقدّمها لوالديه، فيدعو لهما بالرحمة والمغفرة، والهداية والصلاح، وتيسير الأمور، وحسن الخاتمة، ورضا الله -تعالى- عليهما.
  • الصدقة عنهما، وقد يكون ذلك في إنشاء وقفٍ خيريٍ باسمهما، وذلك قد يكون ببناء مساجدٍ، أو حفر آبارٍ، أو طباعة مصاحف، وما إلى ذلك، من نشرٍ للخير والعلم، وبذلك ينال الوالدان الأجور المستمرّة حتى بعد وفاتهما، وذلك من عظيم أنواع البرّ بهما.
  • الترويح عنهما، وتقديم شيءٍ من الرفاه لهما، وإن لم يطلبا ذلك.
  • المبالغة في التوقير والاحترام، ومن ذلك؛ تقبيل الرأس واليد تحبّباً، وتواضعاً لهما.
  • مدحهما وذكر فضلهما، فإنّ الوالدين قدّما لابنهما في حياته الكثير من الأفضال؛ بالمال، والنصح، والإرشاد، والتوجيه، والتحفيز وغير ذلك، فإن مدح المرء والديه وذكّرهما بذلك في كبرهما، كان ذلك من طرق برّهما، وإدخال السرور إلى قلبيهما.
  • تفقّد حاجاتهما وقضائها.
  • مشاورتهما في بعض الأمور الخاصة؛ كالتخصص الجامعي، أو الزواج، أو السفر، والسكن، وغير ذلك.
  • حسن الاستماع إليهما، وإعطائهما الاهتمام إذا تكلّما، وإشعارهما بالتفاعل بما يناسب كلامهما؛ من تحريكٍ للرأس، أو موافقةٍ للكلام، وإظهار الابتسام متى استلزم ذلك.
  • الاتصال بهما إن كانت الزيارات قليلةٌ أو صعبةٌ، فإنّ الاتصال يظهر شيئاً من الودّ والاهتمام، إن كان الحضور صعباً.
  • التراجع حتى عن اليمين إذا شعر الإنسان أنّ يمينه قد ألحقت ضرراً، أو رأى أنّ مرضاة والديه في سواها، ما لم يكن أمرهما فيه معصيةٌ لله تعالى.
  • إجابة ندائهما دون تراخٍ، وقد رأى بعض العلماء أن يخرج الإنسان من صلاته إذا كان يصلّي نافلةً، ليجيب نداء والده، وبعضهم رأى أن يقطع الفريضة إن كان معه متسعٌ من الوقت لقضائها.
  • أداء بعض العبادات عنهما بعد وفاتهما؛ كالحجّ، أو قضاء الصيام.

ثمرات برّ الوالدين

للبرّ ثمراتٌ عديدةٌ تعود على صاحبها بالنفع في الدنيا والآخرة، وفيما يأتي بيان بعضها:[9]

  • الأجور العظيمة المترتّبة على برّ الوالدين، فهي العبادة الثانية بعد توحيد الله سبحانه، ودليل ذلك قول الله تعالى: (وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا)،[3] وبر الوالدين في الإسلام عبادةٌ مقدَّمةٌ على الجهاد في سبيل الله تعالى، فحين جاء رجلٌ إلى النبي -صلّى الله عليه وسلّم- يستأذنه للخروج في سبيل الله مجاهداً، قال له رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: (أحَيٌّ والِداكَ قال: نعم، قال: فَفِيهِما فَجاهِدْ).[10]
  • إجابة الله -تعالى- دعوة البارّ بوالديه، فقد ورد عن النبي -صلّى الله عليه وسلّم- أنّه أوصى عمر بن الخطاب أن إذا لقي رجلاً قد عرّفه رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- أنه بارّ شديد البرّ بوالدته، فقال النبي-صلّى الله عليه وسلّم- لعمر بن الخطاب رضي الله عنه: (له والدةٌ هو بها بَرٌّ، لو أقسم على اللهِ لأَبَرَّه، فإن استطعتَ أن يستغفرَ لك فافعلْ).[11]
  • النجاة من الكُرب والهموم ببركة برّ الوالدين، فإنّ في القصة الواردة عن الثلاثة الذين أُغلق عليهم باب مغارةٍ قد دخلوها، فعلقوا داخلها، حتى أوشكوا على الهلاك، فدعوا الله -تعالى- بأرجى عملٍ قدّموه لينجيهم من شدّتهم، فكان دعوة أحدهم أن ينجيه الله -تعالى- ببركة برّه الشديد بوالديه، وكان عمله سبباً في انفراج الصخرة، ونجاتهم جميعاً.
  • دخول الجنة والنجاة من النار، فإنّ فيما ورد عن النبي -صلّى الله عليه وسلّم- أنّه قد أتاه جبريل فقال له: (يا محمَّدُ مَن أدرَك رمضانَ فلم يُغفَرْ له فأبعَده اللهُ قُلْتُ: آمينَ، قال: ومَن أدرَك والديه أو أحدَهما فدخَل النَّارَ فأبعَده اللهُ، قُلْتُ: آمينَ)،[12] فإنّه حريّ بمن التقى والديه في حياته أن يكون برّه سبباً في دخوله جنات الله تعالى.

المراجع

  1. ↑ رواه الهيتمي المكي ، في الزواجر، عن أبي هريرة، الصفحة أو الرقم: 2/66، صحيح.
  2. ↑ سورة النساء، آية: 36.
  3. ^ أ ب سورة الإسراء، آية: 23.
  4. ↑ سورة البقرة، آية: 83.
  5. ↑ سورة مريم، آية: 32.
  6. ↑ "بر الوالدين"، www.ar.islamway.net، اطّلع عليه بتاريخ 2018-10-9. بتصرّف.
  7. ↑ "بر الوالدين سبل للعمل"، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 2018-10-9. بتصرّف.
  8. ↑ "مقترحات وأفكار في "بر الوالدين""، www.saaid.net، اطّلع عليه بتاريخ 2018-10-9. بتصرّف.
  9. ↑ "ثمرات بر الوالدين "، www.saaid.net، اطّلع عليه بتاريخ 2018-10-9. بتصرّف.
  10. ↑ رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن عبد الله بن عمرو، الصفحة أو الرقم: 3004 ، صحيح.
  11. ↑ رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن أسير بن جابر، الصفحة أو الرقم: 2542 ، صحيح.
  12. ↑ رواه ابن حبان، في صحيح ابن حبان، عن مالك بن الحويرث، الصفحة أو الرقم: 409، صحيح.