إعداد تقرير حول الحركة العلمية في العصر العباسي

إعداد تقرير حول الحركة العلمية في العصر العباسي

العصر العبّاسي

تُعتبَر الدولة العبّاسية ثالث خلافة إسلاميّة في التاريخ، وثاني السُّلالات الحاكمة الإسلاميّة، وقد سُمِّيت بالدولة العبّاسية؛ نسبةً إلى عمّ الرسول -صلّى الله عليه وسلّم- العبّاس، أمّا العصر العبّاسي، فهو يُمثِّل الفترة التي تولَّى الحُكم فيها خلفاءُ بني العبّاس، وتمتدُّ هذه الفترة ما بين 132-656هـ/750-1258م، علماً بأنّه قد تَوالى على حُكم الدولة العبّاسية ستٌّ وثلاثون خليفة، كان أوّلهم أبو العبّاس عبدالله بن محمد بن عليّ بن عبدالله بن العبّاس بن عبد المُطَّلب المُلقَّب ب(أبي العبّاس السفّاح)، وآخرهم أبو أحمد عبدالله المعتصم بالله.[1]

الحركة العِلميّة في العصر العبّاسي

بلغت الحضارة العبّاسية عَبر تاريخها مرتبةً عالية من القوّة السياسيّة، والاقتصاديّة، والعسكريّة، بالإضافة إلى الفتوحات الجغرافيّة التي أدَّت إلى اتِّساع رُقعة الدولة العبّاسية، وقد مَهَّد ذلك كلّه الطريق إلى بروز العديد من العلماء الكبار الذين بَرَعوا، وتخصَّصوا في العلوم المختلفة، كعِلم الفِقه، وعِلم الكلام، واللغة، والعديد من العلوم الأخرى، والجدير بالذكر أنّ بَدء الحركة العِلميّة كان في العصر الأُمويّ، إلّا أنّها بلغت أَوْج ازدهارها في العصر العبّاسي، حيث اشتملت الحركة العِلميّة في هذا العصر على معظم مجالات المعرفة، والعديد من أُسُس العلوم التي نعرفها اليوم، حتى أصبح بذلك أزهى عصور الإسلام في مجال العطاء العِلميّ في مختلف المعارف، والمجالات، وقد برز دَور الخلفاء العبّاسيين في التأسيس العِلميّ للدولة العبّاسية، وذلك من خلال تشجيع العلماء على البحث، والعطاء، ومَنْحهم العطايا والهِبات، وتقديم مظاهر الإجلال، والإكرام، والرفعة لهم.[2]

مظاهر الحركة العلمية في العصر العباسي

ازدهرت الحركة العِلميّة في العصر العبّاسي بشكل لافت، وبَرَزت مظاهر هذا الازدهار جليّاً في الدولة العبّاسية، ومن هذه المظاهر ما يأتي:[2]

  • المساجد: تطوَّر دور المساجد (إلى جانب كونها مكاناً للعبادة، والصلاة) لتصبحَ معاهدَ يَقصدُها العلماء، وطلبة العِلم؛ بهدف الدراسة، وتنمية التحصيل العِلميّ، ومن الأمثلة على هذه المساجد: مسجد البصرة، والحرمان: المكّي، والمدنيّ، ومسجد عمرو بن العاص.
  • المكتبات: تمَّ إنشاء المكتبات الكُبرى التي كانت تُمثِّل مناراتٍ للفِكر، والعِلم، والتي دلَّت على مدى التطوُّر الثقافيّ، والتقدُّم الحضاريّ الذي تحقَّق في العصر العبّاسي، ومن أشهر هذه المكتبات، مكتبة بيت الحكمة.
  • المُناظَرات العِلميّة: وهي المُناظَرات التي كانت تتمّ في مجالس الخلفاء، والمساجد، حيث كانت تُعقَد بين الفُقهاء، واللغويّين، وأهل الحديث، ومثال ذلك: المناظرة التي تمَّت بين أصحاب أبي حنيفة، وأصحاب مالك، ومُناظَرة الأصمعيّ للكسائيّ، وممّا يجدر ذِكْره أنّ المُناظَرات العِلميّة كان لها دَورٌ مُهمّ في تطوير الحركة العِلميّة، وتغذية الثقافة الإسلاميّة، وتقويتها.
  • وَضْع العلوم الأساسيّة: وتمثَّلت هذه العلوم باثني عَشر عِلماً، وهي: الصَّرف، والنحو، والحديث، وتفسير القرآن، والوَعْظ، والعَروض، والتصوُّف، والفِقه، والبلاغة، وأصول الأدب، والتاريخ.
  • انطلاق حركة الترجمة: حيث أدّى الانفتاح الكبير للدولة العبّاسية على مختلف الثقافات، والشعوب، إلى رَواج حركة الترجمة، واتِّساعها، فكان أبو جعفر المنصور هو أوّل من أَولى اهتماماً بترجمة كُتُب الأعاجم من بين الخلفاء العبّاسيين، إذ أمر طبيبه جبريل بن بختيشوع بن جورجس بترجمة الكُتُب اليونانيّة إلى اللغة العربيّة، واتَّسعت حركة الترجمة بشكل كبير مع باقي الخلفاء العبّاسيين، أمثال: الرشيد، والمأمون.
  • تطوُّر عِلم الفِقه والكلام: حيث شهد العصر العبّاسي انطلاق المذاهب الفِقهيّة على يد نُخبة من الأئمّة، أمثال: الشافعيّ، وابن حنبل، وأبي حنيفة، ومالك، وما يُميِّز الحركة الفِقهيّة في العصر العبّاسي هو أنّ المذاهب جميعها كانت تدور ضمن إطارٍ فِقهيٍّ واحد، فاختلاف مآخذها يُعتبَر اختلافَ تنوُّعٍ يَدعمُ الحركة الفِقهيّة، ولا يُنقِص من قَدْرها.

الثقافات المنتشرة في العصر العبّاسي

تتميَّز الحركة العِلميّة في العصر العبّاسي بتنوُّع الثقافات المُستمَدَّة من الحضارات الأُخرى، وقد ساهمَت هذه الثقافات بشكل كبير في رُقيِّ الحركة العِلميّة في العصر العبّاسي، وهذه الثقافات هي:[3]

  • الثقافة الفارسيّة: برزَت الثقافة الفارسيّة في العصر العبّاسي بشكل لافت وأكثر ممّا كانت عليه في عصر بني أُميّة؛ ويعود السبب في ذلك إلى اهتمام العبّاسيين بالفُرس، حيث إنّ هذا الاهتمام والتقدير لم يُمنَح لهم في الدولة الأُمويّة، وبدأ بذلك تغلغُل العنصر الفارسيّ في المراكز الإداريّة في الدولة العبّاسية، إذ عَيَّن الخلفاء العبّاسيّون بعض الأُسَر الفارسيّة في مناصب الوزراء، والوُلاة، ومثال ذلك: أسرة البرامكة، وآل سهل، وقد ساهم هذا التداخُل للعنصر الفارسيّ في الدولة العبّاسية إلى انتشار ثقافة الفارسيّين، وتاريخ دولة فارس، وآدابها، وتقاليد حُكّامها، وعاداتها، بالإضافة إلى ذلك، فقد أدّى قُرْب العراق (مركز الخلافة العبّاسية) من بلاد فارس إلى التأثير في الثقافة العربيّة، والأدب العربيّ، وقد اشتملت الثقافة الفارسيّة على معظم مجالات الحياة في الدولة العبّاسية، وساهمت بشكل كبير في ازدهار الحركة العِلميّة، وتطوُّرها، بالإضافة إلى انتشار المنظومات التعليميّة المختلفة في مجال الشِّعر.
  • الثقافة الهنديّة: لم تكن الحدود الجغرافيّة، والمسافات الشاسعة حاجزاً أمام وصول الثقافة الهنديّة إلى الدولة العبّاسية، والعرب؛ حيث وصلَت من خلال طُرُق التجارة، والفَتْح الإسلاميّ، والفُرس، وبذلك تَعرَّف العرب على الثقافة الهنديّة؛ فتعلَّموا أساليب الطبّ الهنديّ، وتعرَّفوا على المُعتقَدات الدينيّة للشعب الهنديّ، كما وَصَل إليهم كتاب السِّند والهند الذي شرحَ أحوال الفَلَك والنجوم، وإضافة إلى ذلك، فقد عرف الأدب العربيّ الأقوال والحِكَم الهنديّة، وعلى الرغم من وجود الثقافة الهنديّة في الحضارة العبّاسية، وتأثيرها الكبير في ثقافتها، إلّا أنّ تأثيرها كان أقلّ من الثقافة الفارسيّة؛ ويُعزى ذلك إلى بُعد المسافة عن مركز الحضارة العبّاسية، كما أنّ الثقافة الهنديّة لم يتمّ دَعْمها سياسيّاً، ممّا قلَّل من انتشارها، ونفوذها، ومع ذلك، فإنّنا لا نُنكِر دور الثقافة الهنديّة في ازدهار الحركة العِلميّة، وتطوُّرها في العصر العبّاسي.
  • الثقافة اليونانيّة: انتشرَت الثقافة اليونانيّة في الدولة العبّاسية لعدّة أسباب، منها: نشاط حركة الترجمة وتطوُّرها، وفتوحات الإسكندر المقدونيّ لبلاد المَشرق، ووجود العديد من المدارس التي تُعلِّم الثقافة اليونانيّة، وقد ساهمت هذه الأسباب بشكل كبير في وصول الثقافة اليونانيّة إلى الفِكر العربيّ، حيث عَرَفت الدولة العبّاسية الفلسفةَ اليونانيّةَ، والأدب اليونانيّ الذي اقتصرَ على الحِكَم، والمعاني اليونانيّة التي وَرَدت في بعض أبيات الشِّعر.

المراجع

  1. ↑ وفاء عوض محمد علي حميد، النهضة العلمية في عصر الخليفة العباسي المأمون، صفحة 1. بتصرف.
  2. ^ أ ب عبد اللطيف بو عبدلاوي، فقه ابن الماجشون في الفقه المالكي (جمع ودراسة) (سلسلة الرسائل والدراسات ...، لبنان-بيروت: دار الكتب العلمية ، صفحة 28-33. بتصرف.
  3. ↑ مازن طلال الناصر، "المنظومات التعليمية في الشعر العباسي حتى نهاية القرن الرابع الهجري"، صفحة 9-14. بتصرف.