حكم صيام الحامل

حكم صيام الحامل
(اخر تعديل 2024-03-29 11:21:01 )

يسر الشريعة الإسلامية

فرض الله تعالى الصيام على المسلمين، وجعل محلّه شهر رمضان من كلّ عامٍ، قال الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ)،[1] والأصل في الصيام أنّه واجبٌ على كلّ مسلمٍ ومسلمةٍ مكلّفين، إلا أنّ الإسلام دين الفطرة والحياة؛ فقد جاء بالتيسير على الناس، ورفع الحرج والعنت عنهم، وتشريعاته الناظمة للشعائر التعبديّة لا تحمل أيّ ضررٍ أو مشقّة، بل إنّ علماء أصول الفقه قرّروا في قواعدهم الفقهية أنّ المشقة تجلب التيسير، وصدق الله سبحانه إذ يقول: (مَا يُرِيدُ اللَّـهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُم مِّنْ حَرَجٍ)،[2] ومن هنا ظهرت مسألة صيام المرأة الحامل؛ فهل نظر الفقهاء في حكمهم إلى ذات المرأة الحامل أم إلى جنينها، أم إلى كليهما، أم أنّ الأمر متعلّقٌ بالخوف من حصول المشقة أو الضرر؟

حكم صيام الحامل

الأصل أنّ الحامل ومثلها المرضع يجب عليها صيام شهر رمضان في وقته مع عموم المسلمين، لكنّ لأهل الفقه في المسألة استثناءاتٍ تبعاً لاحتمال حصول ضررٍ أو مشقةٍ نتيجة التزامها بالصيام؛ ففصّلوا الحكم على النحو الآتي:[3][4]

  • إذا خافت المرأة الحامل على نفسها، أو كان خوفها على نفسها وجنينها، بأن يلحقهما مشقّة غير معتادةٍ بسبب حاجتهما إلى الطعام والشراب، أو دعت الحاجة لتناول علاج معيّن، أو نصح طبيبٌ مختصٌّ ثقةٌ المرأة الحامل بالإفطار أفطرت، وهي في ذلك بحكم المريض، حيث يقول الله تعالى: (وَمَن كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَىٰ سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ)،[5] وذهب بعض أهل العلم في مثل هذه الحال إلى كراهة الصيام في حقّها، بل إنّ بعض الفقهاء أوجب الإفطار وحرّم الصوم عليها إذا كانت تخشى على ولدها.
  • في الحالة السابقة يلزمها القضاء فقط بعد زوال عذرها، ولا يصحّ لها أن تقوم بدفع فدية للصيام بديلاً عن القضاء.
  • إذا كان خوف المرأة الحامل على جنينها فقط، كأن تخشى سقط الجنين، ولا خوف عندها على نفسها؛ فيلزمها حينئذٍ القضاء ودفع فدية عن كلّ يوم أفطرته بسبب الخوف على الجنين، وذهب بعض الفقهاء كالإمام أبي حنيفة وغيره إلى أنّه لا يلزمها سوى القضاء على كلّ حال، سواء كان الخوف على نفسها وجنينها أو على جنينها وحده؛ لأنّه ليس في إيجاب فدية الإطعام دليلٌ في القرآن الكريم أو السنة النبوية، والأصل أنّ ذمّة الحامل بريئة حتى يقوم الدليل على شغلها.
  • المشقّة الطبيعية المحتملة التي يتحمّلها عموم الصائمين، ولا تتضرر بها الأم الحامل أو جنينها ليست مبرّراً للإفطار، ويحصلُ أنْ تكون المرأة الحامل نشيطة وقوية، ولا يلحقها مشقة ولا ضررٌ على جنينها؛ فتصوم بناءً على حكم الأصل.
  • تبادر المرأة بعد زوال عذرها، وإنجاب طفلها، واستعادة عافيتها، وتحقّق طهرها من النّفاس إلى قضاء ما فاتها صيامه، ما لم يطرأ عذر الإرضاع؛ فتفطر حتى زوال العذر الآخر.

تعريف الصيام وحكمة تشريعه

لا شكّ أنّ الصيام طاعة من أجلّ الطاعات، وقربى لها فضل كبير، وليس أدلّ على ذلك من كونه يطوّع تصرّفات المسلم بما ينسجم مع أحكام الشرع، وبيان المعنى اللغوي والاصلاحي للصيام يعطي إشارة جليّة إلى كون صيام العبد مقترنٌ بالكفّ عن مرغوباته؛ استجابةً لأمر الله تعالى.

تعريف الصيام

  • الصيام لغةً: الصيام في اللغة من الجذر اللغوي صوم؛ الصاد والواو والميم أصلٌ دالٌّ على الإِمساك والركود في مكان واحد، ومن دلالاته صيام المرء أي: أنّه يمسك عن كلّ ما منع منه، والصمت يعدّ صوماً كذلك، بمعنى الإِمساك عن الكلام .[6]
  • الصيام شرعاً: عبارةٌ عن إمساكٍ مخصوصٍ؛ وهو الإمساك عن تناول مأكولٍ أو مشروبٍ، أو ممارسة الجِماع من الصبح إلى المغرب مع استحضار النيّة،[7] وهو عبادة فرضها االله تعالى وأوجبها على جميع الأمم ابتداءً من آدم -عليه السلام- وانتهاءً بأمّة النبي محمد -عليه الصلاة والسلام- حيث يقول الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ).[1][8]

الحكمة التشريعية للصيام

فرض الله -عز وجلّ- الصيام لحِكم جليلة، ومقاصد عظيمة يحسن الوقوف على بعضها:[9]

  • يُظهر العبد من خلال الالتزام بالصيام الاستسلام لأمر الله سبحانه، وهو طريقٌ لتحقيق تقوى الله عز وجلّ، فالصائم الذي يمنع نفسه عمّا أباحه الله له في نهار رمضان، يصبح أكثر قدرةً وأمتن إرادةً في منع نفسه من ارتكاب المحرّمات في غير رمضان.
  • يقود الصيام إلى تذكير الصائمين بمن حولهم من الفقراء وأصحاب الحاجات، فيتعمّق إحساس الشّفقة والرحمة بحالهم؛ فيُسارِع إلى مدِّ يد العون لهم.
  • الصيام فيه قدرة على إضعاف سيطرة الشيطان على العبد، حيث يسهلُ على الصائم قهر وسوسته؛ فتعلو همّة الصائم في ميدان الطاعات.
  • الصيام يعمل على كسرِ حدّة الشهوة، ويتأكد هذا المعنى عندما نجد النبي -عليه الصلاة والسلام- يحثّ الشباب على الصوم في سبيل تحصين النفس من خطر الانزلاق في الفاحشة، وفي سبيل السيطرة على نزوعها للرّذيلة، فقال عليه السلام: (مَن استطاع منكم الباءةَ فلْيتزوَّجْ فإنَّه أغضُّ للبصرِ وأحصَنُ للفَرْجِ ومَن لم يستطِعْ منكم الباءةَ فلْيصُمْ فإنَّه له وجاءٌ)،[10] فالشهوة تسكن وتضعف باعتياد الصوم.
  • الصيام محطّةٌ أخلاقيّةٌ ومناسبةٌ سانحةٌ للصائم؛ ليتدرّب فيها على سلوكياتٍ إيجابيةٍ كثيرةٍ، ويتمرّن فيها على قِيَم عالية، مثل مجاهدة النفس والصبر، والانضباط في تنظيم وقته والتزاماته، وضبط الكلام من الإساءة واللغو، وهو أيضاً ميدانٌ واسعٌ لتوطين النفس على استحضار مراقبة الله عز وجل.
  • الصيام له آثارٌ عظيمةٌ في صحة البدن وسلامتها من الأسقام والأمراض والأوجاع خاصةً ما يمنحه الصيام من فرصة لراحة الجهاز الهضميّ، ويستطيع الجسم تفريغ سمومه، ويحسّ المصابون بأمراض السّكر وارتفاع الضغط وغيرها براحةٍ كبيرةٍ خلال شهر رمضان، وبعض الأطباء من غير المسلمين يعالجون مرضاهم بالامتناع عن الطعام والشراب كوسيلةٍ للتخلّص من بعض الأمراض.

المراجع

  1. ^ أ ب سورة البقرة، آية: 183.
  2. ↑ سورة المائدة، آية: 6.
  3. ↑ محمد المنجد (7-11-2003)، "حكم صيام المرضع والحامل"، www.islamqa.info، اطّلع عليه بتاريخ 13-4-2018. بتصرّف.
  4. ↑ دائرة الافتاء (22-7-2014)، "حكم صيام الحامل والمرضع"، www.aliftaa.jo، اطّلع عليه بتاريخ 13-4-2018. بتصرّف.
  5. ↑ سورة البقرة، آية: 184.
  6. ↑ أحمد بن فارس (1979م)، معجم مقاييس اللغة، بيروت: دار الفكر، صفحة 323، جزء 3. بتصرّف.
  7. ↑ علي الجرجاني (1983م)، التعريفات (الطبعة الأولى)، بيروت: دار الكتب العلمية، صفحة 136.
  8. ↑ محمد بن عمر الرازي (1420هـ)، مفاتيح الغيب (الطبعة الثالثة)، بيروت: دار إحياء التراث العربي، صفحة 239، جزء 5. بتصرّف.
  9. ↑ محمد الشوبكي (28-6-2015م)، "الحكمة من تشريع الصيام"، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 13-4-2018م. بتصرّف.
  10. ↑ رواه ابن حبان، في صحيح ابن حبان، عن عبد الله بن مسعود، الصفحة أو الرقم: 4026 ، أخرجه في صحيحه.