ختم القرآن في رمضان
شهر رمضان
قال الله تعالى في محكم التنزيل: (شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَىٰ وَالْفُرْقَانِ ۚ فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ ۖ وَمَن كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَىٰ سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ ۗ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَىٰ مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ).[1] شهر رمضان هو شهرُ القرآن، حيث أُنزل القرآن من اللوح المحفوظ إلى السماء الدنيا في ليلة القدر، وشهر رمضان هو شهر المغفرة، تُصفّدُ فيه الشياطين، وتُفتَح أبواب الجنة، وتُغَلق أبواب النار، ويتضاعف أجر الأعمال الصالحة، ويعمل المسلمون جاهدين على كسب أكبر قدرٍ من الحسنات، حيث تُضاعف الحسنات في هذا الشهر الكريم، ويتسابق الناس على فعل الخير، وعبادة الله والتقرب إليه، فيحرصُ المسلم في هذا الشهر على صلاة الجماعة، وصلاة التراويح، وصلة الرحم. ومن العبادات التي يحرص عليها المسلم أيضاً هو قراءة القرآن الكريم ومحاولة ختمهِ أكثر من مرةٍ طمعاً بالأجر والثواب المضاعفين.
فضل القرآن الكريم في رمضان
لقرآة القرآن الكريم فضل عظيم يعود على المسلم، وهو كما ورد عن الرّسول عليه السّلام في الحديث الشريف: (من قرأ حرفًا من كتابِ اللهِ فله به حسنةٌ، والحسنةُ بعشرِ أمثالِها، لا أقول ألم حرفٌ، ولكن ألفٌ حرفٌ، ولامٌ حَرفٌ، وميمٌ حَرفٌ).[2] هذا الفضل الوارد في الحديث يشمل القراءة في الأيام العادية، أما في شهر رمضان فيتضاعف فيه العمل إلى سبعين ضعفاً، ولهذا يحرص المسلمون على المداومة على قراءة القرآن الكريم في رمضان وختمه أكتر من مرّة طمعاً في الأجر والثواب.
ختم القرآن
يمكن للمسلم قراءة ما شاء من القرآن الكريم يوميّاً، إلا أن الوارد عن الرّسول عليه السّلام ألّا تقل مدّة ختم القرآن عن ثلاثة أيّام، فيتمكّن المسلم من التفكّر في معانيه، وتدبّر آياته، والاستشعار بعظمة المعجزات الواردة فيه، ويحيا القصص التي سُردت بين تفاصيله، وهو لما ورد في الحديث الشّريف عن الرّسول عليه السّلام: (عن عبدِ اللَّهِ بنِ عمرٍو أنَّهُ قالَ: يا رسولَ اللَّهِ! في كم أقرأُ القرآنَ؟ قالَ: في شَهرٍ. قالَ: إني أقوى من ذلِكَ، يردِّدُ الْكلامَ أبو موسى وتناقصَهُ حتَّى قالَ: اقرأْهُ في سبعٍ. قالَ: إني أقوى من ذلِك. قالَ: لاَ يفقَهُ من قرأَهُ في أقلَّ من ثلاثٍ)،[3] إلا أنّ الإباحة في ختم القرآن الكريم بأقلّ من ذلك خاصّة في ليلة القدر وما شابهها ممّا يتطلّب قيام الليل والمداومة على القراءة فقد استُحبَّ القراءة قدر المستطاع كسباً للوقت، وهو كما قال ابن رجب: (وإنما ورد النهي عن قراءة القرآن في أقل من ثلاث على المداومة على ذلك، فأما في الأوقات المُفضّلة كشهر رمضان، خصوصاً الليالي التي يطلب فيها ليلة القدر، أو في الأماكن المفضلة كمكة شرفها الله لمن دخلها من غير أهلها، فيُستحبّ الإكثار فيها من تلاوة القرآن اغتناما للزّمان والمكان، وهذا قول أحمد وإسحق وغيرهما من الأئمة).[4]
فضل قراءة القرآن الكريم
قراءة القرآن الكريم من أفضل الأعمال المشروعة عند الله تعالى، وقد وردت أهميّة المداومة على قراءة القرآن في آياته، كما ورد ذلك أيضاً في السّنة النبويّة عن الرّسول عليه السّلام، فقد ورد العديد من الأحاديث الشريفة التي تُبيّن فضل قراءة القرآن، ومنها:
- (قرؤوا القرآنَ؛ فإنه يأتي يومَ القيامةِ شفيعًا لأصحابِه، اقرؤوا الزهْرَاوينِ: البقرةَ وآلَ عمرانَ، فإنَّهما يأتيانِ يومَ القيامةِ كأنَّهما غمامَتانِ أو غيايتانِ، أو كأنَّهما فِرْقَانِ من طَيْرٍ صَوَافَّ تُحَاجَّانِ عن أصحابِهما، اقرؤوا سورةَ البقرةِ؛ فإنَّ أخْذَها بركةٌ، وترْكُها حسرةٌ، ولا تستطيعُها البطَلَةُ).[5]
- (يُؤتَى بالقرآن يومَ القيامةِ وأهلِه الذين كانوا يعمَلون به، تقدُمُه سورةُ البقرةِ وآلُ عمرانَ، وضرب لهما رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم ثلاثةَ أمثالٍ ما نسيتُهنَّ بعد، قال: كأنهما غَمامتان أو ظُلَّتانِ سوداوانِ بينهما شرقٌ، أو كأنهما حِزْقانِ من طيرٍ صوافَّ تُحاجَّانِ عن صاحبِهما).[6]
- (خيرُكم مَن تعلَّم القرآنَ وعلَّمه. قال : وأقرَأَ أبو عبدِ الرحمنِ في امرةِ عُثمانَ حتى كان الحَجَّاجُ، قال: وذاكَ الذي أقعَدني مَقعَدي هذا).[7]
- (الماهرُ بالقرآن مع السفرةِ الكرامِ البرَرَةِ، والذي يقرأ القرآنَ ويتَتَعْتَعُ فيه، وهو عليه شاقٌّ، له أجرانِ. وفي روايةٍ: والذي يقرأُ وهو يشتدُّ عليه له أجرانِ).[8]
- (مَثَلُ المؤمنِ الذي يقرأ القرآنَ كمثلِ الأُترُجَّةِ، ريحُها طيِّبٌ، وطعمُها طيِّبٌ. ومَثَلُ المؤمنِ الذي لا يقرأ القرآنَ كمثلِ التَّمرةِ، لا ريحَ لها وطعمُها حلوٌ. ومَثَلُ المنافقِ الذي يقرأ القرآنَ كمثلِ الرَّيحانةِ، ريحُها طيِّبٌ، وطعمُها مُرٌّ. ومَثَلُ المنافقِ الذي لا يقرأ القرآنَ كمثلِ الحنْظلةِ، ليس لها رِيحَ، وطعمُها مُرٌّ).[9]
- (لا حسدَ إلا في اثنتَين: رجلٍ آتاه اللهُ القرآنَ فهو يقوم به أناءَ الليلِ وآناءَ النهارِ، ورجلٍ آتاه اللهُ مالًا فهو ينفقُه آناءَ الليلِ وآناءَ النهارِ).[10]
- (يقالُ لصاحِبِ القرآنِ: اقرأ، وارتَقِ، ورتِّل كَما كُنتَ ترتِّلُ في الدُّنيا، فإنَّ منزلتَكَ عندَ آخرِ آيةٍ تقرأُ بِها).[11]
- (إنَّ الذي ليس في جوفِه شيءٌ من القرآنِ كالبيتِ الْخَرِبِ).[12]
- (تَعاهَدُوا القُرْآنَ ، فوَالَّذِي نَفسِي بِيدِه ، لَهُوَ أشَدُّ تَفَصِّيًا من قُلُوبِ الرِّجالِ من الإبلِ من عُقُلِها).[13]
- (اقْرَأْ عَلَيَّ. قلتُ: يا رسولَ اللهِ، أقرَأُ عليكَ وعليكَ أُنزِلَ؟ قال: نعم. فقرأتُ سورةَ النساءِ حتى أتيتُ إلى هذه الآية: (فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلَاءِ شَهِيدً). قال: حسبُكَ الآن. فالتفتُ إليهِ، فإذا عيناه تذْرِفان).[14]
المراجع
- ↑ سورة البقرة، آية: 185.
- ↑ رواه الألباني، في صحيح الترغيب، عن عبد الله بن مسعود، الصفحة أو الرقم: 1416.
- ↑ رواه الألباني، في صحيح أبي داود، عن عبد الله بن عمرو، الصفحة أو الرقم: 1390 .
- ↑ خالد بن سعود البليهد، "فضل ختمة القرآن وأحكامها"، صيد الفوائد. بتصرّف.
- ↑ رواه الألباني، في صحيح الجامع، عن أبي أمامة الباهلي، الصفحة أو الرقم: 1165.
- ↑ رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن النواس بن سمعان، الصفحة أو الرقم: 805.
- ↑ رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن عثمان بن عفان، الصفحة أو الرقم: 5027.
- ↑ رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن عائشة أم المؤمنين، الصفحة أو الرقم: 798.
- ↑ رواه الألباني، في صحيح الجامع، عن أبي موسى الأشعري عبدالله بن قيس، الصفحة أو الرقم: 5840 .
- ↑ رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن عبد الله بن عمر، الصفحة أو الرقم: 815 .
- ↑ رواه الألباني، في صحيح الترمذي، عن عبد الله بن عمرو، الصفحة أو الرقم: 2914 .
- ↑ رواه الترمذي، في سنن الترمذي، عن عبد الله بن عباس، الصفحة أو الرقم: 2913.
- ↑ رواه الألباني، في صحيح الجامع، عن أبي موسى الأشعري عبد الله بن قيس، الصفحة أو الرقم: 2956.
- ↑ رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن عبد الله بن مسعود، الصفحة أو الرقم: 5050.