احكام الشريعة الاسلامية

احكام الشريعة الاسلامية
(اخر تعديل 2023-08-06 01:31:13 )

الشريعة الإسلامية

يمكن تعريف الشريعة الإسلامية بأنّها الدين الذي اصطفاه الله -تعالى- لعباده، وهو يشمل جميع ما شرعه لهم -سبحانه- وبيّنه من الأوامر والنواهي والحلال والحرام، وفي هذا يقول المولى -سبحانه-: (ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِنَ الْأَمْرِ فَاتَّبِعْهَا وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ)،[١] وتسمّى الشريعة بالشِّرْعَةُ، وهي مورد الأتباع ومقصد العباد، لذا يجد الباحث أنّ معناها الاصطلاحي متّسقٌ مع أصل معناها في لغة العرب؛ فالعرب تُسمي المكان الذي يتمكّن فيه ورود الماء للرّاكب والشارب من النهر بالشريعة، ومقرّر في عند أهل العلم أنّ شرع من قبلنا شرع لنا ما لم يأتِ ناسخ، قال الله عزّ وجلّ: (شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ)،[٢] وحقيقة الشّريعة أنْ يتّبع المرء رُسل الله ويدخل طاعتهم؛ فإنّ الخروج عن طاعة الله -تعالى- ورسله -عليهم السلام- خروج عن الشريعة، والمنهج المعتبر في الاتباع هو ما كان على منهج النبي صلّى الله عليه وسلّم، وقد حذّر المولى -تعالى- من الابتداع والخروج عن جادّة الطريق المستقيم، قال سبحانه: (وَأَنَّ هـذا صِراطي مُستَقيمًا فَاتَّبِعوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُم عَن سَبيلِهِ ذلِكُم وَصّاكُم بِهِ لَعَلَّكُم تَتَّقونَ).[٣][٤]

أحكام الشريعة الإسلامية

يُقصد بالحكم الشرعي عند علماء الأصول: خطاب الشريعة الإسلامية المرتبط بأفعال المكلّفين به على وجه الاقتضاء أو التخيير أو الوضع، ويعدُّ الفقهاء الأثر المترتّب على الخطاب الشرعي من وجوب وغيره هو الحكم وليس الخطاب ذاته، وبناءً على هذا التعريف فإنّ الأحكام الشرعية تنقسم إلى قسمين: الحكم التكليفي والحكم الوضعي، ويمكن فهم هذين القسمين وعلاقتهما بالتعريف من خلال استيعاب أنّ الاقتضاء في تعريف الحكم الشرعي يعني الطلب من المكلّف، وسمّي تكليفي، لأنّه يحمل كُلفةً على المرء، أمّا التخيير الوارد في التعريف فيُقصد به أنّ المكلّف مُخيّر بين الفعل أو الترك؛ فلا خطاب أمر أو نهي فيه، وبأحكام الاقتضاء والتخيير يكون الحكم التكليفي قد اكتملت صورته، أمّا الحكم الوضعي فقد ترتّب على المراد من الوضع في التعريف السابق، وهو خطاب الشرع المتعلّق بجعل الشيء سبباً أو شرطاً أو مانعاً أو صحيحاً أو فاسداً، ولكلّ حالةٍ أحكامٌ وتفصيلاتٌ،[٥] ويمكن توضيح ذلك فيما يأتي:

أقسام الحكم التكليفي

تنقسم الأحكام التّكليفية عند جمهور العلماء إلى خمسة أقسامٍ، هي: الفرض والندب والإباحة والحُرمة والكراهة،[٥] وبيان ذلك على النحو الآتي:[٦]

  • الواجب: هو كلّ أمرٍ جاءتْ به الشريعة على وجه الإلزام، ومن الأمثلة عليه إقامة الصلوات الخمس، وصيام شهر رمضان، وأداء الزكاة لمن استوفى شروطها، وحجّ بيت الله الحرام بحقّ من استطاع إليه سبيلاً، وغيرها، والواجب يُثاب فاعله ويُعاقب تاركه، ويسمّى أيضاً بالفرض ويأخذ صفة الحتم والإلزام الشرعي.
  • المندوب: هو ما جاء الأمر من الشرع لكن ليس على وجه الحتم والإلزام، وبناءً على ذلك الفهم فإنّ فاعله يُثاب وتاركه لا يُعاقب، ومثاله: الأمر بالأذكار، وصيام يوم عرفة، وقيام الليل، ونحو ذلك، ويطلق على المندوب أسماءٌ أخرى، مثل: المستحبّ والمسنون.
  • الحرام: وهو ما جاء النهي عنه على وجه الإلزام بتركه، مثل: الوقوع بالزنا، وأكل الربا، وعقوق الوالدين، وغير ذلك، والمحرّم يستحقّ فاعله العقوبة كما يستحقّ تاركه المثوبة لامتثاله أمر الشارع الحكيم، ويسمّى الحرام بالممنوع والمحظور.
  • المكروه: هو ما نهى عنه الشارع الحكيم، ولكن ليس إلزاماً بالترك وحتماً على المكلّف، ومثاله: السهر بعد العشاء، والصلاة بكشف العاتقين أو أحدهما، وغير ذلك، والمكروه لا يُعاقب فاعله غير أنّ تاركه يُؤجر لامثاله توجيه الشرع الحكيم.
  • المباح: ويسمّى الجائز أو الحلال، وهو: كلّ ما تركه الشرع لاختيار المكلّف؛ فلا يتعلّق به أمرٌ ولا نهي لذاته، ومثاله: إتيان الزوجة في ليل رمضان، والتمتّع بالطعام والشراب، والاتّجار في السوق، والسياحة في الأرض، وتجدر الإشارة إلى أنّ المباح يكون مباحاً لذاته، أمّا إذا تعلّق فعله لتمام أمر واجبٍ أصبح واجباً، فيصبح شراء الماء واجبٌ بحقّ من فقده إلّا بالشراء لتحصيل الطهارة وأداء صلاةٍ مفروضةٍ، كما أنّ ترك المباح قد يصبح واجباً إذا أدّى فعله لأمرٍ محرّمٍ.
  • أقسام الحكم التكليفي تزيد عند الحنفية قسمين آخرين غير ما اتّفق عليه جمهور العلماء، فالأول: يسمّونه الواجب وهو في مرتبةٌ بين الفرض والمندوب، والثاني: يسمّونه بالكراهة التحريمية، وتقع بين الحرمة والكراهة التنزيهية، وعلى هذا فإنّ الفرض مختلف الدلالة عن الواجب عندهم خلافاً للجمهور.[٥]
  • تقسيمات الحكم التكليفي السابقة لها تقسيماتٌ أخرى لاعتباراتٍ متعدّدةٍ تنبثق عن كلّ قسمٍ منها؛ فالواجب على سبيل المثال يكون عينيّاً في أحيان وكفائيّاً في أحيانٍ أخرى.[٥]

أقسام الحكم الوضعي

الحكم الوضعي ينقسم حسب طبيعة تعلّق الحكم التكليفي به إلى أقسامٍ خمسةٍ، وهي: السبب، والشرط، والمانع، والصحيح ويقابله الباطل، والعزيمة ويقابلها الرخصة، وبيان ذلك فيما يأتي:[٧]

  • السبب: ويقصد بالسّبب في اصطلاح أهل العلم: المعنى المعلوم الذي دلّ الدليل السمعي في الكتاب والسّنة على كونه علامةٌ دالّةٌ على حكمٍ شرعي، ومثاله: جعْلُ الشرع الزنا سبباً لوجوب إقامة الحد؛ فالحد حكم شرعي أُضيف إلى الزنا، وطلوع الفجر سببٌ في وجوب صلاة الفجر؛ فصلاة الفجر حكمٌ شرعيٌ أُضيف إلى الفجر، ممّا يدلّ على أنّ طلوعه هو السبب.
  • الشرط: ويُعرّف اصطلاحاً بأنّه ما يتوقّف على وجوده وجود الحكم وجوداً شرعيّاً، وهو خارجٌ عن حقيقة الحكم، وحقيقته أنّ عدمه يستوجب انعدام الحكم؛ فلا يتحقّق الحكم إلّا بوجود الشرط الذي وضعه الشارع له، ومثاله: شرط الوضوء للصلاة المقبولة شرعاً؛ فلا صلاة بالمعنى الشرعي إلّا بشرط تحقّق الطهارة بالوضوء بالرّغم من أنّ الوضوء بذاته خارجٌ عن فعل الصلاة وليس جزءاً منها، ومثاله أيضاً اشتراط الإحصان لإقامة حدّ الرجم للزاني.
  • المانع: ويعني في الاصطلاح الشرعي: الوصف الظاهر المنضبط الذي يستلزم وجوده انعدام وجود الحكم أو تحقّق السبب؛ فحقيقته أنّه يلزم من وجوده العدم، ولا يلزم من عدمه وجود ولا عدم، ومن الأمثلة الموضّحة له الاختلاف الدين والقتل في مسألة تقسيم الميراث، فالزوجية والقرابة سببان للحصول على حقّ في الميراث، لكنّ ذلك لا يتمّ إلّا بانتفاء المانع، وهو اختلاف الدِّين أو القتل؛ فإذا وجد أحدهما انعدم الحكم وهو حق الميراث بسبب القرابة أو الزوجية.
  • الصحيح والباطل: فالحكم الصحيح في اصطلاح أهل الأصول: هو حصول الثمرة المطلوبة من المكلّف شرعاً عليه، فإذا وقع السبب، ووجد الشرط، وانتفى المانع، ترتّب الأثر الشرعي على فعل المكلّف، وبالمقابل الحكم الباطل أوغير الصحيح: وهو الذي لا يترتّب على فعله الأثر الشرعي له، فإذا كان تكليفاً واجباً لا يسقط عن المكلّف، ولا تبرأ ذمته من أدائه، وإنْ كان سبباً فلا ينعقد حكمه، وإن كان شرطاً فلا يوجد المشروط، ومثال ذلك أداء الصلاة، فإذا أدّاها المكلّف بحيث استوفى أركانها وشروطها سقطتْ عنه وبرأتْ ذمّته، ويكسب بسبب أدائها الصحيح الأجر والمثوبة من الله تعالى، وإنْ كان الأمر خلاف ذلك فهي باطلةٌ غير صحيحةٍ، ويلزم المكلّف إعادتها، وعقد البيع الصحيح هو ما استوفى الأركان والشروط الشرعية المقرّرة وترتّب عليه آثاره، مثل: نقل الملكية إلى المشتري، وإلّا فهو عقدٌ باطلٌ غير صحيحٍ، ولا تنتقل به الملكية للمشتري.
  • العزيمة والرخصة: وهذا القسم كان موضع خلافٍ بين أهل العلم والأصوليين على اعتباره داخلاً في أقسام الحكم الوضعي أم غير داخل؛ فذهب كثير من أهل العلم كالإمام الغزالي والآمدي والشاطبي إلى عدّه في أقسام الحكم الوضعي، وتعرّف العزيمة بأنّها ما شرعه الله -تعالى- لعامة عباده من الأحكام ابتداءً، أمّا الرّخصة فيشار فيها إلى الحكم الثابت على خلاف الدليل لعذرٍ، فهي لا تكون رخصةً إلّا بقيدين، أولهما وجود الدليل الشرعي للحكم سواءً الموجب أو المانع، والقيد الثاني أنْ يوجَد العذر المُبيح للرخصة؛ فيخرج بذلك ما قد يُستباح خارج حدود الرّخصة، والأحكام الشرعية التكليفية جميعها تُعدّ عزائم يلتزم العبد بتنفيذها كما جاءتْ التزاماً وطاعة لله تعالى، فإنْ طرأ عذر رُفع الإثم والحرج والعقاب عمّن فعل المحرم من المكلفين، بل صار الحكم بحقّه رخصة من الله تعالى، ومثال ذلك: صيام رمضان؛ فيجوز الإفطار في رمضان للمسافر رخصةً، وتحريم أكل الميتة؛ فيجوز أكل الميتة للمضطر رخصةً.

المراجع

  1. ↑ سورة الجاثية، آية: 18.
  2. ↑ سورة الشورى، آية: 13.
  3. ↑ سورة الأنعام، آية: 153.
  4. ↑ محمد المنجد (3-5-2014)، "ما هي الشريعة ؟"، www.islamqa.info، اطّلع عليه بتاريخ 8-12-2018. بتصرّف.
  5. ^ أ ب ت ث وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية الكويتية (1404 - 1427)، الموسوعة الفقهية الكويتية (الطبعة الثانية)، الكويت: دار السلاسل، صفحة 65، جزء 18. بتصرّف.
  6. ↑ محمد المنجد (8-7-2012)، "الأحكام التكليفية وأمثلتها"، www.islamqa.info، اطّلع عليه بتاريخ 8-12-2018. بتصرّف.
  7. ↑ الأستاذ الدكتور محمد مصطفى الزحيلي (1427)، الوجيز في أصول الفقه الإسلامي (الطبعة الثانية)، دمشق: دار الخير، صفحة 389-433، جزء 1. بتصرّف.