الحكمة من خلق الإنسان

الحكمة من خلق الإنسان

الحكمة من خلق الإنسان

لم يخلق الله جلّ وعلا بني آدم عبثاً إنما خلقهم لمهمة عظيمة وكبيرة، ويتجلى ذلك في قوله تعالى: (أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ) [المؤمنون: 115] فمن غير المعقول أن يخلقنا الله على هذه المعمورة ويسخر لنا كل ما حولنا في الكون من جبال وبحار وأنهار ومحيطات وشجر وحجر وكائنات ويخلقنا في أحسن وأبهى صورة، ويكرمنا هذا التكريم ويخصه لنا بني البشر، فقط لنأكل ونشرب ونتكاثر ونلهو ونلعب، إنما خلقنا البارئ لمهمة عظيمة وجسيمة من أدركها وعمل بها نال الخير في الدنيا والآخرة.

العبادة سبب خلق الإنسان

خلق الله الإنسان وسخّر له كلّ ما في الكون للمهمة العظيمة المتجلية بقوله تعالى: (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ) [الذاريات: 59] إذن خلقنا البارئ جلّ في علاه لعبادته وحده لا شريك له وفي ذلك تكريمٌ للإنسان؛ فأي شرف أكبر وأعظم للإنسان من أن يكون عبداً لرب الأرباب يعبده ويطيعه ويذكره ويشكره على نعمه؟! فيزيده الله بكل شكر نعماً أخرى حتى ليعجز عن شكر ربه لما حباه من نعم شتى، كما تتجلى هذه العبادة والصلة القوية بين العبد وربه في أن يدعو العبد ربه في كل الظروف والأوقات، فيستحيب له ويفرّج عنه ما أهمّه، ويقف إلى جانبه ويعينه في أزمته ومحنته.

المفهوم الأشمل للعبادة

ولا يقتصر مفهوم العبادة على الصلاة والصيام والذكر وقراءة القرآن ومناسك العبادة المعروفة لدينا، بل يتعداه إلى مراحل أعمق وأشمل ويتعداه أيضاً إلى معانٍ أعظم وأسمى، منها أن يستشعر الإنسان كونه خليفة لله على هذه المعمورة، والموكل بإصلاحها وتعميرها وجعلها مكاناً أجمل وأفضل، خلقه فيها وفضّله على كثير ممن خلق تفضيلاً؛ ليصلح الأرض ويعمرها ويجعلها مكاناً مليئاً بالخير والسلام والحب والجمال بين البشر فيها، فيطعم مسكيناً، أو يساعد فقيراً، أو يغيث ملهوفاً أو يعطي السائل والطالب، ويحنُّ فيها على الكبير والصغير، ويقف إلى جانب أخيه الإنسان، ويحمي الأرض ممن خربوها، ونشروا فيها القتل وسفك الدماء والشر والسواد والظلمات.

ومما لا شك فيه أنّ من يفهم السبب الأسمى لخلق الله له يبدأ بنشر الخير في كل مكان، ويعمل بمراد الله ويتّقي ربه في كلّ صغيرة وكبيرة من حياته، ويستشعر وجود ربه الى جانبه، فيدعوه بأن يوفّقه خير التوفيق لهذه المهمة العظيمة التي خلقه الله لأجلها، سيعيش في سعادة وهناء ويكون مستحقاً لسعادة الله في الدارين والفوز بجنان النعيم، له فيها كلّ ما طابت له نفسه من النعم والملذات التي لا حصر لها.