ما أركان الإيمان

ما أركان الإيمان
(اخر تعديل 2023-08-06 01:31:13 )

وحدة العقيدة

أرسل الله -تعالى- إلى الناس رُسُلاً مُبشِّرين ومُنذِرين، يدلّونهم على الهدى والرّشاد، ورغم تعدّد الرّسالات الإلهية، وتباعد أزمانها، وتنوّع شرائعها وأحكامها، واختلاف أقوامها وأتباعها، إلّا أنّ أصول الإيمان واحدة في كلّ الرّسالات وفي دعوة كلّ الأنبياء والمُرسَلين، ومن مَعِينها تشعبّت الأحكام والتّشريعات الخاصة بكلّ أمّة من الأمم، وقامت كلّ الرّسالات على دعوة التّوحيد ونبذ الشِّرك، والدعوة إلى الإيمان بالغيبيّات، مثل: الملائكة، واليوم الآخر، وحتّى رُسُل الله يُصدّق بعضهم بعضاً بما نُزِّل إليهم من عند الله، فما هي أركان الإيمان بالله تعالى؟

تعريف الإيمان

  • تعريف الإيمان في الاصطلاح الشرعيّ: هو الإقرار والاعتقاد بالقلب، والنطق باللسان، والعمل بالجوارح، وهو يزيد وينقص.[1]
  • أركان الإيمان: أركان الإيمان ستّة، وتقوم عليها أصول العقيدة الصحيحة، وهي التي ثبت بها الحديث النبويّ من حديث جبريل -عليه السلام- للرسول صلّى الله عليه وسلّم، حيث قال: (يا محمّدُ، أخبرني عن الإيمانِ، ما الإيمانُ؟ قال: الإيمانُ أنْ تؤمنَ باللهِ، وملائكتِه، وكُتُبِه، ورُسُلِه، واليومِ الآخرِ، والقدرِ كلِّه خيرِه وشرِّه، قال: صدقتَ).[2][3]

أركان الإيمان وشرحها

أركان الإيمان التي لا يصحّ إيمان العبد إلّا بها ستّة، وبيانها على النّحو الآتي:

الإيمان بالله

يتضمّن الإيمان بالله -تعالى- أربعة أمور، هي:[4]

  • الإيمان بوجود الله تعالى: هو الإيمان بأنّ الله -سبحانه وتعالى- موجودٌ وجوداً أزليّاً، لا أوّل له ولا آخِر، وأنّه حيٌّ لا يموت، ومحيطٌ بجميع مخلوقاته، فيعلم جميع أحوالهم، ويسمع جميع أصواتهم، ويعلم سرَّهم ونجواهم، ويُبصِر حركاتهم وسكناتهم، وهو المُهيمن عليهم، والمُحاسب لهم على أعمالهم، قال الله تعالى: (أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ مَا يَكُونُ مِن نَّجْوَى ثَلَاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ وَلَا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سَادِسُهُمْ وَلَا أَدْنَى مِن ذَلِكَ وَلَا أَكْثَرَ إِلَّا هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا ثُمَّ يُنَبِّئُهُم بِمَا عَمِلُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ).[5]
  • الإيمان بربوبيّة الله تعالى: يقتضي هذا الإيمان الاعتقادَ بأنّ الله -سبحانه- ربّ كلّ شيء؛ فهو الخالق، وهو مالك المُلك، وهو رازق المخلوقات، ومُدبِّر أمورهم، قال الله تعالى: (قُل مَن يَرزُقُكُم مِنَ السَّماءِ وَالأَرضِ أَمَّن يَملِكُ السَّمعَ وَالأَبصارَ وَمَن يُخرِجُ الحَيَّ مِنَ المَيِّتِ وَيُخرِجُ المَيِّتَ مِنَ الحَيِّ وَمَن يُدَبِّرُ الأَمرَ فَسَيَقولونَ اللَّهُ فَقُل أَفَلا تَتَّقونَ).[6]
  • الإيمان بألوهيّة الله تعالى: هو أن يؤمن العبد بأنّ الله -سبحانه وتعالى- يستحقُّ العبادة وحده، فلا معبود بحقّ إلّا الله، وكلّ أحدٍ يدّعي بالألوهيّة عدا الله فهو باطل، قال الله تعالى: (ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِن دُونِهِ هُوَ الْبَاطِلُ وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ).[7]
  • الإيمان بأسماء الله وصفاته: المعنى أن يعتقد العبد أنّ لله -تعالى- أسماء سمّى بها نفسه، وصفاتٍ وصف بها نفسه، وكلّها تليق بجلال الله، ولا يُماثِل بها أحداً من خلقِه، ومن أسماء الله سبحانه وتعالى: الرّحمن، والرّحيم، والمَلِك، والقُدّوس، والسَّلام، والمُؤمن، والمُهيمن، والعزيز، والجَبَّار، والمُتكبِّر، قال الله تعالى: (وَلِلهِ الأَسماءُ الحُسنى فَادعوهُ بِها)،[8] وقال أيضاً: (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ).[9]

الإيمان بالملائكة

يُعدّ الإيمان بالملائكة الرُّكن الثاني من أركان الإيمان، وبيانه على النّحو الآتي:[4][10]

  • تعريف الملائكة: هم مِن خَلْق الله تعالى، خلَقهم من نور، وأوكلَ لهم أعمالاً يقومون بها، وفطرهم على طاعته، فلا يعصونه فيما أمرهم به، ولا يعلم عددهم إلّا الله تعالى، واختصّهم الله بصفات خَلقيّة، مثل: القدرة على التّشكّل، وهم لا يأكلون ولا يشربون.
  • الإيمان بالملائكة: هو الاعتقاد الجازم بوجودهم، والتّصديق بكلّ ما صحّ به الخبر عنهم، من أسمائهم، وأعمالهم، وصفاتهم، ومنهم: جبريل -عليه السّلام- وهو الأمين لوحي الله إلى رُسُله وأنبيائه، وميكائيل -عليه السّلام- وهو المُوَكَّل بالرّزق، وإسرافيل -عليه السلام- الذي أوكل الله إليه مهمّة النّفخ في الصور، ومنهم خازن الجنّة، وخازن النار، ومَلَك الموت الذي أوكل الله إليه قبض أرواح العباد حين انتهاء أجلها، قال الله تعالى: (مَن كَانَ عَدُوًّا لِلهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكَالَ فَإِنَّ اللهَ عَدُوٌّ لِّلْكَافِرِينَ).[11]

الإيمان بالكُتُب السماويّة

الإيمان بالكتب السماوية يشمل عدّة جوانب، هي:[4]

  • الإيمان بالكتب السماوية يستلزم أن يُصدّق العبد تصديقاً جازماً بأنّ الله -تعالى- أنزل كُتُباً على رسله وأنبيائه هدايةً وإرشاداً لأقوامهم، وأنّ كلّ ما فيها هو كلام الله سبحانه وتعالى، وما نعلمه من هذه الكتب خمسة كتب، هي: القرآن الكريم الذي أنزله الله -تعالى- على سيّدنا محمد صلّى الله عليه وسلّم، والتوراة أنزلها الله -تعالى- على سيّدنا موسى عليه السلام، والإنجيل أنزله الله -تعالى- على سيّدنا عيسى عليه السلام، والزّبور أنزله الله -تعالى- على سيّدنا داود عليه السلام، والصُّحف أنزلها الله -تعالى- على سيدنا إبراهيم عليه السلام.
  • الإيمان بأنّ القرآن الكريم هو آخر ما نزل من الكتب، وقد جعله الله ناسخاً لجميع الكتب التي أُنزِلت قبله، وجعله مُهيمناً عليها، قال تعالى: (وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ)،[12] وقد ختم الله به الرّسالات، والإيمان والاعتقاد بأنّ الله -سبحانه وتعالى- تعهَّد بحفظه من التغيير والتبديل، فوجب الإيمان بكلّ ما فيه، وامتثال جميع أحكامه، قال تعالى: (إِنّا نَحنُ نَزَّلنَا الذِّكرَ وَإِنّا لَهُ لَحافِظونَ).[13]

الإيمان بالرُّسُل

يقتضي هذا الركن الإيمان بعدّة جوانب، هي:[4]

  • حقيقة الإيمان بالرّسل هي يقين العبد بأنّ الله -سبحانه- بعث رُسُلاً إلى النّاس بقصد دعوتهم إلى عبادة الله وحده، ونبذ الشِّرك به، وإرشادهم إلى سُبُل عبادة الله بما يُنْجيهم يوم القيامة، ولا يعلم حقيقة عدد الأنبياء إلّا الله وحده، قال الله تعالى: (وَرُسُلًا قَدْ قَصَصْنَاهُمْ عَلَيْكَ مِن قَبْلُ وَرُسُلًا لَّمْ نَقْصُصْهُمْ عَلَيْكَ).[14]
  • الإيمان برُسِل الله -تعالى- يقتضي محبّتهم وتصديقهم فيما جاؤوا به من عند الله تعالى.
  • الإيمان بأنّ هناك خمسةً من رُسُل الله أولي عزمٍ؛ فهم أصحاب عزمٍ وهِمّةٍ في العبادة وتبليغ الدّعوة، قال الله سبحانه وتعالى: (فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُولُو الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ)،[15] وهم: محمّد، وإبراهيم، وموسى، وعيسى، ونوح عليهم السّلام، قال تعالى :(وَإِذْ أَخَذْنَا مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثَاقَهُمْ وَمِنكَ وَمِن نُّوحٍ وَإِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ وَأَخَذْنَا مِنْهُم مِّيثَاقًا غَلِيظًا).[16]

الإيمان باليوم الآخر

الإيمان باليوم الآخر من أركان الإيمان الغيبيّة، وبيان ذلك على النحو الآتي:[4]

  • يُقصَد باليوم الآخر يوم القيامة، ويبدأ اليوم الآخر من لحظة موت الإنسان إلى وقت بعث الناس من قبورهم أحياء، ويمتدّ إلى حشرهم للحساب والجزاء، ثمّ ينتهي بدخول الناس إلى الجنّة أو إلى النار، ومن أهمّ أحداثه نشرُ صحُف أعمال الناس، ووضع الموازين، ومَدّ الصراط فوق جهنّم، وغير ذلك، وسُمِّي بهذا الاسم لأنّه لا يوم بعدَه، وتُعدّ فترة البرزخ في القبر وما فيه من نعيم أو جحيم من اليوم الآخر.
  • الإيمان باليوم الآخر يقتضي التّصديق الجازم بكلّ ما أخبر الله به في القرآن الكريم، وما صحّ به الخبر عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، من لحظة الموت وحتى دخول الجنّة أو النّار، قال الله تعالى: (قاتِلُوا الَّذينَ لا يُؤمِنونَ بِاللهِ وَلا بِاليَومِ الآخِرِ).[17]

الإيمان بالقَدَر خيرِه وشرِّه

الإيمان بالقدر يوجِبُ التّصديقَ بأربعة أمور، هي: علم الله، وكتابة الله لكلّ ما هو كائن، ونفاذ مشيئة الله تعالى، وخلْقُ الله لأعمال العباد، وبيان ذلك على النحو الآتي:[4][18]

  • على العبد أن يؤمن بأنّ علم الله -تعالى- شاملٌ لكلّ شيء في الماضي والحاضر والمستقبل، وأنّ الله -سبحانه- يعلم ما لم يكن لو كان كيف يكون، ومثال ذلك إخبار الله -تعالى- عن حال الكفّار لو عادوا إلى الدنيا، فقال الله تعالى: (وَلَو رُدّوا لَعادوا لِما نُهوا عَنهُ).[19]
  • على العبد أن يؤمن بأنّ الله -تعالى- قد كتب كلّ ما هو كائن إلى قيام الساعة قبل خلق السّماوات والأرض بخمسين ألف سنة، قال النبي صلّى الله عليه وسلّم: (قدَّر اللهُ المقاديرَ قبْلَ أنْ يخلُقَ السَّماواتِ والأرضَ بخمسينَ ألفَ سنةٍ).[20]
  • يلزمُ الإيمان التامّ بأنّ مشيئة الله -تعالى- نافذة لجميع خلقه، فما شاء الله كان، وما لم يشأ لم يكن، ولا يكون في مِلك الله -سبحانه- إلّا ما يريد، وعلى العبد أن يوقِن أنّ ما أصابه لم يكن ليُخطِئَه، وما أخطأه لم يكن ليُصيبَه، قال الله تعالى: (وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَن يَشَاءَ اللَّهُ).[21]
  • يجب على العبد أن يؤمن بأنّ الله -سبحانه- خالق كلّ شيء في الوجود، وهو الخالق لأفعال العباد، والله -سبحانه- أعطى العبد القدرة على مباشرة الفعل الذي خلقه الله، سواء كان هذا الفعل خيراً أم شراً، قال تعالى: (وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ).[22]

المراجع

  1. ↑ محمد العثيمين (1-12-2006م)، "ما تعريف الإيمان، وهل يزيد وينقص؟"، www.ar.islamway.net، اطّلع عليه بتاريخ 30-12-2017م. بتصرف.
  2. ↑ رواه ابن منده، في الإيمان، عن عمر بن الخطاب، الصفحة أو الرقم: 9، إسناده مجمع على صحته.
  3. ↑ محمد السحيم (16-12-2013م)، "أركان الإيمان (1)"، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 30-12-2017م. بتصرّف.
  4. ^ أ ب ت ث ج ح محمد عياد، "هذا ديننا"، www.saaid.net، اطّلع عليه بتاريخ 29-12-2017م. بتصرّف.
  5. ↑ سورة المجادلة، آية: 7.
  6. ↑ سورة يونس، آية: 31.
  7. ↑ سورة الحج، آية: 62.
  8. ↑ سورة الأعراف، آية: 180.
  9. ↑ سورة الشورى، آية: 11.
  10. ↑ "الإيمان بالملائكة"، www.islamweb.net، 26-7-2003م، اطّلع عليه بتاريخ 29-12-2017م. بتصرّف.
  11. ↑ سورة البقرة، آية: 98.
  12. ↑ سورة المائدة، آية: 48.
  13. ↑ سورة الحجر، آية: 9.
  14. ↑ سورة النساء، آية: 164.
  15. ↑ سورة الأحقاف، آية: 35.
  16. ↑ سورة الأحزاب، آية: 7.
  17. ↑ سورة التوبة، آية: 29.
  18. ↑ أمين الدميري (31-5-2014م)، "أركان الإيمان"، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 29-12-2017م. بتصرف.
  19. ↑ سورة الأنعام، آية: 28.
  20. ↑ رواه ابن حبان، في صحيح ابن حبان، عن عبد الله بن عمرو، الصفحة أو الرقم: 6138 ، أخرجه في صحيحه.
  21. ↑ سورة الإنسان، آية: 30.
  22. ↑ سورة الصافات، آية: 96.