ما هو الظهار

ما هو الظهار
(اخر تعديل 2023-08-06 01:31:13 )

الإيلاء

هو الحلف بعدم وطء الزوجة، وحرمانها من حقّها في ذلك، ممّا يؤدّي لتركها كالمعلّقة، فلا يقوم زوجها بحقوقها، ولا هي مطلقةٌ فتتزوج برجلٍ آخرٍ يقوم بواجبات الزوج، وتجدر الإشارة إلى أنّ الإيلاء من أمور الجاهلية، حيث كان الرجل إذا غضب من زوجته أقسم على عدم جماعها لسنة، أو لسنتين، أو ألّا يجامعها أبداً، وكانوا ينفّذون ما أقسموا عليه من غير لومٍ أو حرجٍ، ممّا كان يؤدّي لإلحاق الأذى بالزوجة، فلمّا أشرق نور الإسلام، أعاد الحقّ إلى نصابه، وأنصف النساء بوضع أحكام ٍ للإيلاء أدّت إلى التخفيف من ضرره، فحرّم الإسلام الإيلاء كونه حلف على ترك واجبٍ، حيث إنّ الوطء من مقاصد الزواج، وبه يحصل الإعفاف والتحصين، كما أنّه حقّ للزوجة، كما وضع العلماء شروطاً إذا تحقّقت طُبّق أحكام الإيلاء، وهي أن يكون الزوج ممّن يستطيعون الجِماع، وكذلك أن تكون الزوجة ممّن يمكن جِماعها، وأن يقسم الزوج بالله تعالى، أو بأحد صفاته، أو بأي صيغةٍ حكمها حكم اليمين، وأن تكون المدّة الزمنية التي يقسم عليها أكثر من أربعة أشهرٍ، فإذا أقسم على عدم الجِماع لمدّةٍ أقلّ من أربعة أشهرٍ اعتُبر بذلك مولياً، ولكن لا ينطبق عليه أحكام الإيلاء، فإذا انطبقت الشروط كلّها كان مولياً، ووجبت عليه أحكام الإيلاء، وأمّا أحكام الإيلاء فهي كما قال الله تعالى: (لِّلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِن نِّسَائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فَإِن فَاءُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ*وَإِنْ عَزَمُوا الطَّلَاقَ فَإِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ)،[1] فوضع الإسلام حلاً لهذه المعضلة يتمثّل في إمهال الزوج أربعة أشهرٍ، فإذا رجع عن يمينه وجامع زوجته فليس عليه شيئاً ويغفر الله له، وإن أصرّ على الإيلاء يتم إيقافه، ويُؤمر بإتيان زوجته، والتكفير عن يمينه، فإن أصرّ على ذلك يأمره الحاكم بطلاقها، إذا هي طلبت ذلك، فإن أبى الطلاق، قام به الحاكم؛ لأنّه يقوم مقام المولي في حال امتناعه عن الطلاق.[2]

الظهار

يعرّف الظهار لغةً بأنّه تشبيه الرّجل زوجته، أو جزءاً سائغاً منها، أو جزءاً يعبّر به عنها، بامرأةٍ محرّمةٍ عليه تحريماً مؤبّداً، أو بجزءٍ منها يحرم عليه النظر إليه؛ كالظهر، والبطن، والفخذ،[3] ويمكن أن يحصل الظهار بقول الرجل لزوجته: (أنتِ عليّ كظهر أمي)، وكان هذا النوع من الإيلاء يعتبر طلاقاً في الجاهلية، ولكنّ الإسلام أبطل هذا النوع من الظلم، فأصبح تحريماً للزوجة من غير طلاقٍ، ورتّب على الرجل الكفارة؛ لتكون له رادعاً، فإذا أدّاها رجعت زوجته حلالاً عليه، وكفارة الظهار هي عتق رقبةٍ، فإن لم يجد فصيام شهرين متتابعين، فإن لم يستطع فإطعام ستين مسكيناً، ومن الجدير بالذكر أنّ حكم الظهار في الإسلام نزل بعد قصة حصلت مع الصحابية خولة بنت مالك بن ثعلبة الخزرجية، التي كانت متزوجةً من أوس بن الصامت، وبعد سنينٍ طويلةٍ من زواجهما وكانت خولة قد أنجبت منه عدّة أولادٍ، وفي أحد الأيام عاد أوس -رضي الله عنه- إلى البيت، وخولة -رضي الله عنها- قائمةً تصلّي، فأخذ أوس ينظر إليها وهي جميلة الهيئة، فاتنة المنظر فتشوّق إليها، فلمّا انتهت من صلاتها اقترب منها وداعبها فنفرت منه، فاستحوذ عليه الشيطان وغضب، ثمّ قال لها: (أنتِ عليّ كظهر أمي)، فوقع بذلك الظهار.[4]

كان الظهار في الجاهلية يعتبر أشدّ أنواع الطلاق، ولمّا سمعت خولة -رضي الله عنها- ذلك شقّ عليها الأمر، وأخذت تتذكّر السنوات التي قضتها مع زوجها أوس، وتفكّر في أبنائها وبيتها، وصعب عليها مفارقة رفيق عمرها ووالد بنيها، فتوجّهت إلى رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- تشكو إليه حزنها وآلامها، وتلتمس عنده المخرج، فقالت: (يا رسول الله، إنّ أوساً قد تزوجني وأنا شابة، فبعد أن كبرت سني، وكثر أولادي، جعلني عليه كظهر أمّه، وإن لي منه صبيةٌ، إن ضممتهم إليه ضاعوا، وإن ضممتهم إليّ جاعوا)، فصمت رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- ملياً، وفكّر بالأمر فلم يجد له من مخرجٍ، فقد كانت المرة الأولى التي تعرض عليه مثل هذه المسألة، ولم يسبق أن نزل فيها وحيٌ من الله تعالى، فقال لها: (يا خولة ما عندي من أمرك من شيءٍ)، فاشتدّ عليها الأمر، وضاقت عليها الدنيا، وازداد حزنها، وقالت: (يا رسول الله، ما ذكر طلاقاً، وإنّما هو أبو ولدي، وأحبّ الناس إليّ)، فقال لها رسول الله: (يا خولة ما عندي من أمرك شيئاً).[4]

لمّا سمعت خولة ذلك أخذت تشكو إلى الله تعالى حالها، عسى أن يفرج كربتها، وتقول: (ربي أشكو إليك ضعفي وفاقتي يا من تعلم حالي وحال صغاري)، وبينما هي ترفع يديها إلى السماء تناجي ربها، وتنظر إلى رسول الله تنتظر منه حلاً لما هي فيه، إذ تغشّى رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- ما يتغشّاه عند نزول الوحي، فيتصبب عرقاً، ويثقل جسمه، فلمّا ذهب عنه ما أصابه، أخبرها أنّ الله -تعالى- قد سمع محاورتها، واستجاب دعاءها، وأنّ على زوجها عتق رقبةٍ، فإن لم يستطع فصيام شهرين، فإن لم يستطع فإطعام ستين مسكين، ثمّ تلا عليها قول الله تعالى: (قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ*الَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنكُم مِّن نِّسَائِهِم مَّا هُنَّ أُمَّهَاتِهِمْ إِنْ أُمَّهَاتُهُمْ إِلَّا اللَّائِي وَلَدْنَهُمْ وَإِنَّهُمْ لَيَقُولُونَ مُنكَرًا مِّنَ الْقَوْلِ وَزُورًا وَإِنَّ اللَّهَ لَعَفُوٌّ غَفُورٌ*وَالَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِن نِّسَائِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِّن قَبْلِ أَن يَتَمَاسَّا ذَلِكُمْ تُوعَظُونَ بِهِ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ*فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ مِن قَبْلِ أَن يَتَمَاسَّا فَمَن لَّمْ يَسْتَطِعْ فَإِطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِينًا ذَلِكَ لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ أَلِيمٌ)،[5] ففرحت خولة فرحاً شديداً، واطمأن بالها، وحمدت الله تعالى، ثمّ قالت للنبي -عليه السلام- أنّ زوجها لا يستطيع أن يعتق رقبةً، ولا أن يصوم شهرين متتابعين، ولا عنده ما يتصدّق به ليُطعم ستين مسكيناً، فأعطاها رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- تمراً؛ لتعطيه لزوجها حتى يُطعم به ستين مسكيناً.[4]

حكم الظهار

تجدر الإشارة إلى أنّ الظهار في الجاهلية كان يعتبر طلاقاً، فلمّا جاء الإسلام ألغى كونه طلاقاً، وأصبح يميناً مكفّرةً، بالإضافة إلى تحريم الظهار، واعتباره قولٌ باطلٌ فاحشٌ، فقد قال الله تعالى: (الَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنكُم مِّن نِّسَائِهِم مَّا هُنَّ أُمَّهَاتِهِمْ إِنْ أُمَّهَاتُهُمْ إِلَّا اللَّائِي وَلَدْنَهُمْ وَإِنَّهُمْ لَيَقُولُونَ مُنكَرًا مِّنَ الْقَوْلِ وَزُورًا وَإِنَّ اللَّهَ لَعَفُوٌّ غَفُورٌ)،[6] حيث وصف الله -تعالى- الظهار بأنّه كذبٌ وافتراءٌ؛ لأنّ المظاهر يُحرّم ما أحلّ الله له، ويصف زوجته بأنّها أمّه وما هي بأمّه، ولكن إذا تكلّم الرجل بالظهار حرم عليه الاستمتاع بزوجته، حتى يكفر عن الظهار، كما قال رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- للذي ظاهر زوجته: (فلاَ تقربْها حتَّى تفعلَ ما أمرَكَ اللَّهُ بِهِ)،[7] وأمّا الكفّارة فهي عتق رقبةٍ مؤمنةٍ، فإن لم يجد أو لم يملك ثمنها، فيجب عليه صيام شهرين متتابعين، فإن لم يستطع صيام الشهرين لمرضٍ أو ضعفٍ، انتقل إلى إطعام ستين مسكيناً، ونصيب كلّ مسكيناً مدّاً من البرّ، ونصف صاعٍ من غيره.[8]

المراجع

  1. ↑ سورة البقرة، آية: 226-227.
  2. ↑ "الإيلاء"، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 4-7-2018. بتصرّف.
  3. ↑ "تعريف و معنى الظهار في معجم المعاني الجامع"، www.almaany.com، اطّلع عليه بتاريخ 4-7-2018. بتصرّف.
  4. ^ أ ب ت "معنى الظهار وكفارته"، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 3-7-2018. بتصرّف.
  5. ↑ سورة المجادلة، آية: 1-4.
  6. ↑ سورة المجادلة، آية: 2.
  7. ↑ رواه الألباني، في صحيح الترمذي، عن عبد الله بن عباس، الصفحة أو الرقم: 1199، حسن.
  8. ↑ "الظهار"، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 3-7-2018. بتصرّف.