-

كيف نحقق الخشوع في الصلاة

(اخر تعديل 2024-09-09 11:28:33 )

الخشوع في الصلاة

تعتبر الصلاة عمود الدين، وركناً من أهم أركان الإسلام، وهي الحد الفاصل بين الكفر والإيمان، وهي علامة على صدق إيمان العبد، وهي الناهية عن الفحشاء والمنكر، فلا بد للصلاة من أن تحقق أهدافها في العبد، ولا يكون ذلك إلاّ بالخشوع فيها، وحضور القلب عند أدائها، فالخشوع روح الصلاة، وقد وصف الله سبحانه وتعالى عباده المؤمنين بالفلاح، وذلك لأنهم يخشعون في صلاتهم، فقد قال الله سبحانه وتعالى في كتابه العزيز: (قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ*الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ)[1]

تعريف الخشوع في الصلاة

الخشوع في اللغة من (خشع): الخاء والشين والعين أصل واحد، يدلّ على التطامن، يُقال خشع فلان: إذا تطامن وطأطأ رأسه، ويخشع خشوعاً، والخشوع قريب في المعنى من الخضوع، إلا أنّ الخضوع يكون في البدن والإقرار بالاستخذاء، أما الخشوع فيكون في الصوت والبصر.[2] يقال: خشع في صلاته ودعائه أي أقبل بقلبه على ذلك، وهو مأخوذ من القول: خشعت الأرض إذا سكنت واطمأنت.[3]

أما الخشوع في الاصطلاح فقد عرّفه ابن قيم الجوزية بقوله: "قيام القلب بين يدي الربِّ بالخضوع والذلِّ، والجمعية عليه، والخشوع الانقياد للحق، وهذا من موجبات الخشوع، فمن علاماته أنّ العبد إذا خولف ورد عليه بالحق استقبل ذلك بالقبول والانقياد".[4]

كيفية تحقيق الخشوع في الصلاة

لكي يتمكن المؤمن من الوصول إلى منزلة الخشوع في الصلاة، عليه أن يتبع الطرق التي تعينه على ذلك، ومنها:[5]

  • أن يُحسن وضوءه؛ وذلك بأن يكون الوضوء مستوعباً لمناطق الغسل، فذلك له تأثير في خشوع القلب وحضوره.
  • أن يُقبِل إلى الصلاة ونفسه مجتمعة، وفكره متدبر، وقلبه حاضر، وذلك بأن يتهيّأ للصلاة ويبتعد بفكره عن شواغل الدنيا وملهياتها.
  • أن يُقبِل إلى الصلاة بفكره وقلبه، وجوارحه، فيَعلم أنّه عندما يؤدي الصلاة أنّ ربّه يراه، ويراقبه، أي أن يُطبّق معنى الإحسان في أدائه للصلاة.
  • أن يستحضر في نفسه تفاهة الدنيا، وأنّه مهما طال المُقام فإنّ الرحيل هو النهاية.
  • ألاّ يتعجل في أدائه لصلاته، بل يجب عليه أن يعطي الصلاة حقّها من تمهل وطمأنينة.
  • أن يُصلّي الصلاة في أول وقتها؛ فيكون أمامه فسحة من الوقت.
  • أن يتخذ سترة يقف وراءها، أو أن تكون صلاته قريبة من جدار؛ حتى لا يشغله شيء عن الصلاة.
  • أن يحافظ على أداء سنن الصلاة الرواتب القبليّة والبعديّة؛ فهي توقظ القلب، وتهيئه للخشوع.
  • ألا يتحرك في صلاته إلاّ لضرورة؛ فيقلل من حركة جوارحه؛ لأنّ سكون الجوارح يساعد على حضور القلب، وخشوعه.
  • أن يلتزم بأحكام الصلاة وآدابها، ويبتعد عن محظوراتها؛ كأن ينظر إلى السماء، أو يسابق الإمام في صلاة الجماعة.
  • أن يحرص على أن يكون مأكله حلال؛ فذلك أدعى لأن يكون القلب رفيقاً خاشعاً.
  • أن يحرص على التزوّد من العلم، والتقرب إلى الله سبحانه وتعالى، والتقرب إليه بالدعاء والرجاء والخوف منه.
  • أن يبتعد بنفسه عن الرياء، ويعمل جاهداً على أن يكون عمله وصلاته خالصة لله سبحانه وتعالى.
  • أن يُكثر من الرجوع إلى الله سبحانه وتعالى؛ وذلك بالتوبة إلى الله، وترك الذنوب والمعاصي.
  • أن يتواضع إلى الله سبحانه وتعالى، ويُقرّ بتقصيره، ويبتعد عن العُجب بنفسه وبعبادته.
  • أن يدرك قيمة الصلاة وأنها أعظم أركان الإسلام بعد الشهادتين.
  • أن يُكثر من قراءة القرآن وتدبره، وزيارة القبور للموعظة، ومحاسبة النفس بين الفترة والأخرى.
  • أن يُفكّر في أعمال الصلاة وما فيها من أقوال.

محل الخشوع

الخشوع محلّه القلب؛ فإذا خشع القلب ظهرت علاماته وآماراته وآثاره على بقية الجوارح، أما إذا خشعت الجوارح فقط ولم يخشع القلب، فهذا يسمى بخشوع النفاق؛ أي أن يخشع الجسد وجوارحه، ولا يخشع القلب.[5]

حكم الخشوع في الصلاة

اختلف الفقهاء في حكم الخشوع في الصلاة هل الخشوع فرض من فرائض الصلاة، أو من فضائلها على أقوال:[6]

  • ذهب جمهور الفقهاء إلى أنّ الخشوع في الصلاة سنة من سنن الصلاة، واستدلوا على ذلك بصحة صلاة الشخص الذي يُفكّر بأمر دنيوي إذا كان ضابطاً أفعالها.
  • ذهب بعض فقهاء المذهب الحنفي والمالكي والشافعي والحنبلي إلى لزوم الخشوع في الصلاة؛ لأن الخشوع من لوازم الصلاة، غير أنهم اختلفوا في الخشوع؛ فقال بعضهم: إنّ الخشوع فرض من فرائض الصلاة، ولكن لا تبطُل الصلاة بتركه، وقال بعضهم: إنّ الخشوع فرض تبطل الصلاة بتركه كسائر الفروض، وقال بعضٌ منهم: إنّ الخشوع شرط لصحة الصلاة لكنه في جزء منها، وذكرالإمام القرطبي أنه قد يكون الخشوع مذموماً، كأن يكون بمطأطأة الرأس والتباكي.

صور من حال السلف مع الخشوع

لقد ضرب السلف أروع الأمثلة في خشوعهم في الصلاة وتقربهم إلى الله سبحانه وتعالى، ومن ذلك:[7]

خشوع الصحابة رضوان الله عليهم

الأمثلة كثيرة في خشوع الصحابة رضوان الله عليهم ومنها؛ خشوع الصحابي الجليل عبد الله بن الزبير رضي الله عنه في صلاته، فقد ذُكِرَ عنه أنّه كان ساجداً في صلاته عندما أتى المنجنيق فأخذ جزءاً من ثوبه، وهو في الصلاة لا يرفع رأسه.[7]

خشوع التابعين رحمهم الله تعالى

ومن الأمثلة على الخشوع في الصلاة في عهد التابعين خشوع عروة بن الزبيررحمه الله تعالى؛ فقد كان يخشع في صلاته خشوعاً عظيماً؛ ذُكِرَ أنّه خرج من المدينة المنورة مُتوجِّهاً إلى دمشق، فأصابته أكلة في رجله، فما وصل دمشق إلا والأكلة واصلة إلى نصف ساقه، فجُمع له الأطباء فأجمعوا على قطع ساقه، فقالوا له أن يشرب مُرَقِّداً أي منوّماً كي يتمكنوا من قطع رجله من دون أن يحس بالألم، فقال لهم: إن كنتم فاعلين ذلك أي قطع رجله فاقطعوها وأنا في الصلاة؛ فإنّي لا أحسُّ بذلك، ولا أشعر به، فقطعوا رجله من فوق الأكلة من المكان الذي فيه حياة احتياطاً حتى لا يبقى منها شيء وهو قائم يصلي، فما تألَّم ولا اضطرب.[7]

المراجع

  1. ↑ سورة المؤمنون، آية: 1-2.
  2. ↑ أحمد بن فارس (1979)، معجم مقاييس اللغة، بيروت: دار الفكر، صفحة 182، جزء 2. بتصرّف.
  3. ↑ أحمد بن محمد بن علي الفيومي ثم الحموي، أبو العباس، المصباح المنير في غريب الشرح الكبير بيروت: المكتبة العلمية، صفحة 170، جزء 1. بتصرّف.
  4. ↑ ابن قيم الجوزية (1996)، مدارج السالكين بين منازل إياك نعبد وإياك نستعين (الطبعة الثالثة)، بيروت: دار الكتاب العربي، صفحة 516، جزء 1.
  5. ^ أ ب محمد بن لطفي الصباغ (1999)، الخشوع في الصلاة (الطبعة الثالثة)، السعودية: دار السلام للطباعة والنشر والتوزيع والترجمة، صفحة 44-74. بتصرّف.
  6. ↑ وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية - الكويت (1414هـ)، الموسوعة الفقهية الكويتية (الطبعة الثانية)، الكويت: دار السلاسل، صفحة 117-119، جزء 19. بتصرّف.
  7. ^ أ ب ت د.سعيد بن وهف القحطاني، الخشوع في الصلاة في ضوء الكتاب والسنة - مفهوم، وفروق، وفضائل، وعلم، وعمل، وفوائد، وأسباب، وآداب، وأحكام، السعودية: مطبعة سفير، صفحة 112-114. بتصرّف.